الزهد
الزهد
الزهد: حقيقته وتعريفه:
قيل للإمام أحمد: " أيكون الرجل زاهداً. ومعه ألف دينار؟ قال: نعم على
شريطة ألا يفرح إذا زادت ولا يحزن إذا نقصت. ولهذا كان الصحابة أزهد الأمة
مع ما بأيديهم من الأموال" مدارج السالكين ( 1/463 ).
قال ابن تيمية: " قال ابن تيمية: " الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة... " مدارج السالكين ( 2/12 ).
قال عبد الله بن المبارك:" هو الثقة بالله مع حب الفقر" مدارج السالكين( 2/13).
قال ابن القيم: " ومتعلقه ستة أشياء : لا يستحق العبد اسم الزهد حتى يزهد
فيها وهي المال والصور والرياسة والناس والنفس وكل ما دون الله " مدارج
السالكين ( 2/12 ).
وقال عبد الله بن المبارك: الزهد: هو الثقة بالله تعالى مع حب الفقر. الرسالة القشيرية (ص: 55- 56).
قال الحسن البصري : ( ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال
ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك وأن تكون في ثواب
المصيبة إذا أصبت بها أرغب منك فيها لو لم تصبك ) فهذا من أجمع كلام في
الزهد وأحسنه " بصائر ذوي التمييز (3/140)، مدارج السالكين (2/13).
قال ابن القيم: "وسمعت شيخ الإسلام يقول الزهد
تركك مالا ينفعك والورع تركك ما يضرك فالزهد فراغ القلب من الدنيا
لإفراغ اليدين منها.. " عدة الصابرين (ص: 226).
قال ابن المبارك ك " وقال عبد الله بن المبارك : هو الثقة بالله مع حب الفقر " مدارج السالكين (2/11).
قال الإمام أحمد: الزهد في الدنيا قصر الأمل.
وعنه رواية أخرى : أنه عدم فرحه بإقبالها ولا حزنه على إدبارها .
" مدارج السالكين (2/11).
قال ابن تيمية: " و " الزهد المشروع " هو ترك الرغبة فيما لا ينفع في
الدار الآخرة وهو فضول المباح التي لا يستعان بها على طاعة الله " مجموع
الفتاوى (10/21).
قال ابن تيمية: " فأما ما ينفع في الدار الآخرة بنفسه أو يعين على ما
ينفع في الدار الآخرة فالزهد فيه ليس من الدين بل صاحبه داخل في قوله
تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } مجموع الفتاوى (10/21).
قال ابن تيمية: " الفرق بين ما هو مشروع سواء كان واجبا أو مستحبا وما
ليس بمشروع . فالمشروع هو الذي يتقرب به إلى الله تعالى وهو سبيل الله وهو
البر والطاعة والحسنات والخير والمعروف وهو طريق السالكين ومنهاج
القاصدين والعابدين وهو الذي يسلكه كل من أراد الله هدايته وسلك طريق
الزهد والعبادة وما يسمى بالفقر والتصوف ونحو ذلك.
ولا ريب أن هذا يدخل فيه الصلوات المشروعة واجبها ومستحبها ويدخل في ذلك
قيام الليل المشروع وقراءة القرآن على الوجه المشروع والأذكار والدعوات
الشرعية ". مجموع الفتاوى (10/290-291).
قال ابن تيمية: " فالزهد في الشيء انتفاء الإرادة له إما مع وجود كراهته
وإما مع عدم الإرادة والكراهة بحيث لا يكون لا مريدا له ولا كارها له وكل
من لم يرغب في الشيء ويريده فهو زاهد فيه " مجموع الفتاوى (10/616).
قال الحسن : « لستم في شيء ، الزاهد الذي إذا رأى أحدا قال : هذا أفضل مني » الزهد الكبير للبيهقي (ص: 86).
أهمية الزهد:
قال ابن تيمية في جوابه لسؤال عن: " الأسباب التي يقوى بها الإيمان إلى
أن يكمل على ترتيبها ؟ هل يبدأ بالزهد ؟ أو بالعلم ؟ أو بالعبادة ؟ أم
يجمع بين ذلك على حسب طاقته ؟ فيقال : له لا بد من الإيمان الواجب
والعبادة الواجبة والزهد الواجب ثم الناس يتفاضلون في الإيمان ؛ كتفاضلهم
في شعبه وكل إنسان يطلب ما يمكنه طلبه ويقدم ما يقدر على تقديمه من
الفاضل . والناس يتفاضلون في هذا الباب : فمنهم من يكون العلم أيسر عليه
من الزهد ومنهم من يكون الزهد أيسر عليه ومنهم من تكون العبادة أيسر عليه
منهما فالمشروع لكل إنسان أن يفعل ما يقدر عليه من الخير كما قال تعالى :
{ فاتقوا الله ما استطعتم } " مجموع الفتاوى (7/651).
قال ابن القيم: " فكلما قوي الشعور بالمحبوب اشتد سفر القلب إليه وكلما
اشتغل الفكر به ازداد الشعور به والبصيرة فيه والتذكر له " مدارج السالكين
(1/444).
قال ابن القيم : " والذي أجمع عليه العارفون : أن الزهد سفر القلب من وطن الدنيا وأخذه في منازل الآخرة " مدارج السالكين (2/12).
قال شيخ الإسلام بن تيمية: " فما لا يكون بالله لا يكون وما لا يكون لله لا ينفع ولا يدوم " مجموع الفتاوى (8/329).
فيما يكون الزهد؟.
وقال أحمد بن حنبل: " الزهد على ثلاثة أوجه: ترك الحرام، وهو: زهد
العوام: والثاني: ترك الفضول من حلال، وهو: زهد الخواص. والثالث: ترك ما
يشغل العبد عن الله تعالى، وهو: زهد العارفين ". الرسالة القشيرية (ص:
55).
قال المحاسبي: " رض الله تعالى على العباد الزهد في حرامه، ونفّلهم الزهد
في حبس حلاله لموضع الفضل. وأمرهم بالرغبة فيما فيه رغّبهم، وبالزهد
فيما زهّدهم " المسائل في أعمال القلوب والجوارح والمكاسب والعقل (ص:
43).
وقال: " ألا أن الله لم ينفل أن يزهد الإنسان في حلالهن ولكن نفل أن
يزهده في حبس الحلال إن إنفاقه في وجوهه " المسائل في أعمال القلوب
والجوارح والمكاسب والعقل (ص: 43).
وقال المحاسبي: " ولرب مقل قد ظهر الزهد على ظاهر بدنه، وقلبه مشغول بالرغبة " المسائل في أعمال القلوب والجوارح (ص: 45).
قال ابن تيمية: " و [ الزهد ] النافع المشروع الذي يحبه الله ورسوله هو
الزهد فيما لا ينفع في الآخرة فأما ما ينفع في الآخرة وما يستعان به على
ذلك فالزهد فيه زهد في نوع من عبادة الله وطاعته والزهد إنما يراد لأنه
زهد فيما يضر أو زهد فيما لا ينفع فأما الزهد في النافع فجهل وضلال كما
قال النبي صلى الله عليه وسلم :« احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ
وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ » صحيح مسلم (13 / 142) " مجموع
الفتاوى (10/511).
قال ابن تيمية: " أن " الزهد " هو عما لا ينفع إما لانتفاء نفعه أو لكونه
مرجوحا ؛ لأنه مفوت لما هو أنفع منه أو محصل لما يربو ضرره على نفعه .
وأما المنافع الخالصة أو الراجحة : فالزهد فيها حمق " مجموع الفتاوى
(10/615).
فضل الزهد:
قال المحاسبي: " فلو لم ينظر صاحب الزهد إلى الدنيا إلا بالعتق من رقها،
واستبدال الشركاء أهل الظاهر لكان قد نجا من الفتن، وزال عنه محل الندم،
فأخلى قلبه من اعتلال الهم، ومؤنة الشقاء، وصار عتيقاً، واستراح من أن
يسترقه العبيد، وخف حمله، كثر حلمه، وعاش في الدنيا حميداً، وإن مات مات
شهيداً " المسائل في أعمال القلوب والجوارح (ص: 46).
قال ابن تيمية: " وأما اعتزال الناس في فضول المباحات وما لا ينفع وذلك
بالزهد فيه فهو مستحب . وقد قال طاووس : نعم صومعة الرجل بيته يكف فيه
بصره وسمعه .
وإذا أراد الإنسان تحقيق علم أو عمل فتخلى في بعض الأماكن مع محافظته على
الجمعة والجماعة فهذا حق كما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم
سئل : أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « أَيُّ
النَّاسِ أَفْضَلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ
قَالُوا ثُمَّ مَنْ قَالَ مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنْ الشِّعَابِ يَتَّقِي
اللَّهَ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ » صحيح البخاري، برقم:(2578)، صحيح
مسلم، برقم:(9 3502).
قال ابن تيمية: " ...وكنت في أوائل عمري حضرت مع جماعة من أهل " الزهد والعبادة والإرادة " فكانوا من خيار أهل هذه الطبقة .
فبتنا بمكان وأرادوا أن يقيموا سماعا وأن أحضر معهم فامتنعت من ذلك
فجعلوا لي مكانا منفردا قعدت فيه فلما سمعوا وحصل الوجد والحال صار الشيخ
الكبير يهتف بي في حال وجده ويقول : يا فلان قد جاءك نصيب عظيم تعال خذ
نصيبك فقلت في نفسي ثم أظهرته لهم لما اجتمعنا : أنتم في حل من هذا النصيب
فكل نصيب لا يأتي عن طريق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فإني لا
آكل منه شيئا .
وتبين لبعض من كان فيهم ممن له معرفة وعلم أنه كان معهم الشياطين وكان فيهم من هو سكران بالخمر " مجموع الفتاوى (10/419).
قال الشافعي: " فقر العلماء فقر اختيار، وفقر الجهّال فقر اضطرار " صلاح الأمة (1/229).
الباعث على الزهد:
قال المحاسبي: " أما الذي يبعث على الزهد في الدنيا قصر الأمل، والجد في العمل .
وقال: " فإذا قصر أمله حسن عمله، وزهد ي حبس الأموال إذا نظر إلى الأشياء بالزوال " المسائل في أعمال القلوب (ص:45).
وقال المحاسبي: " فمن لم ينظر إلا إلى يومه، ورآى أن غداً ليس من أيام
عمره، لم يطل أمله، ولم يقصر في عمله " المسائل في أعمال القلوب (ص:45).
قال المحاسبي في معرض جوابه عن سؤال: فما يبعث على الزهد فيما زهده الله
فيه؟ ... خفة المؤنة، والراحة من عظيم الكلفة " المسائل أعمال القلوب
والجوارح (ص:46).
كان الحسن كثيرا ما يقول : « يا معشر الشباب ، عليكم بالآخرة فاطلبوها ؛
فكثيرا رأينا من طلب الآخرة فأدركها مع الدنيا ، وما رأينا أحدا طلب
الدنيا فأدرك الآخرة مع الدنيا » الزهد الكبير للبيهقي( ص: 14).
أنواع الزهد:
قال ابن القيم: "وسمعت شيخ الإسلام
يقول الزهد ... هو ثلاثة أقسام زهد في الحرام وزهد في الشبهات والمكروهات
وزهد في الفضلات فالأول فرض والثاني فضل والثالث متوسط بينهما بحسب درجة
الشبهة وان قويت التحق بالأول وإلا فبالثالث وقد يكون الثالث واجبا بمعنى
انه لا بد منه وذلك لمن شمر إلى الله والدار الآخرة فزهد الفضلة يكون
ضرورة فإن إرادة الدنيا قادحة في إرادة الآخرة ولا يصح للعبد مقام الإرادة
حتى يفرد طلبه وإرادته ومطلوبة فلا ينقسم المطلوب ولا الطلب "
نماذج من الزاهدين وأقوالهم:
عن عبد الله بن المبارك:
"لا تضرعن لمخلوق على طمع** فإن ذاك مضر منك بالدين
واسترزق الله مما في خزائنه** فإنما هي بين الكاف والنون
ألا ترى كل من ترجو وتأمله** من البرية مسكين بن مسكين ".
الزهد الكبير للبيهقي برقم: (116).
قال ابن القيم: " وليس المراد رفضها من الملك فقد كان سليمان وداود
عليهما السلام من أزهد أهل زمانهما ولهما من المال والملك والنساء ما لهما
وكان نبينا من أزهد البشر على الإطلاق وله تسع نسوة وكان علي بن أبي
طالب وعبد الرحمن بن عوف والزبير وعثمان رضي الله عنهم من الزهاد مع ما
كان لهم من الأموال وكان الحسن بن علي رضي الله عنه من الزهاد مع أنه كان
من أكثر الأمة محبة للنساء ونكاحا لهن وأغناهم وكان عبدالله بن المبارك
من الأئمة الزهاد مع مال كثير وكذلك الليث بن سعد من أئمة الزهاد وكان له
رأس مال يقول : لولا هو لتمندل بنا هؤلاء " مدارج السالكين ( 2/12-13).
يقول الحسن : « رحم الله عبدا جعل العيش عيشا واحدا ، فأكل كسرة ، ولبس
خلقا ، ولزق بالأرض ، واجتهد في العبادة ، وبكى على الخطيئة ، وهرب من
العقوبة ؛ ابتغاء الرحمة ، حتى يأتيه أجله وهو على ذلك » الزهد الكبير
للبيهقي (ص: 15).
كتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري أن عظني وأوجز . قال : فكتب إليه
الحسن : " أما بعد ، فإن الدنيا مشغلة للقلب والبدن ، وإن الزهد راحة
للقلب والبدن ، وإن الله سائلنا عن الذي نعمنا في حلاله ، فكيف بما نعمنا
في حرامه" الزهد الكبير للبيهقي (ص: 28).
كتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن عظني وأوجز ، فكتب إليه : « إن رأس ما
هو مصلحك ومصلح به على يديك الزهد في الدنيا ، وإنما الزهد باليقين ،
واليقين بالتفكر ، والتفكر بالاعتبار ، فإذا أنت فكرت في الدنيا لم تجدها
أهلا أن تتبع بها نفسك ، ووجدت نفسك أهلا أن تكرمها بهوان الدنيا ، فإن
الدنيا دار بلاء ، ومنزل قلعة » الزهد الكبير للبيهقي (ص: 29).
عن الحسن أنه كان يقول : « ابن آدم ، إياك والتسويف ؛ فإنك بيومك ولست
بغد ، فإن يكن غد لك فكِس (كن كيِّسا) في غد كما كست في اليوم ، وإلا يكن
لك لم تندم على ما فرطت في اليوم » الزهد والرقائق لابن المبارك (ص: 10).
عن الحسن أنه كان يقول : « أدركت أقواما كان أحدهم أشح على عمره منه على دراهمه ودنانيره » الزهد والرقائق لابن المبارك (ص: 11).
عن الحسن أنه قال : « إذا نظر إليك الشيطان فرآك مداوما في طاعة الله ،
فبغاك وبغاك ، فرآك مداوما ملك ورفضك ، وإذا كنت مرة هكذا ومرة هكذا طمع
فيك » الزهد والرقائق لابن المبارك (ص: 24).
قال ابن المبارك : « ما رأيت شيئا يقوى به على العبادة مثل الجوع ، والزهادة » الزهد وصفة الزاهدين لأحمد بن بشر (ص: 106).
عن الحسن قال : « يحشر الناس يوم القيامة كلهم عراة ما خلا أهل الزهد » الزهد لابن الدنيا:(ص:221).
قال الشافعي في ذم الدنيا: "
وما هي إلا جيفة مستحيلة == عليها كلاب همهنّ اجتذابها
فإن تجتنبها كنت سلماً لأهلها == وإن تجتذبها نازعتك كلابها.
بصائر ذوي التمييز (3/139).
قال الحسن البصري: " والله لقد رأيت أقواما كانت الدنيا أهون على أحدهم
من التراب تحت قديمه، ولقد رأيت أقواما يمسي احدهم ولا يجد عنده إلا قوتا،
فيقول : لا أجعل هذا كله في بطني، فيتصدق ببعضه، ولعله أحوج إليه ممن
تصدّق عليه " صلاح الأمة في علو الهمة (2/643).
قال عمر بن عبد العزيز لرجل قال له : يا أمير المؤمنين إن الله قد أعطاك
فلو لبست-وذلك بعد أن رآه يلبس قميصاً مرقوع الجيب من بين يديه ومن خلفه-
فقال له: ( أفضل القصد عنده الجدة، وأفضل العفو عنده المقدرة ) نزهة
الفضلاء (2/886).
قال عمر بن عبد العزيز في خطبته: " لا يطولنّ عليكم الأمد فتقسو قلوبكم
وتنقادوا لعدوكم، فإنه والله ما بسط أملاً من لا يدري لعله لا يصبح بعد
مسائه ولا يمسي بعد صباحه، وربما كانت بين ذلك خطفات المنايا " إحياء علوم
الدين(3/483).
قال الإمام الشافعي: " لا يدرك العلم إلا بالصبر على الذل.
وقال: لا يصلح طلب العلم إلا لمفلس. فقيل له: ولا الغني المكفي؟. قال : ولا الغني المكفي " صلاح الأمة (1/109-191).