شهر رمضان وقفات وأحكام
ذ
شهر رمضان وقفات وأحكام
عبد اللّه الإسماعيل
يتضمن شهر رمضان مسائل مهمة يحتاج كل مسلم إلى مذاكرتها، أُوجزها في هذه الوقفات:
الوقفة الأولى: حكم الصيام:
إن أول ما فرض صيام
رمضان في السنة الثانية من الهجرة كان على التخيير: فمن شاء صامه وهو
أفضل، ومن شاء أفطر وأطعم عن كل يوم مسكيناً، ثم أُلزم الناس بصيامه حين
نزل قوله - تعالى -: ((فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ))
[البقرة: 185]، وكان الحكم في أول الأمر: أن من نام بعد غروب الشمس وجب
عليه الإمساك عن المفطرات، ولو استيقظ ليلاً، حتى تغرب الشمس من الغد؛
فعن البراء - رضي الله عنه - قال: (كان أصحاب محمد إذا كان الرجل صائماً،
فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وإنّ
قيس بن حرمة الأنصاري كان صائماً، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال
لها: أعندك طعام؟ قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك. وكان يومه يعمل،
فغلبته عيناه، فجاءته امرأته، فلما رأته، قالت: خيبةً لك. فلما انتصف
النهار غُشي عليه، فذُكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فنزلت هذه
الآية: ((أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى
نِسَائِكُمْ)) [البقرة: 187]، ففرحوا بها فرحاً شديداً، ونزلت:
(((وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حََتَّى يَتََبَيَّنَ لََكُمُ الخَيْطُ
الأََبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأََسْوَدِ)))(1) [البقرة: 187].
الوقفة الثانية: حكمة الصيام:
قال - تعالى -: ((يَا
أََيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ
عَلَى الَذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) [البقرة: 183]،
في هذه الآية إشارة إلى حكمة من حكم الصيام، وهي تحقيق تقوى الله؛ فإن
النفس إذا تركت ما هو مباح في الأصل وهو الأكل والشرب امتثالاً لأمر الله
في نهار رمضان كان ذلك داعياً لترك المحرمات الأخرى، ولذلك قال
النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من لم يَدَعْ قول الزور والعمل به فليس
لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)(2)، وقد هيأ الله لنا هذا الشهر
بإضعاف كيد الشيطان وشره كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا
جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وسُلْسِلت
الشياطين)(3).
ولا بد من توطين النفس
وتهيئتها في أيام الصيام لتحقيق هذه الحكمة كما أمر النبي - صلى الله
عليه وسلم- بذلك فقال: (والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا
يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم) (4).
الوقفة الثالثة: فضل الصيام:
ورد في فضل الصيام نصوص
كثيرة، وأعظم ما ورد فيه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي -صلى
الله عليه وسلم - قال: (يقول الله - عز وجل - كل عمل ابن آدم له إلا
الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي والصوم
جنة(5)، وللصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه، ولخلوف فم
الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)(6).
وعن أبي هريرة - رضي
الله عنه - مرفوعاً: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما
تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من
ذنبه)(7).
الوقفة الرابعة: أحكام الصيام:
أولاً: يثبت دخول شهر
رمضان برؤية الهلال؛ فإن لم يُرَ أو حال دون رؤيته غيم أو قتر أُتِم
شهر شعبان ثلاثين يوماً؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال أبو
القاسم: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته؛ فإن غُبِّيَ عليكم فأكملوا عدة
شعبان ثلاثين)(8).
والراجح أنه يكفي في ثبوت الرؤية خبرُ واحدٍ من المسلمين.
وهو مذهب الشافعي(9)، والحنابلة(10)، وقول ابن حزم(11) واختيار ابن تيمية(12) وابن القيم(13).
والدليل عليه قول ابن
عمر - رضي الله عنهما -: (تراءى الناس الهلال، فأخبرت النبي - صلى الله
عليه وسلم - أني رأيته، فصام، وأمر الناس بصيامه)(14).
ثانياً: يحرم صيام آخر
يومين من شعبان أو آخر يوم منه إلا أن يوافق ذلك يوماً كان من عادته
صيامه ك (الاثنين، والخميس) فيجوز عندئذٍ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه
- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ قال: (لا يتقدمن أحدكم رمضان
بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصمْ ذلك اليوم)(15).
ثالثاً: يحرم على القول
الراجح وهو مذهب الشافعي(16) صيام يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان
إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر؛ لحديث أبي هريرة السابق، ولقول عمار
- رضي الله عنه -: (من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم)(17).
رابعاً: شروط وجوب الصيام ثلاثة:
1- العقل.
2- البلوغ.
3- القدرة عليه.
شروط صحة الصيام أربعة:
1- الإسلام.
2- العقل.
3- انقطاع دم الحيض والنفاس.
4- النية من الليل لكل يوم واجب.
لحديث حفصة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: (من لم يبيِّت الصيام من الليل فلا صيام له)(18).
وهذا نص صريح لاشتراط النية لكل ليلة؛ فمن كان مسافراً وقد نوى الفطر من الليل، ثم عزم على الصوم بعد طلوع الفجر لم يصح صومه.
وينبغي على العبد أن يبتعد عن وسواس الشيطان في النية؛ فإن النية لا تحتاج إلى تكلف؛ فمتى خطر بقلبه أنه صائم غداً فقد نوى.
خامساً: فرض الصيام:
الإمساكُ عن المفطرات من
طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، لقوله - تعالى -: ((وَكُلُوا
وَاشْرَبُوا حََتَّى يَتََبَيَّنَ لََكُمُ الخَيْطُ الأََبْيَضُ مِنَ
الخَيْطِ الأََسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ أََتِمُّوا الصِّيَامََ إلَى
اللَّيْلِ)) [البقرة: 187].
سادساً: مفطرات الصوم:
1- الأكل والشرب.
2- ما كان في معنى الأكل والشرب، وهو ثلاثة أشياء:
أ- القطرة في الأنف التي
تصل إلى الحلق، وهو مأخوذ من قوله: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون
صائماً) أخرجه مسلم، فإنه يفهم أنه لو دخل الماء من الأنف إلى الجوف
أفطر.
ب- الإبر المغذية؛ فإنها تقوم مقام الأكل والشرب فتأخذ حكمها، وكذا المغذي الذي يصل إلى المعدة عن طريق الأنف.
ج- حقن الدم في المريض؛ لأن الدم هو غاية الأكل والشرب فكان بمعناه(19).
3- الجماع: وهو من المفطرات بالإجماع (20).
4- إنزال المني باختياره
بمباشرة أو استمناء، أو غير ذلك؛ لأنه في معنى الجماع، ولأنه من الشهوة
التي يدعها الصائم كما سبق في حديث أبي هريرة مرفوعاً وفيه: (يدع شهوته
وأكله وشربه من أجلي)(21) ومعلوم أن من أنزل المني عامداً مختاراً
باستمناء أو غيره، فقد أنفذ شهوته ولم يدعها، أما الاحتلام فليس مفطراً
بالإجماع(22).
5- التقيؤ عمداً، وهذا
مفطر أيضاً بالإجماع(23)، أما من غلبه القيء فلا يفطر؛ لحديث أبي هريرة -
رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من ذرعه
القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء فليقض)(24).
6- خروج دم الحيض
والنفاس، بالإجماع(25)؛ فمتى وُجد دم الحيض أو النفاس في آخر جزء من
النهار، أو كانت حائضاً فطهرت بعد طلوع الفجر فسد صومها؛ ومن الأدلة عليه
حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً: (أليس إذا حاضت لم تُصَلِّ ولم تَصُمْ؟)
(26).
7- اختلف أهل العلم في الحجامة: هل تفطر أو لا؟
وسبب الخلاف في هذه
المسألة: التعارض الظاهر بين حديث ثوبان مرفوعاً: (أفطر الحاجم والمحجوم)
(27)، وحديث ابن عباس: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو
صائم)(28)، واختلف أهل العلم في طريق الترجيح بينهما لتعذر الجمع بينهما
فاختار ابن تيمية(29) وابن القيم(30) وهو مذهب الحنابلة (31) تقديم حديث:
(أفطر الحاجم والمحجوم) لأنه ناقل عن الأصل، أما حديث ابن عباس فمبقٍ
على الأصل، والناقل عن الأصل مقدم على المبقي، كما هو مقرر في قواعد
الترجيح بين الأدلة المتعارضة.
والراجح تقديم حديث ابن
عباس وأن الحجامة ليست من المفطرات وهو مذهب الجمهور؛ وذلك أنه لا يُصار
إلى إعمال قواعد الترجيح بين الأدلة إلا إذا جهل التاريخ، أما إذا علم
فيجب العمل بالمتأخر ويكون ناسخاً للمتقدم(32)، وقد علم هنا بخبر الصحابي
من حديثين:
الأول: حديث أنس بن مالك
قال: (أول ما كُرِهَت الحجامة للصائم، أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو
صائم فمر به النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: أفطر هذان، ثم رخص النبي -
صلى الله عليه وسلم - بعدُ في الحجامة للصائم، وكان أنس يحتجم وهو
صائم)(33).
الثاني: حديث أبي سعيد
الخدري قال: (رخص رسول الله في القبلة للصائم والحجامة)(34)، والرخصة
إنما تكون بعد العزيمة فيكون الحديثان نصاً في النسخ فوجب العمل بهما
(35).
8- الراجح في القطرة في
العين أو الأذن والكحل، ومداواة الجروح الغائرة، وشم الطيب، والإبر غير
المغذية، وإدخال علاج لمريض من الفرج: أنها لا تفطر؛ لأنه ليس أكلاً ولا
شرباً ولا في معناهما، فتبقى على الأصل وهو الجواز، وما أحسن كلام شيخ
الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في هذا حيث قال: (... فإن الصيام من دين
الإسلام الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام، فلو كانت هذه الأمور مما
حرمها الله ورسوله على الصائم، وأفسد الصوم بها، لكان هذا مما يجب على
الرسول بيانه، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغوها سائر
شرعه، فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في
ذلك لا حديثاً صحيحاً ولا ضعيفاً ولا مسنداً ولا مرسلاً، علم أنه لم
يذكر شيئاً من ذلك)(36).
سابعاً: من أفطر ناسياً
أو مخطئاً فصومه صحيح ولا قضاء عليه كمن ظن أن الفجر لم يطلع فأكل وهو
طالع، أو ظن أن الشمس غربت فأكل وهي لم تغرب.
ومن الأدلة على ذلك:
1- حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: (من أكل ناسياً وهو صائم فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه)(37).
2- عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - قالت: (أفطرنا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم غيم ثم طلعت الشمس) (38).
ولم يُنقل أنهم قضوا ذلك اليوم؛ ولو أُمِرُوا بقضائه لنُقل إلينا كما نُقِلَ فطرهم(39).
ثامناً: مسائل القضاء:
1- الحائض والنفساء يجب
عليهما القضاء بالإجماع(40)؛ فعن معاذة - رحمها الله - قالت: سألتُ
عائشة - رضي الله عنها - فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي
الصلاة؟ قالت: أحروريةٌ (41) أنتِ؟ قلت: لست بحرورية، ولكني أسأل. فقالت:
(كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة)(42).
2- المسافر يجوز له
الفطر ولو لم يكن عليه مشقة بالصيام لقوله - تعالى - ((وَمَن كَانَ
مَرِيضاً أََوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أََيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ
اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ)) [البقرة: 185].
وعن حمزة بن عمرو الأسلمي - رضي الله عنه - أنه قال: يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل عليّ جناح؟
فقال رسول الله: (هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه) (43).
3- من أفطر متعمداً في
رمضان بغير عذر فهو آثم إثماً عظيماً؛ وعليه التوبة إلى الله،ويجب عليه
قضاء ما أفطر على القول الراجح وهو قول الجمهور(44).
والدليل على وجوب القضاء:
أ - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: (من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء، ومن استقاء فليقضِ)(45).
ب - قوله - صلى الله عليه وسلم- للمُجامع في نهار رمضان بعد أن ذكر له الكفارة: (وصم يوماً، واستغفر الله)(46).
أما إذا كان الإفطار
بالجماع فيجب مع القضاء الكفارة وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين
متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً لحديث أبي هريرة - رضي الله
عنه - في الصحيحين.
4- المريض الذي شق عليه
الصوم: يجوز له الفطر؛ بل قد يجب إذا ترتب على صيامه إلحاق ضرر به،
ويقضي ما أفطر، ومثله في الحكم الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما أو
ولديهما(47).
5- العاجز عن الصيام
عجزاً مستمراً كالشيخ الكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه، فهذا لا يجب
عليه الصوم، ويجب عليه أن يطعم مكان كل يوم مسكيناً، فعن عطاء سمع ابن
عباس - رضي الله عنه -يقرأ: ((وَعَلَى الَذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ
طَعَامُ مِسْكِينٍ)) [البقرة: 184]، قال ابن عباس: (ليست بمنسوخة، هو
الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعما مكان كلّ يوم
مسكيناً)(48).
6- الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة إذا بلغا الهذيان وعدم التمييز، لا يجب عليهما الصيام ولا الإطعام؛ لسقوط التكليف.
الوقفة الخامسة: سنن الصيام:
1- تأخير السحور؛ لحديث
أنس - رضي الله عنه - عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: (تسحرنا مع
النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قام إلى الصلاة. قلت: كم كان بين
الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية)(49).
2- تعجيل الفطر لحديث
سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
(لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)(50).
3- أن يفطر على رطب؛ فإن
لم يكن فعلى تمرات، فإن لم تكن فعلى ماء. لحديث أنس - رضي الله عنه
-قال: كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم يكن فعلى تمرات، فإن لم تكن
تمرات حسا حسوات من ماء)(51).
4- لم يثبت عن النبي -
صلى الله عليه وسلم - دعاءٌ عند الإفطار إلا ما جاء في حديث ابن عمر -
رضي الله عنه -: كان رسول الله إذا أفطر قال: (ذهب الظمأ، وابتلت العروق،
وثبت الأجر إن شاء الله) حديث حسن(52).
5- أهم السنن وآكدها أكل
السحور لقوله: (تسحروا فإن في السحور بركة)(53)، وقال: (فصل ما بين
صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السّحَر)(54).
6- أن يكون في سحوره تمر لقوله: (نعم سحور المؤمن التمر)(55).
7- أن يقول لمن سابه أو شاتمه: إني امرؤ صائم.
8- والسنّة في عدد ركعات
التراويح أن لا تزيد عن إحدى عشرة ركعة؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها
-قالت: (ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد في رمضان ولا في
غيره على إحدى عشرة ركعة)(56)، والزيادة جائزة لحديث ابن عمر - رضي
الله عنهما - قال: إن رجلاً قال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
كيف صلاة الليل؟ قال: مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة)(57).
الوقفة السادسة: زاد الصائم:
ينبغي أن يكون شعار
المؤمن في رمضان قوله - تعالى -: ((وَتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيْرَ
الزَّادِ التَّقْوَى)) [البقرة: 197]، وأن يقتدي بحال النبي - صلى الله
عليه وسلم - في رمضان كما في حديث ابن عباس - رضي الله عنه -قال: (كان
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في
رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه
القرآن، فلرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح
المرسلة)(58).
وإليك أخي المسلم بعض ميادين المسابقة في الخيرات في رمضان:
1- قيام الليل: فلا تخلو
ليلة من قيام ليحصل على الأجر الوارد في قوله: (من قام رمضان إيماناً
واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)(59)، وأن يصلي التراويح مع الإمام
حتى ينتهي لحديث أبي ذر - رضي الله عنه - قال: صُمنا مع رسول الله - صلى
الله عليه وسلم- رمضان فلم يقم بنا شيئاً من الشهر حتى بقي سبع، فقام
بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا.
فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل.
فقلت: يا رسول الله: لو نفلتنا قيام هذه الليلة.
قال: فقال: (إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسبَ له قيام ليلة).
قال: فلما كانت الرابعة
لم يقم، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس فقام بنا حتى خشينا
أن يفوتنا الفلاح. قال: قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور.
ثم لم يقم بنا بقية الشهر (60).
وقد قام النبي - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه ثلاث ليال ولم يخرج الرابعة خشية أن يفرض عليهم.
وليس معنى ذلك أن يقتصر على صلاة التراويح فقط؛ فإن أمكنه أن يصلي من آخر الليل وحده فهو من تمام القيام.
2- قراءة القرآن: قال: (اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)(61).
وقال - عليه الصلاة والسلام -: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنه والحسنة بعشر أمثالها)(62).
3- تفطير الصائمين: قال: (من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً)(63).
4- العمرة: قال: (... فعمرة في رمضان تعدل حجة) وفي رواية: (حجة معي)(64).
5- الصدقة: والنصوص في
فضلها مستفيضة من الكتاب والسنة، وقد اختصها الله - تعالى -؛ فكأن
المتصدق يقرض الله؛ ومَنْ أعظمُ وأجزل وفاءً من الله؟ قال - تعالى -:
((مَن ذَا الَذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ
وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ)) [الحديد: 11]
وفي الصحيحين من حديث
أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: (من تصدق بعدل تمرة من
كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها
لصاحبها كما يربي أحدكم فُلُوّه، حتى تكون مثل الجبل)، وهي من أسباب دخول
الجنة كما قال: (يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار)(65)،
واعلم أخي المسلم أن الصدقة لا تنقص المال، كما ثبت من حديث أبي هريرة
مرفوعاً: (ما نقصت صدقة من مال)(66).
وتأمل معي الحديث
التالي: الذي يبين سبب تراجع الكثيرين وترددهم في الصدقة؛ فعن بريدة -
رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (ما يُخرج رجلٌ شيئاً
من الصدقة حتى يَفك بها لحيي سبعين شيطاناً)(67)، وبعد هذا العرض
المؤثر من نصوص الصدقة أدعوك يا أخي ألا تترك أيّ فرصة للصدقة: على
فقير، أو بناء مسجد، أو طبع كتاب، أو غير ذلك، في البيت، أو المسجد، أو
في اللجان الخيرية، حتى تلك الصناديق التي تشاهدها في بعض المحلات
التجارية، ولو أن تضع شيئاً يسيراً لتدحر بها شياطين الجن والإنس، وتكفر
سيئاتك، وتثقل موازينك يوم القيامة، فتراها كالجبال العظيمة، وتفوز كل
يوم بدعاء الملائكة؛ كما ثبت في حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه
وسلم- قال: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما:
اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً)(68).
وما أجمل أن يكون المسلم
واسطة خير في الصدقة والزكاة بين الناس ومن يستحقها. عن أبي موسى
الأشعري - رضي الله عنه - قال: (الخازن المسلم الأمين الذي يُنفِّذ ما
أُمر به كاملاً موفوراً طيباً بها نفسه فيدفعه إلى الذي أمر له به أحدُ
المتصدقين)(69).
محاذير وتنبيهات:
1- يمسك بعض الناس قبل
الفجر بوقت (عشر دقائق مثلاً) احتياطاً، وهذا لم يفعله النبي - صلى الله
عليه وسلم - ولا أصحابه؛ فهو غير مشروع.
2- بعض المؤذنين يحتاط
للناس فيؤذن قبل الوقت وهذا خطأ، والصواب أن يؤذن عند دخول الوقت؛ فهذا
هو المشروع، وحتى لا يغتر بأذانه بعض النساء في البيوت فيصلين قبل الوقت.
3- بعض الناس في رمضان
يصلون بعد الأذان بوقت يسير؛ والأوْلى أن يتأخروا بوقت تطمئن نفوسهم
بدخول الوقت؛ فقد ثبت أن عدداً من التقاويم غير دقيقة وأنها تسبق دخول
الوقت بنحو ربع إلى ثلث ساعة.
4- هذا شهر الصيام وبعض الناس يجعله شهر الطعام، فتضيع الأوقات الطويلة وخصوصاً على المرأة في صنع ألوان الطعام.
5- الحذر من الوقوع في المحرمات وخصوصاً ما يتفنن به شياطين الإنس من أفلام ومسلسلات.
6- ينبغي على المرأة
المسلمة أن تحذر الخروج إلى الأسواق متطيبة، أو متبرجة، أو بدون حاجة، أو
بدون محرم، وكم يتألم المؤمن من امتلاء الأسواق بالنساء ليالي رمضان
وخصوصاً في العشر الأواخر منه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
(1) أخرجه البخاري، ح/1915.
(2) أخرجه البخاري، ح/1903.
(3) أخرجه البخاري، ح/1899، ومسلم، ح/1079.
(4) أخرجه البخاري، ح/1904.
(5) أي شر ووقاية من الآثام والنار (فتح الباري 4/125).
(6) أخرجه البخاري، ح/1894، 1904، 7492، ومسلم ح/1151.
(7) أخرجه البخاري، ح/1901.
(8) أخرجه البخاري، ح/1909.
(9) انظر: روضة الطالبين (2/207).
(10) انظر: الفروع (3/14).
(11) انظر: المحلى (4/373).
(12) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (25/105).
(13) انظر: زاد المعاد (2/38).
(14) أخرجه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وقال ابن حزم: (هذا خبر صحيح)؛ وصححه الألباني (انظر الإرواء 4/16).
(15) أخرجه البخاري، ح/1914، ومسلم، ح/1082.
(16) المهذب والمجموع (6/275).
(17) حديث صحيح أخرجه
البخاري معلقاً بصيغة الجزم، ووصله أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم
(انظر فتح الباري 4/144) ومختصر صحيح البخاري للألباني (1/444).
(18) صحيح أبي داود، ح/2454.
(19) انظر مجالس شهر رمضان لابن عثيمين، ص 66.
(20) حكاه النووي في المجموع (4/348).
(21) انظر المغني 4/361 363، والمجموع 6/349، وحقيقة الصيام لابن تيمية، ص 23.
(22) انظر المجموع 6/349.
(23) حكاه ابن المنذر في كتاب الإجماع، ص 15.
(24) صحيح أبي داود، ح/380.
(25) حكاه ابن قدامة وغيره، انظر المغني 4/397.
(26) أخرجه البخاري، ح/304.
(27) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم، وصححه الإمام أحمد والبخاري والدارمي وغيرهم، انظر فتح الباري، 4/409.
(28) أخرجه البخاري، ح/5694.
(29) حقيقة الصيام، ص 23.
(30) زاد المعاد، 2/60.
(31) الفروع، 3/47.
(32) انظر البحر المحيط للزركشي (6/140).
(33) أخرجه الدار قطني وصححه وأقره البيهقي في السنن الكبرى، وصححه الألباني (انظر الإرواء 4/73).
(34) أخرجه الطبراني والدار قطني. قال ابن حزم: إسناده صحيح. وصححه الألباني (انظر الإرواء 4/74).
(35) انظر الإرواء 4/75.
(36) حقيقة الصيام، ص 37.
(37) أخرجه البخاري، ح/6669.
(38) أخرجه البخاري، ح/1960.
(39) انظر حقيقة الصيام، ص 34.
(40) حكاه ابن حزم في مراتب الإجماع، ص 47.
(41) يقال لمن اعتقد
مذهب الخوارج: حروري؛ نسبة إلى حروراء، وهي بلدة قرب الكوفة، وكان أول
اجتماع للخوارج بها للخروج على عليّ فاشتهروا بالنسبة إليها، انظر: فتح
الباري، 1/502.
(42) أخرجه البخاري، ح/321، ومسلم واللفظ له، ح/335.
(43) أخرجه مسلم، ح/1121.
(44) أخرجه أبو داود،
ح/2363، وابن ماجة، ح/1676، وأحمد 2/498، والدار قطني وقال: رواته ثقات
كلهم، (2/184) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي في التلخيص (1/427) وصححه ابن
تيمية في حقيقة الصيام ص 14، وقال أحمد شاكر: (إسناده صحيح)، (شرح المسند
10/111) وصححه الألباني في الإرواء (4/51).
(45) أخرجه أبو داود،
ح/2376، وابن ماجة بلفظ: (وصم يوماً مكانه)، ح/1671، ومالك، ح/29 وغيرهم،
قال النووي: (رواه البيهقي بإسناد جيد) (المجموع 3/76) وصححه أحمد شاكر
في شرح المسند (6/147) والألباني في الإرواء (4/90).
(46) انظر بداية المجتهد (1/302).
(47) انظر: مجالس شهر رمضان، ص 33، 36.
(48) أخرجه البخاري، ح/4505.
(49) أخرجه البخاري، ح/922.
(50) أخرجه البخاري، ح/1957، ومسلم، ح/1098.
(51) صحيح أبي داود، ح/2356.
(52) صحيح أبي داود، ح/2357.
(53) أخرجه البخاري، ح/1923، ومسلم، ح/1095.
(54) أخرجه مسلم، ح/1096.
(55) صحيح أبي داود، ح/ 2345.
(56) أخرجه مسلم، ح/738.
(57) أخرجه البخاري، ح/1137.
(58، 59) متفق عليه.
(60) صحيح أبي داود، ح/1375.
(61) أخرجه مسلم، ح/804.
(62) صحيح الترمذي، ح/3087.
(63) صحيح النسائي، ح/811.
(64، 65) متفق عليه.
(66) أخرجه مسلم، ح/2588.
(67) السلسلة الصحيحة، ح/1268.
(68) أخرجه البخاري، ح/1442.
(69) أخرجه البخاري، ح/1438