الحديث الحادى والعشرون قل لي في الإسلام قولاً
( عن أبي عمر وقيل أبي عمرة سفيان بن عبد الله الثقفي - رضي الله عنه – قال ( قلت يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحد غيرك قال : قلت آمنت بالله ثم استقم ) [رواه المسلم]).
بسم
الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى وسلم وبارك على نبينا
محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، نسأل الله – عزّ وجلّ –أن يرزقنا العلم
النافع، والعمل الصالح، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن
يزيدنا علما، إنه سميع قريب مجيب .
قال المصنف ( عن أبي عمر وقيل أبي عمرة سفيان بن عبد الله الثقفي - رضي الله عنه – قال ( قلت يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحد غيرك قال : قلت آمنت بالله ثم استقم )).
هذا الحديث كما هو واضح معنا أخرجه الإمام مسلم رحمه الله وما أخرجه مسلم مر معنا أنه إيش ؟ صحيح .
قال في الحديث قال ( قلت يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحد غيرك ).
هذه
صيغة سؤال وأسئلة الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم – كثيرة ترد بصيغ
متعددة مسابقة منهم إلى أن ينالوا مراكز متقدمة في العلم أو في العمل فهذه
صيغة من الصيغ وصيغة أخرى أي العلم أفضل وصيغة أخرى عن الشر أيضاً ليبتعدوا
عنه كما كان حذيفة الناس يسألون عن الخير وأنا أسأل عن الشر مخافة أن أقع
فيه.
فالصحابة - رضي الله عنهم – كانوا يستاءلون على ما ينفعهم في دينهم ودنياهم .
أبي
عمر أو أبو عمرة سأل يقول قل لي في الإسلام قولاً، يعني قل لي في شرائع
الإسلام وأحكامه، قل لي في شرائع الإسلام، وأحكامه، قولاً لا أسأل عنه أحد
غيرك، معناه قول جامع واضح، فإذا عملت به كفاني في ديني ودنياي وآخرتي .
فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو الذي أوتي جوامع الكلم قال ( قل آمنت بالله ثم استقم ) .
آمنت
من الإيمان والإيمان مر معنا أنه التصديق هذا في أصل اللغة أما الإيمان في
الاصطلاح الشرعي فهو الاعتقاد بالقلب والقول باللسان والعمل بالجوارح
والأركان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان هذا هو الإيمان .
فإذاً الإيمان أن تؤمن بقلبك، تصدق بقلبك أن تقول أنا مؤمن بلسانك أن تعمل بجوارحك هذا الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي.
الإيمان
يشمل أركان الإيمان، الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر
وبالقدر خيره وشره ومر معنا تفصيلها في حديث جبريل – عليه السلام - .
ثم
استقم، الاستقامة هي السير على الطريق المستقيم، الذي لا اعوجاج فيه وهو
بالنسبة للإسلام المداومة على عمل الطاعات وترك المعاصي والسيئات .
هذا الحديث من جوامع كلم النبي – صلى الله عليه وسلم – .
نقف مع هذا الحديث الوقفات الآتية :
الوقفة
الأولى : المسلم دائماً وأبداً يحرص على ما ينفعه، وما ينفعه هنا في
الدنيا وفي الآخرة، لذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم، يسارعون كلما وجدوا
فرصة إلى سؤال النبي – صلى الله عليه وسلم – وهذا الصحابي الجليل سأل عن
هذا السؤال، السؤال الذي استفادت الأمة كلها من جوابه - صلى الله عليه وسلم
– فأجابه النبي – صلى الله عليه وسلم – بهاتين الكلمتين أو بهذه الجملة
البليغة العظيمة التي تحوي معاني كثيرة كما سنعرف بعضها الآن إن شاء الله .
هذا
الأمر الأول إذاً ينبغي على طالب العلم بالذات أن يباشر الأسئلة كلما أشكل
عليه شيء أو كل ما جهل شيء أو كل ما أراد أن يتقدم أكثر والسؤال طريق من
طرق التعلم، إلا أنه لا ينبغي التقعر في الأسئلة بحيث تكون الأسئلة لا
يترتب عليها أمر عملي لا في الدنيا ولا في الآخرة، أو لا يقصد منها التعلم
والاستفادة، وإنما يقصد إحراج المسئول أو اختبار المسئول، أو ما عند هذا
المسئول كما يعن لبعض الناس.
ولهذا نُهي عن كثرة السؤال بما لا فائدة فيه، والله - سبحانه وتعالى – نهي ﴿ لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾[المائدة:101].
هذه
هي الأشياء التي قد يكون من وراء هذا السؤال ما فيه ضرر، لكن السؤال
للعلم، فكما قال مجاهد لا ينال العلم مستح ومستكبر، لابد من السؤال، هذا
الأمر الأول أو الوقفة الأولى .
الوقفة
الثانية : السؤال ينبغي أن يكون بأعلى مستوى هنا نلاحظ الصاحبي - رضي الله
عنه – قال لا أسأل عنه أحد غيرك، إذا أعطني الزبدة التي أستغني بها عن أي
سؤال آخر .
لذلك
بعض الناس يسأل عن أسئلة جزئية بسيطة سهلة ولا يسأل عن الأسئلة العظيمة
الكبيرة، فتجده يتقعر في سؤال أو في مناقشة قضية قد تكون يعني لها جانب
استحباب أحياناً أو قد تكون مباحة فقط لكن الأسئلة على الواجبات الكبرى عن
المحرمات الكبرى لا يهتم بها .
لذلك هنا ينبغي السؤال أن يكون بهذا المستوى قال لا أسأل عنه أحداً غيرك .
ونحن
في عصرنا اليوم نوجه هذه الأسئلة لنستغل كل مسئول حسب ما لديه من العلم
وظهر في وقتنا الحاضر مسألة التخصص، فينبغي أن أستفيد من هذا المتخصص أو
المختص على الأصح بما اختص به سواء في العلوم الشرعية أو جوانب من العلوم
الشرعية أو في أمور أو علوم أخرى فأسأله عن ما يجيده أو ما يحمله هذا
المختص .
الوقفة الثالثة : في قوله - صلى الله عليه وسلم – ( قل آمنت بالله ) .
هنا
أعطتنا هذه الجملة أو هذا الجواب أن السعادة الدنيوية أو الأخروية لابد
لها من ركنين، الركن الأول ما هو ؟ الإيمان، والإيمان الآن لا نفصل فيه
لأنه سبق التفصيل فيه وعرفنا ما يحتويه عرفنا ما هو الإيمان وعرفنا أركان
الإيمان الذي يقوم عليه .
الركن الثاني : الاستقامة، ولكن قبل أن نتجاوز الإيمان نلاحظ أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال ( قل آمنت بالله ) فجمع بين القول والاعتقاد .
القول من قوله ( قل آمنت ) والاعتقاد من آمنت بالله إذاً الإيمان لابد أن يشتمل على القول والاعتقاد وبطبيعة الحال جاءت الاستقامة التي هي العمل .
فلذلك اشتملت هذه الجملة على تعريف الإيمان بأنه يشمل القول والاعتقاد والعمل .
الوقفة الرابعة : في قوله ثم استقم، هذه الجملة متفق مع قوله - سبحانه وتعالى – ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾[فصلت:30].
ما
هذه الاستقامة ؟ قلنا قبل قليل هي المداومة على الطريق المستقيم وعندنا
المداومة على طاعة الله وعلى العمل بطاعة الله وعلى ترك المعاصي .
يمكن أن نعطيها دليل إجمالي وهي قوله - سبحانه وتعالى – ماذا ؟
نريد أن نستشهد بآية من الآيات، والآيات كثيرة نعم .
يعني هذا إشارة إلى هذه الاستقامة لأهميتها بأن أوجب الله - سبحانه وتعالى – علينا قراءتها وتذكرها في كل ركعة من ركعات صلاتنا .
أيضاً قوله - سبحانه وتعالى – ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾[هود:112].
كما أمرت كما أمرك الله - سبحانه وتعالى – وجاء في قوله تعالى ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾[الأنعام:162].
إذاً سواء أن كانت عبادات صلاة ونسك مباشرة أو جميع ما تشمله جميع أمور الحياة يجب أن تكون لله - سبحانه وتعالى – .
هذا
على الإجمال أما على التفصيل فيجب أن تكون الاستقامة فيما أعتقد بيني وبين
الله سبحانه وتعالى فى أمور الاعتقاد، فى الإيمان فيما أوجه إليه عباداتي
ونسكي وما يترتب عليه أمر هذه العبادات يجب أن يكون لله سبحانه وتعالى أن
أوجه اعتقادي .
قد تكون الأعمال طيبة يصلى فلان يزكي يبر والديه يعامل الناس معاملة حسنة لكن لماذا ؟
قد
يكون للرياء قد يكون للسمعةن قد يقول أنا إنسان فاضل أعمل هذه الأعمال ما
لم تكن موجهة لله سبحانه وتعالى فخرجت عن طريق الاستقامة وانحرفت عن طريق
الاستقامة .
إذاً أمور العبودية يجب أن تكون لله - سبحانه وتعالى- هذا المجال الأول من مجالات الاستقامة ولذلك الله سبحانه وتعالى قبل قوله ﴿ اهدنا الصراط المستقيم ﴾ ماذا قال ؟ ﴿ إياك نعبد وإياك نستعين ﴾ .
إذاً لابد أن تتوجه العبادة لله - سبحانه وتعالى – هذا المجال الأول .
المجال
الثاني : الاستقامة فى عبوديتنا المباشرة لله - سبحانه وتعالى – صلاتنا
يجب أن تكون كما أمر الله – سبحانه وتعالى – صيامنا كذلك، زكاتنا كذلك،
حجنا وعمرتنا كذلك، الطاعات الأخرى بر الوالدين، صلة الأرحام التعامل مع
الآخرين، قراءة القرآن، ذكر الله – سبحانه وتعالى- يجب أن يكون وفق ما شرع
الله - سبحانه وتعالى – ممكن إنسان يصلي لكن يصلي بدل الظهر أربع ركعات،
يصلي خمس ركعات أو ثلاث هل هذه استقامة، ولو صلى طول النهار والليل ينفعه ؟
لا ينفعه .
لو
أن إنسان قال أنا مستعد مثل بعض الناس إذا غلبه النوم أنا مستعد أصلي
الظهر فى وقته والعصر فى وقته والمغرب فى وقته والعشاء ولكن سامحوني على
الفجر، الفجر هذا مشكلة هل هذا يعد مستقيما في عبادته لله – سبحانه وتعالى -
؟
أبداً لأنه اختل عنده أمر من الأمور الجذرية التي تنفس كثير من الأعمال التي عملها الإنسان.
لو
قال إنسان أنا مستعد أن أصوم لكن اسمحوا لي بسندوتش بعد الظهر مثلا، لأنني
تعودت على هذا، هل ينفع ؟ قال سندوتش أو على الأقل كوب ماء، هل ينفعه ؟ لا
ينفعه مطلقاً مهما كان لماذا ؟ لأنه لم يستقم على وفق ما شرع الله -
سبحانه وتعالى - .
كذلك
فى الحج لو قال الحج عندكم زحمة ويكون بعض المرات صيف وحر أنا بدل أن أحج
في شهر ذي الحجة أحج والله إذا جاء البراد، وأخذ بالراحة، ما دام هي طواف
وسعي وعرفة ومنى موجودة لا ينفعه ما دام لم يكن فى وقته أو ميقاته .
إذا الاستقامة على العبادة أن تكون كما شرع الله - سبحانه وتعالى - .
المجال
الثالث : الاستقامة فى التشريع وهذا يغفل عنه كثير من الناس، الاستقامة فى
التشريع معناه أنني أرضى بحكم الله - سبحانه وتعالى –فلا وربك لا يؤمنون
حتى يحكموك فيما شجر بينهم ﴾ ولذلك نفى الإيمان عمن يطلب التحاكم إلى غير -
سبحانه وتعالى – من المؤمنين ﴿ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ﴾.
إذاً
لابد من القبول بحكم الله - جل وعلا – فالاستقامة على التشريع لابد منها
بعض الناس يقول أنا ما أبغى المحكمة الشرعية، لأنني أعرف أن الشرع يحكم
ودي، أنا أبغي حكم مثلاً رئيس القبيلة، أو الحكم القانون الفلاني، أو
المادة الفلانية .
هذا
هل يكون مستقيماً ؟ لا يستقيم لأنه لابد من قبول حكم الله فى النفس فى
المال فى جميع الأمور وفى جميع أمور الحياة كلها حينئذ أكون، لأن هذا الدين
مبناه على الاستسلام لله - سبحانه وتعالى – فلا يكون مستقيماً إذا لم يرضى
بحكم الله - جل وعلا - .
الاستقامة
فى المجال الرابع على الأخلاق بعض الناس تجده يصلي ما شاء الله وصلاته
تحقر صلاتك عند صلاته وتحقر عبادتك عند عبادته، لكن لسانه سليط وبذيء،
وتعامله مع الناس جاف، تعامله سيء فى تعامله المالي فى الكلام فى الألفاظ
هذا لم يستقم على طاعة الله ولو كان مظهره مظهر الطائع ومتجنب لكثير من
الأمور مثل المحرمات مثلا لا يتعامل بالربا لا يتعامل بالغش والتدليس لكن
لسانه سليط .
أو
تجده مستقيم فى عبادته وفى أخلاقه لكن تعامله المالي سيء فيبخس الناس
حقوقهم يغشهم فى أموالهم يتعامل بالربا هل هذا مستقيم؟ هذا غير مستقيم، إذا
لابد من الاستقامة بالتعامل وفى الأخلاق وهنا لأهمية الأخلاق نص عليها فى
الاقتداء بالنبى - صلى الله عليه وسلم – فقال الله - سبحانه وتعالى - ﴿ وإنك لعلي خلق عظيم ﴾ ﴿ لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة ﴾ .
إذاً
لابد كما أن الاستقامة على الطاعات وعلى الإيمان وعلى قبول حكم الله -
سبحانه وتعالى – وفى التشريع كذلك الاستقامة فى الأخلاق فيما بين سواء كانت
الأخلاق فيما بين الإنسان وبين أسرته أو بينه وبين الناس حتى الأخلاق فى
التعامل مع الكفار، كما يظن بعض الناس أنه إذا كان كافر أنني لا مانع أن
أكذب عليه، لا مانع أن أغشه، لا مانع أن أدلس عليه، لا مانع أن أختلس ماله
وهذا كله من يتعامل بمثل هذه المعاملة غير مستقيم، لأن الله - سبحانه
وتعالى – قال فى مسألة القول ﴿ وقولوا للناس حسنا ﴾ .
فى مسألة الأخلاق قال النبى - صلى الله عليه وسلم – ( وخالق الناس بخلق حسن ) .
والقدوة
عليه الصلاة والسلام كان جيرانه أو بعض جيرانه من اليهود يعاملهم المعاملة
الحسنة، لم يغشهم لم يخدعهم، كذلك الصحابة رضوان الله عليهم كالإمام علي
ابن أبي طالب – رضى الله عنه – استأجره يهودي وعمل عند يهودي ولم يتعامل
معه بالغش ولا بالخداع ولا بالتدليس ولا بنحو ذلك ، وغيره كثير من صحابة
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
إذاً الاستقامة على الأخلاق من أهم مجالات الاستقامة .
الاستقامة
أيضاًَ فى الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وفى العمل لهذا الدين لذلك يجب
كما أنت مؤمن بالله، كما أنت مصلى ومزكي وعابد لله سبحانه وتعالى كما أنت
تتعامل مع الناس التعامل الحسن بخلق حسن كما أنت تتعامل المعاملات المالية
كوفق ما شرع الله - سبحانه وتعالى – كذلك فى دعوتك للآخرين، التي هي أعلى
مجالات القول كما عرفنا سابقاً كذلك يجب أن تكون مستقيماً على منهاج رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - .
من
الطرائف واحد من الجهلة مر على صبية يلعبون الكرة وقد أذن المؤذن فقال لهم
هيا لتصلوا الصبية لم ينتبهوا قال صلوا فهذا غضب ما انتبهوا ولا زالوا
يعلبون، قال صلوا يا حمير، فواحد من الصبية صغير قال الحمار ما يصلي .
فإذا
هذا لكونه لم يستقم فى الدعوة إلى الله على منهاج الله وعلى منهاج رسوله -
صلى الله عليه وسلم – لم تقبل دعوته وكان الرد سريعاً المفحم ما كان لهذا
العامي إلا أن ضحك وفعلاً خجل وعرف أنه مخطئ فحينئذ يعني عرف أن أسلوبه هذا
أسلوب عرف واستقام بعد ذلك فصار يخاطب هؤلاء بما ينبغي أن يخاطبوا به .
فالدعوة
إلى الله - عز وجل – يجب أن تكون على المنهاج السليم كما كان رسول الله –
صلى الله عليه وسلم – وحادثة الأعرابي الذي بال فى المسجد حادثة مشهورة
يعني صحيحة أيضاً فى الصحيحين أن أعرابي جاء من البادية ودخل فى المسجد
والرسول - صلى الله عليه وسلم – جالس مع أصحابه كالعادة فى المسجد فذهب فى
زاوية المسجد وبال .
فالصحابة
رضوان الله عليهم، يعني هذا عمل منكر، منكر كبير أن يبول فى المسجد فقاموا
لينهروه، وفى رواية ليزجروه، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – ( لا تنهروه لا تذرموه، دعوه )
كما فى بعض الراويات، فلما قضى بوله ناداه النبى – صلى الله عليه وسلم –
وأخبره أن هذه المساجد لم تبنى لهذا وإنما هي للذكر والقراءة والصلاة،
فالأعرابي أعرابي وجاهل، فقال اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً،
لأنه غضب على هؤلاء الصحابة، فقال له النبى – صلى الله عليه وسلم - ( لقد حجرت واسعاً ) .
فإذا الدعوة إلى الله يجب أيضاً أن نستقيم عليها كما أمر الله سبحانه وتعالى ولذلك أعطانا المنهاج ﴿ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم باللتي هي أحسن ﴾ فى الآية الأخرى ﴿ ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ﴾ .
فلذلك
هنا من مجالات الدعوة التعليم المعلم المعلمة المربي الأب، الأم، الداعية،
الواعظ الذي يأمر الناس الذي ينهاهم يجب أن يكون على هذا المنهاج المستقيم
فى الدعوة إلى الله - عز وجل – والله - سبحانه وتعالى – خلق النفوس وجبلها
على حب هذه الأخلاق والاستجابة لمن كان بمثل هذه الصفة .
من
مجالات الاستقامة الاستقامة فى الحياة عموماً، بمعنى التكامل فى مجالات
الحياة، وهذه أيضاً يغفل عنها كثير من الناس، مثل الاستقامة فى التفكير،
لما الإنسان مثلاً يريد أن يفكر فى أي أمر خير ولو كان أمراً بسيطاً، أو
سهلاً، أو يريد أن يفكر فى مشروع كبير يجب أن يكون مستقيماً فى تفكيره، لا
ينحرف تفكيره يميناً أو يساراً فيذل مثلاً يفكر فى مشروع مالي كبير وتجاري
فلا يفكر بأنه والله لا مانع فى البدايات أن نتعامل بالربا حتى يسققيم
المشروع ويقوم على رجليه ثم حينئذ أطلع المجالات وأطلع النسبة، لا ابتداءً
اجعل التفكير سليم فى تعاملك مع جيرانك فى تعاملك مع نفسك، فى تعاملك مع
الله - سبحانه وتعالى – يجب أن يكون التفكير .
لذلك
للنية أثرها، للنية لما الإنسان ينوي متى والله إذا أعطاني الله - سبحانه
وتعالى – أو أتمنى أن يعطيني الله مليون ريال وأفكر التفكير الصحيح، وإذا
أعطاني مليون سأتصدق بمائة ألف، وهذا يقول أو يتمنى هذه الأمنية .
الآخر
يقول إذا أعطاني مليون والله سأسافر بالخارج وسأعمل وسأترك كلاهما يفكران
الآن فى الهواء لكن ما هو التفكير الصحيح، التفكير الأول، إذاً فى منهاج
الحياة كلها يجب أن يستقيم تفكيري بناء على ذلك أرسم غاياتي فى هذه الحياة،
أرسم أهدافي فى هذه الحياة أرسم الوسائل التي أسير عليها لتحقيق هذه
الأهداف بمنهاج مستقيم .
هذه نقطة مهمة نأخذها من قوله - صلى الله عليه وسلم – ( ثم استقم )
هذه جملة من المجالات للإستقامة أخذناها على شيء من التفصيل، أنا أريد من
الأخوة الذين يتابعونا فى الأكاديمية يذكرون لنا مجالات أخرى، نحن ذكرنا
مجال الإيمان، مجال العبادة، مجال التشريع مجال الأخلاق مجال التعامل
المالي، مجال الدعوة إلى الله، مجال منهاج الحياة ابتداء من التفكير ثم
برسم الأهداف التي أريد أن أحققها ورسم الوسائل التي أريد أن أسير عليها
نريد مجالات أخرى .
والعنصر
الأخير في هذا الحديث وهي آثار هذه الاستقامة، هل لها آثار، النبي - صلى
الله عليه وسلم – لما ذكر هذه الجملة العظيمة التى ترسم منهاج للمسلم فى
هذه الحياة مكونة من الركنين الإيمان ثم الاستقامة يترتب بلا شك عليها آثار
إيجابية كبيرة، من أعظم هذه الآثار ما ذكره الله - سبحانه وتعالى – من
الاطمئنان والهدوء والاستقرار النفسي الذي ينشد فى العالم كله على مستوى
الأفراد وعلى مستوى الجماعات والأمم .
وما
يخوض العالم فيه الآن من مختلف الصناعات والتطورات والعلاقات الدولية كله
لنشدان الاستقرار والهدوء فإذا هو على الأفراد من باب أولى، هذا لا يكمن
إلا فى هذه الجملة التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وهذا الهدوء والطمأنينة والسكينة على مستوى الأفراد والجماعات والأمم ذكرها الله - سبحانه وتعالى - ﴿
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ
عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا
وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴿30﴾
نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ
وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا
تَدَّعُونَ ﴿31﴾ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴿32﴾﴾[فصلت :30-32].
إذاً
نفي الخوف والحزن فى الدنيا وفى الآخرة لماذا؟ لأن الله - سبحانه وتعالى –
ولي لهؤلاء الذين استقاموا، وهذا يتأكد أيضاً فى آيات أخرى وفى أحاديث
أخرى منها مثلاً قول النبي - صلى الله عليه وسلم – ( عجباًُ لأمر المؤمن إن أمره له كله خير ) لاحظ أمره كله له خير ( إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ) .
إذاً هذا استقام على طاعة الله وجعل حياته أفراحه وأحزانه بين الشكر والصبر والآيات فى هذا كثيرة .
من
الآثار أيضاً التنمية والإنتاج لا يمكن أن تنمو حياة الناس النمو الحقيقي
النمو الإيجابي وأن تنتج النتائج الإيجابية إلا بالاستقامة إلا بهذين
الركنين .
ولهذا الله - سبحانه وتعالى – يقول ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾[الأعراف:96].
إذاً
البركات من السماء والأرض والأرزاق العاجلة والآجلة مبنية على ماذا ؟
آمنوا ثم اتقوا إذا على الاستقامة والتقوى أن تجعل بينك وبين عذاب الله
وقاية .
الذي
يريد الغنى بعد الفقر الذي يريد العيش الرغيد، الذي يريد الهدوء
والطمأنينة الذي يريد الشفاء من الأمراض المعنوية والحسية والنفسية وغيرها
هنا فى هذه الاستقامة .
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا ﴾ هذا على صيغة الجمع فإذا من باب أولى الأفراد .
كذلك
من الآثار تحقيق الخيرية، الخيرية بين الناس، ليس بطولهم وقصرهم وليس
بألوانهم وليس بقبائلهم، وأنسابهم، وليس بأراضيهم وليس بكثرة ما عندهم،
وإنما الخيرية فى هذه الاستقامة.
جانب من جوانب الاستقامة، والدعوة إلى الله قال عنها الله - سبحانه وتعالى - ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ خير أمة على مستوى الأمة فإذا على مستوى الفرد من باب أولى ﴿ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾[آل عمران:110].
جانب من جوانب الاستقامة وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحقق هذه الخيرية.
من
الآثار يعني نكتفي بها العزة والنصر مع الإنسان نفسه، العزة والنصر هو
شعور للإنسان ولو كان عند الناس أنه منهزم إنما العزة تكون فى الداخل وفى
داخل الإنسان أو العزة والنصر على مستوى الأمة يكون بهذه الاستقامة
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾[محمد:7].
المسألة
إذاً سنة كونية معادلة هذه المعادلة تقول إن استقمت على منهاج الله نصرك
الله تكون مع الله يكون الله معك تنصر الله ينصرك الله، تحفظ الله يحفظك
كما سبق معنا .
إذاً العزة والنصر فى ذات الإنسان فى الأمة كلها تكون إذا سارت على هذا المنهاج المستقيم.
إذاً
بهذه الكلمات العاجلة عرفنا كيف أن هذه الجملة التي ذكرها النبي - صلى
الله عليه وسلم – فيها من المعاني الكبيرة وفيها من الفوائد والآثار التي
لا تعد ولا تحصى.
لعلنا
نكتفي بهذا الحديث إلا أننا نختم أن القدوة فى هذه الاستقامة هو النبي -
صلى الله عليه وسلم – كما ذكر الله - سبحانه وتعالى - .
وأخيراً من أراد التفصيل لهذا الحديث كتبت فى بعض الكلمات يمكن المخرج يخرج لنا حديث ( قل آمنت بالله ثم استقم ) وقفات وتأملات، لمن أراد تفصيل ما ذكرنا وفيه زيادات أخرى لعلها مفيدة إن شاء الله .