عندما تتفوق الزوجة على زوجها
عندما تتفوق الزوجة على زوجها
خالد سعد النجار
يؤكد علماء
النفس أن سر السعادة الزوجية يكمن في قناعة الزوجين باختيارهما الموفق،
وإنكار الذات، والوضوح في العلاقة، والاتفاق على أهداف محددة في الحياة.
ويوضح العلماء: أنه بعد
الارتباط يشكل الزوجان خلية جديدة في المجتمع تحتاج إلى أركان وثوابت،
أولها: الابتعاد عن التفكير بالذات واحترام وتفهم قدرات الطرف الآخر،
واعتماد الوضوح والصراحة في كل شيء بما في ذلك العيوب.
وتفوق المرأة على الرجل
اقتصادياً أو علمياً أو مهنياً أو اجتماعياً من الموضوعات الحساسة التي
تحتاج إلى تناول دقيق ورقيق وبحساسية خاصة، حيث إن هناك زيجات ناضجة
-بمعنى أن الطرفين سعيدان- رغم تفوق المرأة، وهناك زيجات فاشلة -بمعنى
تعاسة الطرفين- برغم تفوق الرجل. إذن نجاح أو فشل الزواج لا يتوقف بالدرجة
الأولى على تفوق المرأة أو تواضع إمكاناتها أمام إمكانات زوجها، وخاصة
إذا تحدثنا عن الإمكانات المادية فسنجد أنها لا تؤثر كثيراً على التوافق
الزوجي، وأن الزيجات التي تفشل بسبب التفوق المادي للزوجة يرجع الفشل في
النهاية إلى أسباب نفسية متعلقة بالتكوين النفسي للزوج، ويكون التفوق
المادي هو القشة التي قصمت ظهر البعير أو هو السبب في تفجير الصراعات
النفسية التي يعاني منها الرجل وخروجها إلى السطح وإطاحتها بسعادة
الزوجين.
أما إذا تطرقنا إلى
مجالات التفوق في النضج والثقافة إذا كان في صالح الزوجة، فإننا سنجد
حالات خلل حقيقية. فالشعور بالنقص لدى الزوج هو الذي يتحكم في سلوكه تجاه
زوجته وموقفه منها، يحدد أفعاله وردود أفعاله ويجعله حساساً إلى درجة تجعل
التعامل التلقائي معه صعباً، والحساسية: بمعنى التأثر بدرجة عالية لا
تتناسب مع حجم أو موضوع المؤثر أو المثير، وكذلك رد الفعل الحاد المبالغ
فيه، الذي لا يتناسب مع الموقف.
وهناك حالات ثلاث في مسألة تفاوت المستوى الثقافي بين كل من الزوج والزوجة وهذه الحالات لا رابع لها:
1- أن يكون الزوج له من المؤهلات العلمية والثقافية ما يفوق به مستوى الزوجة.
2- أن يكون كلا من الزوجين متكافئين في مستواهما الثقافي، أو متقاربين فيه.
3- أن تكون الزوجة متفوقة في مستواها الثقافي على الرجل.
بالنسبة (للحالة الأولى)
نستطيع القول: بأن هذه الحالة لا تثير إشكالاً، ولا تؤثر سلباً على إدارة
الأسرة، وذلك لأن مهمة إدارة الأسرة منوطة بالزوج، وبما أن الزوج هو الذي
يتفوق في الفرض الأول، من حيث مستواه الثقافي على المرأة، فإن الأمور هنا
في نصابها الصحيح، وعلى طبيعتها وليس هناك ما يخل بسير الأسرة وإدارتها.
أما (الحالة الثانية)
والتي يتكافأ فيها الزوجان في مستواهما الثقافي: فهي لا تشكل، أيضاً،
تأثيراً سلبياً على إدارة الأسرة، ولكن لا بدّ للزوجين أن يتفقا على
التخطيط لحياتهما الزوجية، وعلى توزيع الأدوار في إدارة هذه الحياة فيما
يتصل بمسؤولية كل واحد منهما تجاه الآخر، أو تجاه حياتهما المشتركة.
أما (الحالة الثالثة):
فهي التي تعد ذات مردود سلبي على إدارة الحياة الزوجية فيما لو لم يكن
الطرفان متفهمان لطبيعة الحياة الزوجية. فالمشكلة تكمن في أن الرجل يحس
–غالباً- بأن قيادة الأسرة من الوظائف التي أوكلت إليه في برنامج توزيع
الأدوار، والمرأة تحس -بمقتضى تفوق مستواها الثقافي على مستوى الرجل-
بأنها تعي الأمور أكثر منه، إن الأمر ولهذا الحد لا إشكال فيه ولا غبار
عليه فيما لو كان الرجل يتصرف بالمستوى الصحيح ولم ينحرف عن جادة الصواب
عند ممارسته لوظيفته في قيادة الأسرة؛· ولكن المشكلة تكمن في الحالة التي
ينحرف فيها الرجل في قيادته للأسرة· عن جادة الصواب، وأدركت المرأة
-بمقتضى مستواها الذي تفوق فيه الرجل- ذلك الانحراف، ففي هذه الحالة تكون
المرأة بين ناريين:
1- بين أن تسكت عن ذلك
الانحراف عن الجادة الصحيحة، وفي هذا السكوت من الخطورة ما يعود بالضرر
على الأسرة؛ إذ قد يقود ذلك الانحراف الأسرة إلى الهاوية.
2- وبين أن تبدي رأيها في
انحراف الزوج عن الجادة، والذي قد يفهم منه الزوج بأنه إهانة له، فيصر
على ذلك النهج الخاطئ الذي يسير عليه، وعندها يكون الأمر أوخم من الأول،
فعلاوة على أن هذا النهج الخاطئ الذي يسير عليه الزوج ربما يقود الأسرة
إلى الهاوية، ستكون الحياة الزوجية ساحة للجدال والشجار الذي يكون له
مردوده السلبي على الأسرة، والذي ربما يعرضها إلى أزمات أكبر.
فهنا نقول: بأنه لا بدّ
لكل من الزوجين سواءً كان الزوج أم الزوجة أن يتفهم بأن الرأي الصائب في
الإدارة والتخطيط هو الذي يجب أن يخضع له الجميع بصرف النظر عن مصدره
سواءً كان الزوج أو الزوجة، وأن هذا مما لا يخل بشخصية أحدهما قطعاً،
فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها.
كما يجب على الزوجين أن
يدركا بأنهما إنما أسسا هذه· الأسرة· لهدف خدمة المجتمع من خلال إمداده
بالأبناء الصالحين، وأن المسألة ليست مسألة إبراز عضلات وعنف وقوة، بقدر
ما هي مهمة بحاجة إلى عقل راجح بإمكانه أن يؤدي الغرض الذي من أجله أنشئت
الأسرة· وعليه (إذا كان هناك فارق في الوعي بين الزوجين فلا بدّ للطرف
الذي يملك وعياً أكثر من أن يخطط لإدارة العلاقة الزوجية، ومن أن ينطلق
بوعيه لاحتواء فكر الآخر، فيدفعه إلى مشاركته في عملية التخطيط والإدارة).
وعلى الطرف الواعي أن
يحاول استيعاب أخطاء الآخر، وخصوصاً إذا كانت المرأة هي التي تمتلك وعياً
يفوق وعي الرجل، فليس عليها أن تشعره بأنها أوعى منه للأمور فيخدش ذلك
مشاعره مما قد يدفعه إلى المكابرة وتأخذه العزة بالإثم من أن الزوجة
-حسبما يرى- تحاول جرح شعوره فيكون الأمر مدعاة للضرر على سير الحياة
الزوجية.
أما عن تأثير هذه الفوارق
على علاقة الزوجين، فبداية لا بدّ أن نشير إلى أن هذه الفروق قد تكون
بسيطة في البداية بين الرجل والمرأة لحساب المرأة في تفوقها وتميزها في
بعض المجالات. ولكن يشاء الله أن تتقدم المرأة بسرعة وتتفوق لذكائها
وقدراتها الشخصية أو لموهبتها في مجال معين -فتبرز علمياً واجتماعياً
وبالتالي اقتصادياً-، بينما يظل الرجل في موقعه أو يتقدم ببطء حسب قانون
التطور الزمني بينهما، فيشعر هو بضعفه، وتشعر هي بقوتها، وتشعر أيضاً بضعف
زوجها.
وهنا يحدث خلل شديد في
العلاقة... يحدث اضطراب في إحساس الرجل بذاته، إحساسه كرجل، إحساسه
كزوج... يفقد تدريجياً قدرته على السيطرة، وقدرته على التحكم في الأمور
وتسييرها، تختل في يده عجلة القيادة، ويعقب ذلك خلل في مشاعره تجاه زوجته،
تختل صورتها الأنثوية، وبالتالي يتباعدان نفسياً، ويتباعدان عاطفياً،
فالفراش الحقيقي لا يكون إلا لرجل حقيقي وامرأة حقيقية، وقد يفقد هذا
الرجل قدرته الجنسية تماماً تجاه هذه المرأة بالذات، وقد تعمق وتدعم وتعزز
الزوجة هذه الأحاسيس السلبية نتيجة لحالة الزهو والقوة والسلطة والتفوق
والشهرة التي تعيشها في خارج البيت، وقد يبدو زوجها في عينيها ضئيلاً
باهتاً محدوداً، فتتأثر مشاعرها هي نحوه.. تفقد مشاعرها الأنثوية إزاءه،
وتسيء معاملته، فيمتلئ البيت بالهواء السام، فينفصلان، أو يستمران تظلهما
التعاسة والرفض والغضب والعداء الخفي أو الظاهر.. ويحاول الرجل أن ينتقم
من زوجته ويعذبها بشتى الوسائل، وعدوانيته تكون بسبب إحباطاته، وتتعذب هي،
ويتعذب هو أكثر، ويتشتت الأبناء لهذه الصورة الزوجية الأسرية الاجتماعية
المهزوزة، ليتشتت ولاؤهم وليتشتت توجههم ويتشتت إعجابهم. إنها حالة من
الفوضى النفسية، الرجل رافض ولا يستطيع أن يقبل أو يتقبل، وأيضاً لا
يستطيع أن ينهض بنفسه ولا يستطيع أن يفعل شيئاً، والمرأة لا تستطيع أن
تطلب منها أن تتراجع وتتنازل وتتخلى عن إنجازاتها التي حققتها بذكائها
وعلمها وثقافتها وموهبتها.
والخطأ في الموضوع كله
يقوم على هذه النظرة التعارضية التي ينبغي أن تكون نظرة تكاملية، فلقد فضل
الله الرجل في أشياء وفضل المرأة في أشياء أخرى.، وبذلك لا يتعارضان بل
يتكاملان، وبذلك لا يشعر أحدهما بالنقص إزاء الآخر، وبذلك لا يتولى أحدهما
الزهو إزاء الآخر، وإنما يشعر كل منهما بالاحتياج الصحي والطبيعي للآخر،
هكذا فضل الله بعضهم على بعض... إنه التفضيل الذي يجعل أحدهما يحتاج إلى
الآخر ليتكامل معه وليكتمل به... إن كل واحد منهما وحده منفرد غير متكامل،
ومنقوص مهما ملك ومهما اكتسب، ضعيف وحده، محدود وحده، ولا معنى لحياته
وحده، فقط يكتمل ويشعر بالرضا والسعادة إذا التقى بالآخر وتزوج منه وعاش
معه.
وهذه حكمة الخالق - عز
وجل - في التفضيل، وهذا هو معنى الزواج، وهذا هو الهدف من الزواج، الزواج:
هو أن نعيش معاً حياة مستقرة ثابتة مستمرة خالدة· كل منا يكمل الآخر، كل
منا يحتاج لوجود الآخر، كل منا لا يستطيع أن يعيش بدون الآخر، كل منا
يحترم دور الآخر في حياته، ولا بدّ أن يقر في ضمير كل منهما ووجدانه أنه
لا سعادة ولا إشباع ولا رضا ولا طمأنينة ولا استقرار إلا في وجود الآخر،
لا أن يشعر أحدهما أنه متميز على الآخر ولا يشعر أحدهما بالنقص عن الآخر،
وينطبق هذا على الرجل وعلى المرأة اكتمالاً وتكاملاً لا مساواة.
المصادر:
- (من أين جاء الافتراض بحتمية تفوق الزوج على زوجته؟، د/ عادل صادق).
- تبعات التفاوت الثقافي بين الزوجين، حيدر البصري)