صام عن الحلال وأفطر على الحرام
صام عن الحلال وأفطر على الحرام
بدر عبد الحميد هميسه
من فوائد
الصوم أنه يربي المسلم على التقوى والخشية والمراقبة من الله - تعالى -
قال عز من قائل: (فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ) [سورة التوبة: 13].
لذا فقد جعل الله -
سبحانه - الصوم سراً بينه وبين عبده، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله
عنه - قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ
اللَّهَ - عز وجل – يَقُولُ: إِنَّ الصَّوْمَ لِي، وَأَنَا أَجْزِى بِهِ،
إِنَّ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَيْنِ: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِي
اللَّهَ فَرِحَ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ
الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ)) أخرجه أحمد
2/232(7174).
والصوم الحقيقي هو الذي تصوم فيه الجوارح والأعضاء عن كل ما حرم الله - عز وجل -.
فيصوم القلب عن: الكبر،
والحسد، والغل، والحقد، ويصوم اللسان عن: الكذب، وشهادة الزور، والحلف
الباطل، والغيبة، والنميمة، والسب، والشتم، واللعن، والقذف، والسخرية،
والاستهزاء، وتصوم العين عن: النظر المحرم، والأذن تصوم عن: التصنت على
الناس، وسماح الباطل، واليد تصوم عن: الرشوة، وأذى الناس، والاعتداء
عليهم، والرجل تصوم عن: المشي إلى الحرام، وأماكن الفسق والفجور، والبطن
تصوم عن: أكل الحرام، وعن كل ما يفطر في شهر الصيام.
يقف مسكين أمام الحجاج بن
يوسف الثقفي فيدعوه الحجاج إلى الطعام، فيقول الأعرابي له: يا حجاج لقد
دعاني من هو أفضل منك، إنني اليوم صائم ومدعو على مائدة الرحمن، فيجيب
الحجاج: يا أعرابي أتصوم هذا اليوم وهو شديد الحرارة؟ فيقول الأعرابي
المؤمن: يا حجاج، أصومه ليوم أشد منه حراً. فيجيب الحجاج: أفطر اليوم، وصم
غداً.
فيجيب الأعرابي وكله ثقة وإيمان: يا حجاج، هل اطلعت على الغيب فوجدتني سأعيش إلى الغد.
قال الشاعر:
إن الـملوك إذا شـابت عبيدهم *** فـي رقـهم أعـتقوهم عـتق أبرار
وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً *** قد شبـت فـي الرق فاعتقني من النار
والعجيب أن بعض الناس لم
يفهموا معنى الصوم الحقيقي، وأنه امتناع عن كل ما حرم الله - تعالى -،
فتجدهم طوال نهارهم يصوم عن الطعام والشراب فقط؛ لكنهم لا يصومون عن
اللغو، والكذب، والغيبة، والنميمة، والحقد والباطل،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
–رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
((الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا، فَلاَ
يَرْفُثْ، وَلاَ يَجْهَلْ، فَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ،
فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ)). خرجه مالك "الموطأ" 206.
و"أحمد" 2/245(7336) و"البُخاري" 1894 و"مسلم" 3/157.
وعَنْ عُبَيْدٍ مَوْلَى
رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم – "أَنَّ امْرَأَتَيْنِ صَامَتَا،
وَإِنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَاهُنَا امْرَأَتَيْنِ
قَدْ صَامَتَا، وَإِنَّهُمَا قَدْ كَادَتَا أَنْ تَمُوتَا مِنَ الْعَطَشِ،
فَأَعْرَضَ عَنْهُ، أَوْ سَكَتَ، ثُمَّ عَادَ، وَأُرَاهُ قَالَ:
بِالْهَاجِرَةِ، قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّهُمَا وَاللهِ قَدْ
مَاتَتَا، أَوْ كَادَتَا أَنْ تَمُوتَا، قَالَ: ((ادْعُهُمَا))، قَالَ:
فَجَاءَتَا، قَالَ: فَجِيءَ بِقَدَحٍ، أَوْ عُسٍّ، فَقَالَ لإِحْدَاهُمَا:
((قِيئِي))، فَقَاءَتْ قَيْحًا، أَوْ دَمًا، وَصَدِيدًا، وَلَحْمًا،
حَتَّى قَاءَتْ نِصْفَ الْقَدَحِ، ثُمَّ قَالَ لِلأُخْرَى: ((قِيئِي))،
فَقَاءَتْ مِنْ قَيْحٍ، وَدَمٍ، وَصَدِيدٍ، وَلَحْمٍ عَبِيطٍ، وَغَيْرِهِ،
حَتَّى مَلأَتِ الْقَدَحَ، ثُمَّ قَالَ: ((إِنَّ هَاتَيْنِ صَامَتَا
عَمَّا أَحَلَّ اللَّهُ، وَأَفْطَرَتَا عَلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ - عز
وجل - عَلَيْهِمَا، جَلَسَتْ إِحْدَاهُمَا إِلَى الأُخْرَى، فَجَعَلَتَا
يَأْكُلاَنِ لُحُومَ النَّاسِ)) أخرجه أحمد 5/431(24053).
كما أن بعض الناس حينما
يؤذن للفطر عند المغرب يفطرون على الحرام، فتجد أحدهم مع أو كلمة في
الأذان (الله أكبر) يشعل السيجارة أو الدخان، وينسى أنه طوال نهاره صام عن
الحلال، ولا يجوز له أن يفطر على الحرام.
كما تجد بعضهم أيضا يقضى نهاره نائماً وليله لاهياً، فلا هو شغل نهاره في طاعة وإفادة، ولا قضى ليله في قيام وعبادة.
الصومُ جُنَّـةُ صائـمٍ مـن مَأْثَمٍ ***يَنْـهى عن الفحشـاء والأوشابِ
الصـومُ تصفيـدُ الغرائزِ جملةً *** وتـحـررٌ من رِبْـقـةٍ بـرقابِ
ما صامَ مَنْ لم يَرْعَ حـقَّ مجاورٍ *** وأُخُـوَّةٍ وقـرابـةٍ وصـحـابِ
ما صـامَ مَنْ أكَلَ اللحومَ بِغيـبَةٍ *** أو قـالَ شـراً أو سَعَى لخـرابِ
ما صـامَ مَـنْ أدّى شهادةَ كاذبٍ *** وأَخَـلَّ بـالأَخــلاقِ والآدابِ
تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال