الحديث الواحد وثلاثين ازهد في الدنيا يحبك الله
(
عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي -رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى
النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته
أحبني الله وأحبني الناس، فقال : ( ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس ). [ حديث حسن، رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة ] ).
قال المصنف:- رحمه الله- (
عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي -رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى
النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته
أحبني الله وأحبني الناس، فقال : ( ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس )). هذا الحديث كما سمعنا أخرجه عدد من الأئمة منهم الإمام ابن ماجه والحاكم وغيرهم
و هو حسن بمجموع طرقه .
هذا
الحديث فيه أمر مهم وهذا الأمر المهم هو بيان لتحديد الغايات أو شيء من
الغايات التي يسعى لها الإنسان والطريق الموصل لهذه الغايات .
الغاية ما هي ؟ محبة الله ومحبة الناس .
((دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس)) .
إذاً: هما غايتان مهمتان أن يرسمهما الإنسان في حياته فيضعهما هدفاً يسعى إليه .
الهدف
الأول: محبة الله - جلّ جلاله – وهذه بلا شك من أعظم الغايات؛ لأنه إذا
أحبك الله أحبك الناس، وإذا أحبك الله دخلت الجنة، وإذا أحبك الله - سبحانه
وتعالى – نلت سعادة الدارين في الدنيا وفى الآخرة، ولذلك جاء في الدعاء ( اللهم أعني على حبك وكل عمل يقربني إلى حبك )
فمحبة الله - سبحانه وتعالى مطلب– وأيضاً محبة الناس؛ والمقصود بمحبة
الناس محبة الصالحين وإن أحب الإنسانَ من غير الصالحين لا مانع ؛ لأن
الإنسان المحبوب يحبه الصالح ويحبه غير الصالح، لكن الذي عليه المقياس هو
محبة الصالحين، لماذا محبة الناس هي هدف ؟ لأنها دليل على محبة الله ودليل
على رضا الله .
كان
النبي - صلى الله عليه وسلم – مرة من المرات جالساً مع أصحابه فمرت جنازة
فأثنوا عليها خيراً، الناس الجالسون أثنوا على هذه الجنازة خيراً وقال
النبي: - صلى الله عليه وسلم – ( هي في الجنة ) .
مرت جنازة أخرى فأثنوا عليها شراً قال: ( هي في النار ) فسألوا النبي – صلى الله عليه وسلم – عن ذلك فقال: ( أنتم شهود الله في أرضه )
أثنيتم عليه خيراً فهذا دليل على ثناء الله له، والآخر أثنيتم عليه شراً
فهذا دليل على بغض الله له- أو كما جاء عن النبي – صلى الله عليه وسلم –
إذا:ً محبة الناس لا تكون بإطلاب إلا هي دليل على محبة الله - عزّ وجلّ –
لكن لو فرض أن تعارضت المحبتان أيهما نقدم ؟
بلا
شك نقدم محبة الله - سبحانه وتعالى – من هنا نطلب من الأخوة معنا يذكرون
لنا أمثلة على تعارض المحبتين، يعني محبة الله مع محبة الناس، بحيث نقدم
محبة الله - سبحانه وتعالى – .
الناس
هنا قد يكونوا أفراداً، وقد يكون عموم الناس، فمثلاً إنسان- والشباب معنا
يبدوا كله متزوج- لو طلب واحد منهم خطبة امرأة واحدة وقالت: لا أنا أوافق
بشرط أن تعفينا من صلاة الفجر، أو تسمح لي أن أخرج سافرة، فأخرج بلا غطاء
مكشوفة الرأس مكشوفة الوجه، يعني وهكذا، فهنا يريدها هذا الرجل زوجة لكن
تعارضت مع شرع الله - عزّ وجلّ – أيهما أقدم؟ أُقدِم على هذه الفتاة أو لا
أُقدِم ؟ لا أُقدِم مطلقاً .
كذلك
العكس، لو تقدم لها من ترضاه لكن طلب منها أن تخرج سافرة ، فتقدم محبة
الله أو تقدم محبة هذا الشخص الذي استولى على قلبها لكن طلب منها أمراًً
محذوراً .
إذاً: إذا تعارضت المحبتان نقدم محبة الله - سبحانه وتعالى – .
إذاً:
نلخص هذه المسألة/ إن محبة الله - عزّ وجلّ – هدف يسعى له الإنسان ،ومحبة
الناس هي هدف لأنها دليل على محبة الله - عزّ وجلّ – لكن إذا تعارضت مع
محبة الله فلا شك في أننا نقدم ما يرضى الله - سبحانه وتعالى – وما يحبه
الله على ما يحبه الناس.
ما الطريق الموصل إلى محبة الله ؟ الطرق كثيرة النبي – صلى الله عليه وسلم – بين لنا طريقاً من هذه الطرق .
قال ( ازهد في الدنيا يحبك الله )
الزهد في الأصل معناه/ القلة والإعراض عن الشيء، الزهد في الشيء قلته، هذا
شيء زهيد يعني قليل، أو الإعراض، زهدت في هذا الشيء أعرضت عنه قال ( ازهد في الدنيا ) معناه إذاً: أعرض عن الدنيا .
هل
الإعراض عن الدنيا هنا أن نموت أن نقتل أنفسنا، هل نعرض عن الدنيا نبحث عن
رضأرض غير الدنيا الموجودة. إذاً: نعرض عن الدنيا ، عن ماذا ؟
شهواتهم وملذاتهم
نعم
عمَّا يُلهي عن الله - سبحانه وتعالى – فيها . مثل الإندماج الكلي مع
الشهوات والملذات ونسيان أمر الله - سبحانه وتعالى – وليس المقصود بالزهد
في الدنيا أن نجلس في مكان مظلم أو مكان بعيد عن الناس ولا نأكل ولا نشرب ؛
لأن هذا من الدنيا ولا نتمتع بطيباتها ولا نتمتع بأرزاق الله - سبحانه
وتعالى – فيها ، وليس المقصود أن نموت و نعرض عن الدنيا لننتقل إلى الآخرة ،
وليس المقصود أن نعرض عن الدنيا بأن نبحث عن مكان آخر نعيش ليس في هذه
الدنيا إنما: ألا نسترسل مع هذه الدنيا فتلهينا عن المطالب العليا في
الآخرة فلا تكون هدف الإنسان .
لا
يكون هدف الإنسان هو أن أنال أعلى المناصب أو أن أكون أكثر الناس مالاً أو
أن أتزود من هذه الدنيا بأمور أكثر مما أحتاج بكثير جداً فتكون هي شغلي
الشاغل، وتفكيري وتخطيطي لحياتي وكل برامج حياتي مساقة في هذا الباب، هذا
هو المقصود .
إذاً:
ليس المقصود بالزهد في الدنيا الإعراض عنها بالكلية ؛ لأن النبي – صلى
الله عليه وسلم – هو أزهد الناس في الدنيا ولم يعرض عن الدنيا كلياً أكل من
طيباتها ولبس من الملابس الحسنة وتمتع بالنساء وقال - صلى الله عليه وسلم –
( حبب إليّ من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة ) .
إذاً
ليس المقصود الإعراض الكلي عن الدنيا فألبس أخشن الثياب ولا آكل إلا الأكل
السيء أو الأكل مجرد أن تقوم به الحياة مع استطاعتي على وجود غيره و أشرب
المياه الملوثة وتبقى رائحتي غير طيبة، هذا ليس زهداً في الدنيا، هذا مفهوم
خاطئ للزهد وإذا وصل الإنسان إلى هذا المستوى وصل إلى غلو مذموم في
التعامل مع الدنيا، إذاً: أتعامل كما أمر الله - سبحانه وتعالى – أتعامل
بطيباتها التي أحلها الله - سبحانه وتعالى – بما لا أتجاوز الحدود في الوقت
نفسه .
الأمر
الثاني: لا تكون هي هدفي وهي شغلي الشاغل فجلوسي وذهابي وإيابي وأموالي
كلها أو تفكيري كله منصبٌّ على هذه الأمور. لا، كما قال الله - سبحانه
وتعالى – عن أمر الدنيا والآخرة: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ﴾[القصص:77].
إذاً: الهدف هذا الذي قلناه لا يكون هدفي الدنيا . هدفي الآخرة ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾[القصص:77] .
خذ حظك من الدنيا فيما لا يؤثر على الهدف ﴿ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن ﴾ تعامل مع الناس بالإحسان بهذا المال بهذه الطيبات لأن الله - سبحانه وتعالى – أحسن إليك ﴿ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ﴾[القصص:77].
لا تستخدم هذا المال للإفساد في الأرض كما أنك لا تتركه أيضاًً وتستخدم الخشب .
إذاً:
هذا مفهوم للزهد في التعامل مع الدنيا مفهوم خاطئ يجب أن لما يقال فلان:
زاهد يعني فلان لابس لباس وسخة ورائحته يعني مشينة. هذا أخطأ الطريق.
الزاهد الذي لبس متوسط اللباس وتعامل بالنظافة ولم يجعل الدنيا هدفه وجعل
الهدف الآخرة وتمتع بهذه الطيبات التي أحلها الله - سبحانه وتعالى – له.
( وازهد فيما عند الناس يحبك الناس )
هذا الطريق أول طريق من الطرق لمحبة الناس، الله - سبحانه وتعالى – جبل
الناس وفطرهم على محاب، يحب الإنسان نفسه، يحب والديه، يحب أولاده ، يحب
ماله والمال محبب للنفس، هكذا فطر الله - سبحانه وتعالى – الناس لذلك أُمر
أن يُخرج فإذا أَخرج مما يحب نال أعظم مما يحب ما عند الله - سبحانه وتعالى
– فأنت لا تطلب ما يحبه الإنسان لنفسه ، لا تطلب منه الشيء الذي تملكه ،
هو تملك مالاً، ولذلك المال محبب، فازهد فيما عند الناس، الذي يملكه الناس
ازهد فيه، عينك لا تقول: والله مزرعة فلان هذه، هذا بيت فلان، انظر كيف حصل
هذا البيت، فعل في هذا البيت ، فلانة حصلت الفستان الفلاني، تلبس الفستان
الفلاني، تعلقت العين بالفستان الفلاني، المال الفلاني، الشركة الفلانية،
المنصب الفلاني. ازهد فيما عند الناس ، اترك ما عند الناس .
ليس
معنى أن تطلب منهم فقط بل أن تتعلق عينك وتفكيرك وذهنك في هذا الذي عند
الناس، اترك ما عند الناس للناس أنت لست أحكم الحاكمين، فأحكم الحاكمين هو
الله - سبحانه وتعالى – أعطاك ما يناسبك وأعطى فلان ما يناسبه وأعطى فلانة
ما يناسبها ولذلك تجري على ألسنة الناس مفهومات خاطئة يقولون: والله فلان
ما يستاهل، فلان عُيِّنَ في منصب فلان ، حصل على تجارة كبيرة، فلانة تزوجها
فلان، فلان يستاهل، ما يستاهل . كيف ما يستاهل ؟ يعني الله - سبحانه
وتعالى – أخطأ في أن ما يستاهل هذا الشيء الذي أعطاه- سبحان الله-!!! يعني
الله الذي حكم ، قد يكون أهلاً لذلك وقد لا يكون، الله - سبحانه وتعالى –
أعلم وأحكم بحكمه وقدره لما أعطى فلاناً أو لما منع فلاناً .
فلذلك
أن هذا مما يجري على الألسنة ، والناس يقصدون أن فلاناً الذي أعطي هذا
المنصب والذي كسب هذا المال أنه لم يكن على مستوى هذا المنصب بأن يُسيِّر
هذه الأعمال كما شرع الله أو كما تكون فيه مصالح الناس، لكن اللفظ خطأ ينبئ
عن إعطاء الله - سبحانه وتعالى – لفلان كان خاطئاً فلذلك: المهم عندنا
ازهد في أحوال الناس لا تنافسه على منصبه على كرسيه على مكانه لا تنافسه في
ماله لا تكثر عليه في طلب شيء معين مما يملكه لا تذهب العين إلى ما على
فلانة أو عملت فلانة أو فعل فلان والتي تزوجها فلان والذي تزوج فلانة، اترك
ما عند الناس يحبك الناس، يقربك الناس فحينئذ لأن هذا فيه أيضاً إشارة
ونسبة أن هذا الإنسان الذي لم يتعلق بمال عند الناس لم يركن إلى الدنيا
فأحبه الله ثم زرع محبته في قلوب الناس .
ملخص
ما سبق أن الغاية محبة الله، ثم محبة الناس وعرفنا طريقاً من الطرق
الموصلة إلى محبة الله وطريقاً من الطرق الموصلة إلى محبة الناس وهي الزهد
في هذه الدنيا سواء في ذات هذه الدنيا- كما أسلفنا- أو فيما كان للناس فيها
فهذه الطرق الموصلة إلى محبة الناس.
إذاً: من خلال هذا نعلم أن علامات الزهد هي:
1- العمل بما فرضه الله - سبحانه وتعالى – على الإنسان والعمل بما استطاع من المستحبات.
2- ترك ما حرم الله - سبحانه وتعالى – .
3- ترك ما يشغل عن الله - سبحانه وتعالى – وعن الدار الآخرة .
4- السعي لزيادة الرصيد في الآخرة عند الله - سبحانه وتعالى – .
عرفنا-
أيضاً- أن هناك مفهوماً خاطئاً للزهد وهي ترك ما أنعم الله - سبحانه
وتعالى – به على الإنسان في هذه الدنيا مما أباحه من الألبسة والأطعمة
والأشربة وغيرها، فتركها بالكلية ليس من الزهد وبهذا نكون انتهينا من هذا
الحديث نتقل للحديث الثالث .
تعارض
محبتين بعض الأمثلة أولاً كتقديم محبة الوالدين على محبة الله وهذا لا
يجوز كما في حال عمر بن الخطاب حينما قال للنبي - صلى الله عليه وسلم – أنت
أحب إلي لكن من نفسي فوجهه النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يكون أحب إليه
من نفسه وماله وولده، مثال آخر تقول تقديم محبة الله على محبة الوطن،
وتقديم محبة الله على الهوى لقوله تعالى ﴿ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾
كل
الأمثلة التي ذكروها أمثلة سليمة، لأن الدنيا مليئة بالعلاقات مع الآخرين
الوالدين الأولاد الأزواج الآخرين من الناس فإذا ما تعارضت مطالبهم مع ما
أراده الله - سبحانه وتعالى – أو مع ما شرعه الله - جلّ جلاله – فلا شك أنه
يقدم شرع الله مثل قضية أصل المحبة في قصة عمر التي ذكرتها الأخت كمثال
جيد .
كذلك على الهوى محبة الله تقدم على هوى الإنسان والهوى أحياناً يسترسل في الإنسان وخصوصاً في مسائل الشهوات .
كذلك
في شرع الله - سبحانه وتعالى – مثلت إحدى الأخوات بتغطية الوجه والالتزام
بشرع الناس والناس يكرهون مثل هذا فتقدم هذا الشيء، نعم هذا تقديم محبة
الله على محبة الناس وغيره من الأمثلة كلها أمثلة صحيحة وبارك الله في
الجميع .