خير الشهور
خير الشهور
محمد على عبد الرحي
إذا تعددت
الأيام الخيرة، التي يبارك الله فيها عمل المؤمن، وتستجاب له فيها
الدعوات، كيوم عرفة، ويوم الجمعة، ويوم الأضحى، ويوم الفطر، فإن ليلة
واحدة هي خير الليالي على الإطلاق، وهي ليلة القدر التي تقع من غير شك في
شهر رمضان.
كما أنه لا خلاف على أن
خير شهور السنة، هو شهر رمضان المبارك، الذي أنزل فيه القرآن، وبعث فيه
الرسول - عليه الصلاة والسلام -، وفرض فيه الصيام، وكانت غزوة بدر فيه،
التي دوخت المشركين، وقضت على صناديد قريش، ثم كان فيه فتح مكة المكرمة في
العام الثامن بعد الهجرة فدقت معاقل الشرك، ودالت الوثنية، وطهرت مكة من
الأصنام، واتجهت العبادة إلى الملك العلام.
ولم يختلف اثنان على أن شهر رمضان مبارك في أيامه، مبارك في لياليه، وكفاه فضلاً وشرفاً أن فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
روي ابن خزيمة في صحيحه
عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - في آخر يوم من شعبان فقال: يأيها الناس: قد أظلكم شهر عظيم مبارك،
شهر فيه ليلة خير من ألف شهر. شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله
تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدي فريضة فيما سواه، ومن أدي
فريضة فيه كان كمن أدي سبعين فريضة فيما سواه. وهو شهر الصبر، والصبر
ثوابه الجنة، وهو شهر المواساة (المساعدة) وشهر يزداد فيه رزق المؤمن، من
فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره
من غير أن ينقص من أجره شيء. قالوا يا رسول الله: ليس كلنا يجد ما يفطر
الصائم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يعطي هذا الثواب من فطر
صائماً على تمرة، أو شربة ماء، أو مذقة لبن. وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه
مغفرة، وآخرة عتق من النار. من خفف عن مملوكه غفر الله له وأعتقه من
النار. فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا
غناء بكم عنهما. فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله
إلا الله، وتستغفرونه، وأما الخصلتان اللتان لا غناء لكم عنهما: فتسألون
الله الجنة وتتعوذون به من النار. ومن سقي صائماً سقاه الله من حوضي شربة
لا يظمأ بعدها أبداً.
وروي البخاري أنه - صلى
الله عليه وسلم - قال: (إن في الجنة باباً يقال له الريان، يدخل منه
الصائمون يوم القيامة. لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟
فيقومون لا يدخل أحد غيرهم. فإذا دخلوا أغلق. فلم يدخل أحد منه).
وروي البخاري أنه - صلى
الله عليه وسلم - قال: (والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من
ريح المسك. يترك طعامه وشرابه من أجلي. الصيام لي وأنا أجزي به. والحسنة
بعشر أمثالها.
وروي البخاري أيضاً أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أنفق زوجين (أي شيئين) في سبيل
الله نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير. فمن كان من أهل الصلاة
دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من
أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة.
فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: بأبي أنت وأمي يا رسول الله: ما على من
دعي من تلك الأبواب من ضرورة؟ فهل يدعي أحد من تلك الأبواب كلها؟. فقال:
نعم. وأرجو أن تكون منهم).
وعيد من أفطر يوماً من رمضان من غير عذر
روي أصحاب السنن أنه -
صلى الله عليه وسلم - قال: (من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة ولا مرض،
لم يقضه عنه صوم الدهر كله وإن صامه).
وروي البزار أن رجلاً قال
يا رسول الله إني هلكت: أفطرت في شهر رمضان متعمداً. قال: أعتق رقبة.
قال: لا أجد. قال: صم شهرين متتابعين قال: لا أقدر. قال "أطعم ستين
مسكيناً. إسناده حسن.
ما يجوز للصائم فعله ولا حرج
1- من ذرعه القيء فلا قضاء عليه.
2- الاكتحال والتداوي والاغتسال، ولا بأس بالسواك الرطب.
3- من أفطر ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة وإنما أطعمه الله وسقاه.
4- من احتلم أثناء نومه نهاراً فلا شيء عليه إلا الغسل.
5- الحقن في الوريد أو في العضل نوعان: -
(أ) نوع مفطر إذا كانت مغذية كالجلوكوز والفيتامينات وخلاصة الكبد.
(ب) نوع مضاد للجراثيم كالبنسلين وترامايسين وما شاكلها فلا تفطر.
6- المريض والمسافر لقوله
- تعالى -: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ
مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ))[البقرة: 184] أي عليهما القضاء.
7- إذا طلع الفجر وهو جنب فلا شيء عليه إلا الاغتسال للصلاة.
8- الأكل والشرب الخطأ،
كأن أكل بعد الفجر ظناً منه أن الفجر لم يطلع أو أكل قبل غروب الشمس في
يوم غيم ثم ظهرت الشمس فعلي كل منهم القضاء فقط.
9- دخول ماء الوضوء إلى الجوف خطأ فعليه القضاء؛ لأنه بالغ في المضمضة وهذا منهي عنه في الصيام.
01- إذا أنزل بغير شهوة فلا شيء عليه، وإذا أنزل بنظرة بشهوة فعليه القضاء.
11- إذا كانت المرأة قد جومعت (أي جامعها زوجها) ناسية أو جاهلة أو نائمة أو مكرهة. فالكفارة على زوجها وليس عليها إلا ما تعمدت.
المحرمات المعنوية على الصائم
الكذب، والغيبة، والنميمة، والسب والشتم، وفحش القول.
ففي الكذب قال - صلى الله عليه وسلم -: (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).
وفي الغيبة: أنه - صلى الله عليه وسلم - رأي امرأتين تقيئان دماً.
فقال أنهما صامتا عما أحل الله، وأفطرتا على ما حرم الله - تعالى -. والنميمة مثلها.
والسب والشتم لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يفسق ولا يجهل، وإن امرؤ سابه أو شاتمه فليقل: إني صائم).
أما الكذب المباح فجائز في الصوم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً) متفق عليه.
كما يستثني من الغيبة
والنميمة تحذير المسلمين من أخطاء المخطئين والاستعانة بمن يقدر على تغيير
المنكر، والتحذير ممن يتصدر للإفتاء والتدريس لأولئك الذين يكرهون السنة
ويستحسنون البدعة، والنصح عند الخطوبة كأن يبين المستشار ما في الخاطب أو
المخطوبة من عيوب.
المسنون للصائم:
كثرة قراءة القرآن، وذكر
الله سراً كما قال - تعالى -: (واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة) والصدقة،
وكف اللسان عن كل منكر، وغض البصر، وتعجيل الفطر، وتأخير السحور، قال -
صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا
السحور)) متفق عليه.
ويستحب للصائم أن يتسحر، لما ورد عن أنس أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((تسحروا فإن في السحور بركة)) رواه الجماعة.
وعن أنس قال: كان رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - يفطر قبل أن يصلي على رطبات فإن لم تكن
رطبات، فتمرات، فإن لم تكن تمرات، حسا حسوات من ماء).
كما يسن بذل الخير للناس، من صدقة أو معروف.
روي البخاري عن ابن عباس
قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس. وكان أجود ما يكون
في رمضان حين يلقاه جبريل. وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه
القرآن. فلرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح
المرسلة).
وروي الترمذي وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء).
ويسن قيام رمضان بصلاة التراويح والاعتكاف في العشر الأواخر.
صلاة التراويح
في الصحيحين: كان النبي -
صلى الله عليه وسلم - يأمر بقيام رمضان من غير أن يأمر فيه بعزيمة وكان
يقول: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه).
وروي البخاري أن عائشة
سئلت عن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان. فقالت: ما كان رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد في رمضان ولا في غيره على احدي عشرة
ركعة، يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن. ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن
حسنهن وطولهن. ثم يصلي ثلاثاً.
وظل الناس يصلونها فرادي
في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفي خلافة أبي بكر، في البيوت وفي
المسجد، ولما رأي الخليفة العادل عمر - رضي الله عنه - أن الناس يؤدونها
فرادى أو جماعات صغيرة، أمر أبي بن كعب، وتميماً الداري، - رضي الله عنهما
-، أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة بالتناوب بينهما ليلة بعد أخري، وروي
مالك في الموطأ أن القارئ كان يقرأ بالمئات من الآيات في الركعة الواحدة،
حتى أن البعض يعتمد على العصا من طول القيام. وما كانوا ينصرفون إلا قبيل
الفجر للسحور.
فصلاة التراويح على النحو
الذي تؤدي به في الريف والمدن، بدون تؤدة واطمئنان لا شك أنها باطلة، لأن
النبي - صلى الله عليه وسلم -، أبطل صلاة المسئ في صلاته. وقال له: ارجع
فصل فإنك لم تصل.
أما أئمة صلاة التراويح
بسرعة بدون اطمئنان (مرضاة للناس) فلا شك أنهم مبتدعون وصلاتهم باطلة، فلا
يصح الاقتداء بهم. ويوم القيامة يحملون أوزارهم وأوزاراً مع أوزارهم.
وطول القراءة في صلاة
التراويح، أمر مرغوب فيه، بل المقصود في صلاة التراويح، قراءة القرآن بطول
القيام، ليسمع المسلمون كلام الله - تعالى -، فإن شهر رمضان نزل فيه
القرآن، وفيه كان جبريل يدارس النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن.
أما الاختلاف في عدد ركعات التراويح، فراجع إلى الرغبة في طول القيام، وخاصة في العشر الأواخر من رمضان.
قال الحافظ ابن رجب: الاختلاف بحسب تطويل القراءة وتخفيفها، فحيث تطول القراءة تقل الركعات إلى احدي عشرة ركعة أو نحوها. وبالعكس.
وقد ازدادت رغبة المسلمين
في عهد الأمويين في الخير، فمنهم من صلاها عشرين ركعة قائماً الليل كله،
ومنهم من صلاها أربعين ركعة، وفي عهد عمر بن عبد العزيز صلاها ستاً
وثلاثين ركعة مع طول القيام والخشوع لينالوا ثواب من قام رمضان إيماناً
واحتساباً.
وإذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد سن لنا احدي عشرة ركعة، تعين أن تكون صلاة طيبة قراءة وخشوعاً وركوعاً وسجوداً.
وإذا كانت صلاة التراويح من التطوع جاز زيادة الركعات مع حسن الأداء.
الاعتكاف
هو التقرب إلى الله بالاحتباس في المسجد.
والاعتكاف بالصيام أفضل،
ولكنه يصح بدون صيام (في غير رمضان) والدليل على ذلك ما جاء في الصحيحين،
أن عمر سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: كنت نذرت في الجاهلية أن
أعتكف ليلة في المسجد الحرام. قال: (فأوف بنذرك).
ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه البخاري: كان إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه، وأنه أمر بخباء فضرب له.
والمعتكف لا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج من المسجد إلا لما لا بد منه.
وأخرج البخاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله - عز وجل -.
وأخرج أحمد أن رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان. فسافر سنة،
فلم يعتكف. فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين يوماً.
وفقنا الله - تعالى - لاتباع رسوله، والعمل بسنته.
فمن تمسك بها نال شفاعته يوم القيامة.
ومن حاد عنها وقع في
مشاقة الرسول، قال - تعالى -: ((وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ
مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ
نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا))
[النساء:115]، ونعوذ بالله من سوء المصير