بيان ما هو اللباس المحرم - بيان أن الاحتفال بليلة السابع والعشرين من رجب بدعةإن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً.أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واشكروه على ما أنعم به عليكم مما أخرجه لكم من طيبات الرزق واللباس، واستمعوا قول الله تعالى:
﴿يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ [الأعراف: 26]، بين الله - سبحانه - في هذه الآية فوائد هذا اللباس بأنه زينة ومواراة للسوءة، أي: ستر للعورة؛ لأن الله لم يجعل للإنسان ساتراً طبيعياً من أصل الخلقة؛ لأجل أن يتذكر الإنسان أنه دائماً في عورة ومحتاج إلى الستر، فينتقل من معرفة الحاجة إلى الستر الحسي للعورة الحسية ينتقل من معرفة ذلك إلى معرفة الحاجة إلى الستر المعنوي للعورة المعنوية؛ وهي عورة نقص الدين والأخلاق، فيسترها بتكميل دينه وأخلاقه، ولقد دلت النصوص أن اللباس بقسميه: لباس الزينة ولباس الحاجة أن الأصل فيه الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه، قال الله تعالى:
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة: 29] وقال سبحانه:
﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ [الأعراف: 32]، قال ذلك إنكاراً على من يحرمون شيئاً من اللباس والطعام بغير دليل، ولقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته بين لهم ما لا يجوز من اللباس بياناً ظاهراً لا خفاء فيه، ومما حرمه رسول الله لباس ما يختص بالكفار سواءً كان لباساً شاملاً للجسم كله أو لعضو منه، وكل لباس يختص بالكفار لا يلبسه غيرهم فإنه لا يجوز للمسلم لبسه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
"من تشبه بقوم فهو منهم"(1)، فإذا تشبه الإنسان بالكفار في لباسهم فإن ذلك يجره إلى أن يتشبه بهم في أخلاقهم، ثم في ديانتهم، فيؤدي ذلك إلى الكفر المحضي والعياذ بالله، ومما حرمه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يلبس الرجل ما يختص بالمرأة، وأن تلبس المرأة ما يختص بالرجل، فلا يجوز للمرأة أن تلبس شيئاً لا يلبسه إلا الرجال، ولا يجوز للرجل أن يلبس شيئاً لا يلبسه إلا النساء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم:
"لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال"(2)، أما ما كان يلبسه الجميع فإنه جائز للجميع، ومما حرمه النبي - صلى الله عليه وسلم -
"أن يلبس الإنسان ما يقصد به الفخر والخيلاء" من ثوب، أو سروال، أو نعل، أو غيرها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: "نهى أن يفخر أحد على أحد فيتظاهر بالرفعة والعلو عليه"(3)، إن هذا المستخف الذي أعجب بماله وافتخاره إنه لا يدرى فلعل الأحوال تتغير ويحل محل من افتخر عليه بالفقر والإعواز، ويحل الثاني محله بالغنى والجود، وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"بينما رجل يمشي في حلة - أي: إزار ورداء - تعجبه نفسه مرجل رأسه يختال في مشيته إذ خسف الله به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة"(4)، وفي الحديث عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"من تعظم في نفسه واختال في مشيته لقي الله وهو عليه غضبان"(5)، ومما حرمه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينزل لباس الرجل إلى ما تحت الكعبين، فلا يجوز للرجل أن تنزل ثيابه إلى ما تحت الكعبين سوى إن كان قميصاً أم سروالاً أم مشلحاً، وسوى قصد بذلك الخيلاء أم لم يقصد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
"ما أسفل من الكعبين فهو في النار"(6)، فإن جره خيلاء كانت العقوبة أعظم وأشد، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة"(7)، وقال صلى الله عليه وسلم:
"ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب"(8)، وإنك لتعجب من بعض الذين أنعم الله عليهم اليوم يجعلون ثيابهم تكب على الأرض أو تنزل عن الكعبين ثم يجادلون بالباطل، يحتجون بقول أبي بكر - رضي الله عنه - للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إن أحد شقي إزاري يسترخي علي إلا أن أتعاهده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"إنك لست ممن يصنع ذلك خيلاء"(9)، يقولون: فنحن لا نجره خيلاء، ونحن إذا قبلنا منهم هذه الدعوة فإنهم ليس بأيديهم تزكية كما زكى النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر، نقول لهم: إذا أتيتمونا بتزكية من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإننا نسكت عن الإنكار عليكم، على أن ظاهر حديث أبي بكر - رضي الله عنه - أنه كان يتعاهده ولكنه يسترخي عليه أحياناً، وهؤلاء ليسوا كحال أبي بكر، بل هم يفصلون الثوب على أن يكون فضفاضاً ينجر على الأرض، أو ينزل عن الكعبين، ومن العجب أن بعضهم يعتذر ويقول: إن الخياط هو الذي جعله طويلاً، وهذه الحجة لا تنفعهم عند الله ولا عند عباد الله، فإن الخياطين لو قلت لهم: خيطوا لي ثوباً إلى الركبة لخاطوا لك ثوباً إلى الركبة، ولو قلت: خيطوا لي ثوباً ينجر ذراعاً على الأرض لخاطوا لك ذلك، فهم كما تأمر يفعلون، على أنه لا يجوز للخياط أن يخيط ثوباً لرجل ينزل عن الكعبين، فإن فعل ذلك كان معين له على الإثم والعدوان، وقد قال الله تعالى:
﴿وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2]، ومما حرمه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يلبس الرجل الذهب، فلا يجوز للرجل أن يلبس ذهباً؛ لا خاتماً، ولا سواراً، ولا أزراراً، ولا غيره ففي صحيح مسلم من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى خاتماً من ذهب في يد رجل، فنزعه النبي - صلى الله عليه وسلم - وطرحه وقال: "يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده"، فقال الناس للرجل بعدما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ خاتمك انتفع به، فقال: والله لا أخذه وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم(10)، وفي سنن النسائي عن أبي سعيد الخدري أن رجلاً قدم من نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من ذهب، فأعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال:
"إنك جئتني وفي يدك جمرة من نار"(11)، وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"من مات من أمتي وهو يتحلى بالذهب حرم الله عليه لباسه في الجنة"(12)، وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ حريراً وذهباً فقال:
"هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثهن"(13)، ومن ذلك أيضاً لبس خاتم الخطبة الذي يسمونه الدبلة فهو سيئ للرجال والنساء؛ لأن هذه العادة من سنن النصارى؛ كما قاله بعض العلماء، ويرجع ذلك إلى عادة قديمة لهم يضع الرجل الذي يريد الزواج يضع الخاتم على رأس إبهام العروسة ويقول: بسم الأب، ثم يضعه على رأس السبابة ويقول: بسم الابن، يعنون بالأب الله عز وجل، ويعنون بالابن عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، وتعالى الله عن قولهم، ثم يضعه على رأس الوسطى ويقول باسم روح القدس، وعندما يقول آمين يضعه في البنصر حيث يستقر، أيها الأخ المسلم، إذا كانت هذه العادة متلقاة من النصارى فكيف ترضى لنفسك وأنت مسلم أن تقلدهم فيها وتتشبه بهم، وقد علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"من تشبه بقوم فهو منهم"(14)؟ كيف تنزل بعقلك إلى هذه الخرافة التي لا حقيقة لها؟ فليست الدبلة هي التي تجلب المودة، وليس عدمها هو الذي يطرد المودة، وكم من أناس ركبوا الدبل فكان بينهم وبين نسائهم أعظم العداوة، وما أكثر الذين لا يلبسونها وهم في أقوى ما يكون من المودة بينهم وبين زوجاتهم، وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إن الرقى والتمائم والتولة شرك"(15)، فسر العلماء التولة: بأنها شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها، والدبلة شبيه بالتولة؛ لأنهم يعتقدون أنها رابطة بين الزوج وزوجته وهي بعيدة من ذلك، فليست بربط شرعي؛ لأن الربط الشرعي بين الزوجين يكون بعقد النكاح، وليست ربطاً كونياً؛ لأنها لا تأثير لها حساً سوى ما يقع في وهم لابسيها بناء على عقيدة لا أصل لها، ومن اللباس المحرم لبس الرجل والمرأة ما لا يستر من الثياب، فمثل الرهيف الذي لا يستر والقصير، ويتضح ذلك في الرجال في أيام الصيف؛ حيث يلبسون سراويل قصيرة يبدو منها بعض الفخذ، وثياباً رهيفة عليها لا تستر، وهذا لا يسترهم في الصلاة، فلا تصح صلاتهم حينئذ، فيقعون في خطأ عظيم؛ ولذلك يجب على الإنسان إذا استعمل هذه السراويل القصيرة أن يجعل فوقها ثياباً طفيفة لا تصف البشرة، وإلا أن يطول السراويل حتى تستر ما بين السرة والركبة، أما النساء فإنه يتضح ذلك في حقهن؛ حيث يلبس بعض النساء خماراً رهيفاً، يعني: غطوة رهيفة تغطي وجهها فتبدو ووجهها بين ظاهر، فاتقوا الله أيها المسلمون، واستعينوا بنعم الله على طاعته، ولا تجعلوا هذه النعم وسيلة للأشر والبطر والرفاهية الموقعة في الإثم، واتقوا النار التي أعدت للكافرين،
﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [آل عمران: 132]، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
:16: