الحياء المنزوع
الحياء المنزوع
عبد الله سافر الغامدي
لم يعد
غريباً في مجتمعنا وجود بعض الممارسات السلبية، والظواهر السيئة،
والتصرفات المسيئة، والتي كانت تعدّ سابقاً من الأمور المنكرة، والقضايا
المستهجنة.
مشاهد كثيرة لا نجد فيها
لباس الحياء، هذا الخلق العظيم، والسمت الجليل الذي يكشف لنا حالة الوعي
والفكر والأخلاق، ومستوى السلوك الديني، ووضع التربية الأسرية، ودرجة
الإيمان والالتزام، الحياء والإيمان قرناء وأصدقاء لا يفترقان، إذا رفع
أحدهما رفع الآخر.
فماذا نقول في صاحب الجوال الملوث بالمشاهد المنحلة، والرسائل المنحطة، هل يملك بذلك شيئاً من الحياء؟!
هل نجد فضيلة الحياء في
شخصية ذلك المجاهر بمعصية التصنت، أو التجسس، أو التحرش، وهو لا يؤمن مكر
الله - سبحانه وتعالى - بأن يبتليه بذلك في نفسه وأهل بيته؟!
هل تملك الحياء من تبوح في اتصالها الإذاعي بعبارات الإعجاب والشوق نحو أحد الفنانين، أو تهدي أغنية إلى صديقها؟!
هل تحرص على الحياء تلك المرأة التي خرجت متطيبة، كاشفة وجهها، تخالط الرجال، ولا تبالي بذنب الفتنة، ولا بإثم الإيذاء؟!
إن وشاح الحياء لن تجده
كذلك لدى تلك المرأة العاملة في المصحة التي صافحت زميلها مصافحة المحارم
وبادلته الضحكات، وكأنهما يصنعان أمراً مباحاً.
ولن تراه كذلك على شاب صفيق يلبس ملابس غريبة، وتقليعات مستوردة، لا تستر العورة، ولا تجمل الصورة، ولا تحسن الهيئة.
الحياء غير موجود على وجه من يتقدم الصفوف في اصطفافها بدائرة حكومية، أو في موقع تجاري.
وهو غير متوفر لدى الموظف المستهتر بالمسؤولية، الحريص على تعقيد المعاملة، الذي لا يحترم حضورك، ولا يأبه بمراجعاتك وتوسلاتك.
وهو معدوم في سلوك ذلك المدخن الذي يخرج الدخان من فمه وأنفه، ينفثه في وجوه من حوله، فيخنق بذلك أنفاسهم، ويلوث به أجواءهم.
الحياء مرفوع عن ذلك الذي ينشر طيشه، ويتحدث عن عبثه، وعن ذلك الذي يتجرأ على غيره بالكلام الفاحش، أو يعتدي بالفعل الجارح.
الحياء منزوع من ذلك
المستهزئ بالأحكام الثابتة من الكتاب والسنة، أو من يقول على الله - تعالى
-بغير علم، أومن يتعمد إشعال بلبلة، أو إحداث فتنة.
إذا قل ماء الوجه قل حياؤه *** ولا خير في وجه إذا قل ماؤه.
منزوع الحياء لا يصدر منه
إلا كل قول ذميم، وفعل قبيح، وسلوك مشين، لا يهمه ارتكاب رذيلة، ولا
اقتراف كبيرة، ولا اجتراح معصية، فمن الذي أفسده، وأعمى بصيرته، وأضاع
دينه؟!
هل هي السموم الإعلامية التي تهطل علينا من كل مكان، وتسعى إلى تدمير كل فضيلة، وتغيير كل خصلة نبيلة؟!
هل هي الأسرة الغافلة الساهية اللاهية عن تغذية أبنائها بالأخلاق الكريمة؟!
هل هي المدرسة المتهاونة في دورها، المتثاقلة عن أداء مهامها؟!
هل هو المجتمع الذي ترك النصح، وأهمل المناصحة، فزادت الأخطاء، وكبرت العيوب، وانتشرت المساوئ؟!
إن الحياء خصلة عظيمة، وخلق نفيس يحول بين الإنسان وبين فعل المحرمات، وإتيان المنكرات، وهو الطريق إلى كل طاعة، واجتناب لكل معصية.
(استح)، (عيب)، (خل عندك
دم)... كلمات زاجرة مهمة نحتاجها في يومنا، وطوال حياتنا، نقولها لأنفسنا
ولمن يخالف المنهج الشرعي، أو يخرج على النظام الأخلاقي هذا إذا أردنا
حماية مجتمعنا من الشرور الكثيرة، والكوارث العظيمة، والعواقب الوخيمة