وسائل تزكية النفوس سيد محمد بن جدو
وسائل تزكية النفوس
سيد محمد بن جدو
الوسائل التي يتوصل بها إلى تزكية هذه النفس وتهذيبها تنقسم إلى قسمين: وسائل مجملة، ووسائل مفصلة.
فأما الوسائل المجملة، فنذكر منها:
1- العمل على تطهير النفس من أخلاقها الرذيلة كالرياء والعجب والشح والبخل، والحرص والطمع، والأمن من مكر الله...
2- تحليتها بالأخلاق
الحميدة الفاضلة بعد أن أصبحت جاهزة لها بتخليها عن الأخلاق الدنيئة، وهذه
الأخلاق هي مثل: الإخلاص، والإنابة، والخوف من الله، والشكر، والتواضع...
3- المحافظة على الفرائض؛ لأنها أفضل طاعة يتقرب بها العبد إلى مولاه ((وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه)).
4- الإكثار من النوافل؛
لقول الله - عز وجل -: ((ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه))،
وأعظمها تأثيراً في تزكية النفوس هو ما كان منها أكثر مذلة وخضوعاً لله -
عز وجل -.
5 - تدبر القرآن، فهو
جلاء القلوب وإذا صفى القلب زكت النفس، وقد قال الله - عز وجل -: (كِتَابٌ
أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ)[ص: 29].
أما الوسائل التفصيلية؛ فمنها:
1- التوبة، فهي أول
مقامات منازل العبودية عند السالكين، وبها يذوق الإنسان حلاوة الانتقال من
التخلية إلى التحلية، قال الله - عز وجل - منوها بشأنها: (وَتُوبُوا إِلَى
اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النور:
31].
2- لزوم الاستغفار والذكر
عموماً، لقول الله - عز وجل -: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ
نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)[الزخرف: 36].
3- مخالفتها والإنكار عليها وعدم تلبية رغباتها؛ لأنها داعية للراحة والعصيان.
يقول الغزالي - رحمه الله
-: "اعلم أن أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك، وقد خلقت أمارة بالسوء مبالغة
في الشر فرارة من الخير، وأمرت بتزكيتها وتقويمها وقودها بسلاسل القهر إلى
عبادة ربها وخالقها ومنعها عن شهواتها وفطامها عن لذاتها، فإن أهملتها
جمحت وشردت ولم تظفر بها بعد ذلك".
4- توبيخها وتقريعها من أجل حملها على الطاعة:
يقول الغزالي - رحمه الله
-: "إن لازمت نفسك بالتوبيخ والمعاتبة والعذل والملامة كانت نفسك هي النفس
اللوامة التي أقسم الله بها، ورجوت أن تصير النفس المطمئنة المدعوة إلى أن
تدخل في زمرة عباد الله راضية مرضية، فلا تغفلن ساعة عن تذكيرها
ومعاتبتها، ولا تشتغلن بوعظ غيرك ما لم تشتغل أولاً بوعظ نفسك".
5- الإكثار من وعظها وتذكيرها بالموت والدار الآخرة:
فتخاطبها بمثل ما خاطبها
به الغزالي في إحيائه حيث يقول: "ويحك يا نفس لا ينبغي أن تغرك الحياة
الدنيا ولا يغرك بالله الغرور، فانظري لنفسك فما أمرك بمهم لغيرك، ولا
تضيعي أوقاتك، فالأنفاس معدودة، فإذا مضى منك نفس فقد ذهب بعضك، فاغتنمي
الصحة قبل السقم، والفراغ قبل الشغل، والغنى قبل الفقر، والشباب قبل الهرم،
والحياة قبل الموت، واستعدي للآخرة على قدر بقائك فيها، يا نفس أما
تستعدين للشتاء بقدر طول مدته، فتجمعين له القوت والكسوة والحطب وجميع
الأسباب، ولا تتكلين في ذلك على فضل الله وكرمه حتى يدفع عنك البرد من غير
جبة ولبد وحطب وهو القادر على ذلك، أفتظنين أيتها النفس أن زمهرير جهنم أخف
برداً وأقصر مدة من زمهرير الشتاء؟ أم تظنين أن ذلك دون هذا؟ أم تظنين أن
العبد ينجو منها من غير سعي؟ هيهات!! فكما لا يندفع برد الشتاء إلا بالجبة
والنار وسائر الأسباب فلا يندفع حر النار وبردها إلا بحصن التوحيد وخندق
الطاعات..".
6- سوء الظن بالنفس والحيلولة بينها وبين الاغترار بالعمل والإدلال به على الله:
فإن حسن الظن بالنفس يمنع
من كمال التفتيش، يقول ابن القيم - رحمه الله -: "على السالك أن لا يرضى
بطاعته لله، وألا يحسن ظنه بنفسه، فإن الرضا بالطاعة من رعونات النفس
وحماقاتها، ودليل على جهل الإنسان بحقوق العبودية وما يستحقه الرب - سبحانه
-، ويجب أن يعامل به، ثم إن رضى الإنسان وحُسْنه ظنه بنفسه يتولد منهما من
العجب والكبر والآفات الباطنة ما هو أشد من الكبائر الظاهرة من الزنا وشرب
الخمر".
7- تنقية العمل من حظوظ النفس وشوائب الرياء:
فقد جعل ابن القيم - رحمه
الله - تصفية العمل من الشوائب هي أساس الإخلاص في العمل، بحيث لا يمازج
عمل الإنسان ما يشوبه من شوائب إرادات النفس من طلب التزين في قلوب الخلق
أو طلب مدحهم والهرب من ذمهم، أو طلب تعظيمهم أو أموالهم أو خدمتهم
ومحبتهم... إلى غير ذلك من العلل والشوائب التي عقد متفرقاتها هو إرادة ما
سوى الله بعمله كائناً ما كان، فلا بدّ من التفتيش عما يشوب الأعمال من
حظوظ النفس، وتمييز حق الرب منها من حظ النفس، ولعل أكثرها أو كلها أن تكون
حظاً لنفسك وأنت لا تشعر، فلا إله إلا الله كم في النفوس من علل وأغراض
وحظوظ تمنع الأعمال أن تكون لله خالصة وأن تصل إليه.
8- محاسبة النفس:
وقد دل على وجوب محاسبة
النفس قول الله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)[الحشر: 18]، وقوله -
صلى الله عليه وسلم -: ((الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من
اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني)) دان نفسه: أي حاسبها.
وقال الحسن البصري: "إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه وكانت المحاسبة من همته".
وقال ميمون بن مهران: "لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه".
9- الإقلال من النوم والأكل والكلام:
ومما يعين على تزكية
النفس عدم الإكثار من هذه الأمور الثلاثة والإفراط فيها، فإن كثرة الكلام
بغير ذكر الله موجبة لقسوة القلب وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي،
وكثرة الأكل موجبة لقوة نوازع النفس الشهوانية لدى الإنسان، وتوسيع مجاري
الشيطان فيه، وكثرة الأكل موجبة لكثرة النوم، وكثرة النوم موجبة للعجز
والكسل فضلاً عن أنها مضيعة للعمر، وقد قيل: "من أكل كثيراً شرب كثيراً
فنام كثيراً فخسر كثيراً".
10- التحلي بالصبر واليقين:
فبالصبر ينتصر على شهوات
نفسه فيحجزها عن المحرمات ويحبسها على الطاعات، فجانبي التزكية: التخلي
والتحلي لا يمكن الحصول عليهما إلا عن طريق الصبر، (إِنَّمَا يُوَفَّى
الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[الزمر: 10].
11- الدعاء: من أسباب
تزكية النفس الدعاء، فهو سلاح المؤمن بأن يلجأ الإنسان إلى الله دائماً أن
يقيه شر نفسه وأن يعينه على طاعة الله، فقد كان من دعائه - عليه الصلاة
والسلام -: ((اللهم اهدني لأحسن الأعمال والأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت،
وقني سيئ الأعمال وسيئ الأخلاق لا يقي سيئها إلا أنت)).