رمضان فرصة للتغيير محمد بن عبد الله الهبدان
لماذا رمـضـــان ؟!!
لأن
رمضان فرصة العمر السانحة وموسم البضاعة الرابحة والكِفة الراجحة ولماحباه
الله تعالى من المميزات فهو بحق مدرسة لإعداد الرجال وهو بصدق جامعة
لتخريج الأبطال.
هنا مصنع الأبطال يصنع أمةً *** وينفخ فيها قــــوة الروح والـفــــــــكر
ويخلع عنها كل قيد يعــوقها *** ويعلي منار الحق والصدق والصبر
ولما يسر الله تعالى فيه، من أسباب الخيرات، وفعل الطاعات، فالنفوس فيه مقبلة، والقلوب إليه والهة.
ولأن
رمضان تصفد فيه مردة الشياطين. فلا يصلون إلى ما كانوا يصلون إليه في غير
رمضان، وفي رمضان تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، ولله في كل ليلة
من رمضان عتقاء من النار، وفي رمضان ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر،
فما أعظمها من بشارة، لو تأملناها بوعي وإدراك لوجدتنا مسارعين إلى
الخيرات، متنافسين في القربات، هاجرين للموبقات، تاركين للشهوات.
ورمضان فرصة للتغيير . .
لما حصل فيه من الأحداث التي غيرت مسار التاريخ، وقلبت ظهر المجن، فنقلت
الأمة من مواقع الغبراء، إلى مواكب الجوزاء، ورفعتها من مؤخرة الركب، لتكون
في محل الصدارة والريادة ففي معركة بدر الكبرى التقى جيشان عظيمان، جيش
محمد صلى الله عليه وسلم، وجيش الكفر بقيادة أبي جهل في السنة الثانية من
الهجرة وذلك في اليوم السابع عشر من رمضان، وانتصر فيها جيش الإيمان على
جيش الطغيان، ومن تلك المعركة بدأ نجم الإسلام في صعود، ونجم الكفر في
أفول، وأصبحت العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، يقـــــول الله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران:123].
أبطـال بدر ياجباهاً شـــــــُرعت *** للشمس تحكي وجهها المصقولا
حطـمتم الشرك المصغر خده *** فارتد مشلول الخطى مخـذولا
وفي
السنة الثامنة، وفي شهر رمضان، كان الفتح العظيم الذي أعز الله به دينه
ورسوله وجنده وحزبه الأمين، واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدى للعالمين
من أيدي الكفار والمشركين، وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء، وضربت
أطناب عزه على مناكب الجوزاء، ودخل الناس به في دين الله أفواجا، وأشرق به
وجه الأرض ضياءً وابتهاجا.
وفي سنة ستمائة وثمانيةً وخمسين، فعل
التتار بأهل الشام مقتلة عظيمة، وتشرد من المسلمين من تشرد، وخربت الديار،
فقام الملك المظفر قطز، بتجهيز الجيوش، لقتال التتار، حتى حان اللقاء في
يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان وأمر ألا يقاتلوا حتى تزول الشمس،
وتفيء الظلال، وتهب الرياح، ويدعوا الخطباء والناس في صلاتهم، ثم تقابل
الصفان، واقتتل الجيشان، وحصلت معركة عظيمة، سالت فيها دماء، وتقطعت أشلاء،
ثم صارت الدائرة على القوم الكافرين، وقطع دابر القوم الذين ظلموا، والحمد
لله رب العالمين.
كل هذه الأسباب جعلتنا نوقن بأن رمضان فرصة سانحة وغنيمة جاهزة، لمن أراد التغيير في حياته.
فالأسباب مهيأة، والأبواب مشرعة وما بقي إلا العزيمة الصادقة، والصحبة الصالحة، والإستعانة بالله في أن يوفقك للخير والهداية.
رمضانُ أقبل قم بنا يا صاح *** هذا أوان تبتل وصـــلاح
واغنم ثواب صيامه وقيامه *** تسعد بخير دائم وفلاح
رمضان فرصة الجميع للتغيير
فرمضان فرصة للتغيير .. ليصبح العبد من المتقين الأخيار، ومن الصالحين الأبرار. يقول الله تعالى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ
عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] فقوله: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
تعليل لفرضية الصيام، ببيان فائدته الكبرى، وحكمته العظمى. وهي تقوى الله
والتي سأل أميرُ المؤمنين عمرُ رضي الله عنه الصحابيَ الجليل، أبيَ بن كعب
رضي الله عنه عن معنى التقوى ومفهومها ؟ فقال يا أمير المؤمنين: أما سلكت طريقا ذا شوك ؟ قال: بلى .. قال: فما صنعت ؟ قال: شمرتُ واجتهدت .. أي اجتهدتُ في توقي الشوك والإبتعاد عنه، قال أبي: فذلك التقوى.
إذن فالتقوى:
حساسيةٌ في الضمير، وشفافيةٌ في الشعور، وخشيةٌ مستمرة، وحذرٌ دائم، وتوق
لأشواكِ الطريق، طريقِ الحياة الذي تتجاذبُه أشواكُ الرغائبِ والشهوات،
وأشواكُ المخاوفِ والهواجس، وأشواكُ الفتنِ والموبقات، وأشواكُ الرجاءِ
الكاذب فيمن لا يملكُ إجابةَ الرجاء، وأشواكُ الخوف الكاذب ممن لا يملكُ
نفعاً ولا ضراً، وعشراتٌ غيرُها من الأشواك ..
خـــــل الـذنوب صغــــــــــيرها وكبيرها ذاك الـتقى
واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تـحـقـرن صـغيرةً إن الجبـــــــالَ من الحـــــــــــصى
هذا هو مفهوم التقوى .. فإذا لم تتضح لك بعد .. فاسمع إلى علي رضي الله عنه وهو يعبر عن التقوى بقوله:" هي الخوفُ من الجليل، والعملُ بالتنزيلُ، والقناعةُ بالقليل، والإستعدادُ ليوم الرحيل ". هذه حقيقة التقوى، وهذا مفهومها .
فأين
نحن من هذه المعاني المشرقةِ المضيئة ؟ .. لقد كان المجتمعُ الإسلاميُ
الأول مضربَ المثل في نزاهتهِ، وعظمةِ أخلاقه، وتسابقِ أفرادهِ إلى مرضاةِ
ربهمِ جل جلاله، وتقدست أسماؤه، وكانت التقوى سمةً بارزة في محيا ذلكِ
الجيلِ العظيم الذي سادَ الدنيا بشجاعتهِ وجهاده، وسارت بأخلاقهِ وفضائلهِ
الركبان مشرقاً ومغرباً، فقد كان إمام المتقين عليه الصلاة والسلام قمةً في
تقواه وورعهِ، وشدةِ خوفهِ من ربهِ العظيمِ الجليل، فكان يقومُ الليل يصلي
ويتهجد حتى تفطرتْ قدماه الشريفتان، وكان يُسمعُ لصدره أزيزٌ كأزيزِ
المرجل من النشيجِ والبكاء، وهو الذي غُفر له ذنبه ما تقدم وما تأخر.
وأما صاحبهُ المبجل، وخليفته العظيم أبو بكر الصديق رضي الله عنه فكان يقول: "
يا ليتني كنت شجرةً تعضدُ ثم تؤكل !!" وكان له خادمٌ يأتيه بالطعام، وكان
من عادةِ الصديق أن يسأله في كل مرة عن مصدرِ الطعام، تحرزاً من الحرام !!
فجاءه خادمُه مرةً بطعامه، فنسي أن يسألَه كعادته فلما أكلَ منه لقمة قال له خادمُه: لمَ لم تسألني - يا خليفةَ رسولِ الله - كسؤالكِ في كلِ مرة ؟ قال أبو بكر: فمن أين الطعامُ يا غلام ؟ قال:
دفعه إليَّ أناسٌ كنتُ أحسنتُ إليهم في الجاهلية بكهانةٍ صنعتُها لهم،
وهنا ارتعدتْ فرائصُ الصديق، وأدخلَ يده في فمــه، وقاء كلَّ ما في بطنهِ وقال: واللهِ
لو لم تخرجْ تلك اللقمة إلا مع نفسي لأخرجتها، كل ذلك من شدةِ خوفه وتقواه
وتورعهِ عن الحرام، وأما خوفُ عمر رضي الله عنه وشدةِ تقواه فعجبٌ من
العجب، سمع قارئاً يقرأُ قولَه تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً} [الطور:13] فمرض ثلاثاً يعـودهُ الناس. بل إنه قرأ مرةً قولَه تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات:24] فمرض شهراً يعودُه الناسُ مريضاً، وأما عليٌ رضي الله عنه فكان يقبض لحيته في ظلمة الليل ويقول:
" يا دنيا غُري غيري أليَّ تزينتِ أم إليَّ تشوقتِ طلقتك ثلاثاً لا رجعةَ
فيهن زادُك قليل وعمرُك قصير "، وخرج ابن مسعود مرة في جماعة فقال: لهم ألكم حاجة ؟! قالوا: لا ، ولكن حبُ المسيرِ معك !! قال: اذهبوا فإنه ذلٌ للتابع، وفتنةٌ للمتبوع.
دعنا
من الخلفاء الراشدين المكرمين، ولنتجاوز الزمن سنين عدداً، فهاهو هارون
الرشيد الخليفةُ العباسيُ العظيم الذي أذلَّ القياصرة وكسرَ الأكاسرة والذي
بلغت مملكته أقاصي البلاد شرقاً وغرباً يخرج يوما في موكبهِ وأبهته فيقول له يهودي:يا
أمير المؤمنين : اتق الله !! فينـزل هارونُ من مركبه ويسجدُ على الأرض
للهِ ربِ العالمين في تواضعٍ وخشوع، ثم يأمرُ باليهودي ويقضي له حاجته ،
فلما قيل له في ذلك !! قال: لما سمعت مقولتَه تذكـرتُ قولَه تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}
[البقرة:206] فخشيت أن أكون ذلك الرجل، وكم من الناس اليوم من إذا قيل له
اتق الله احــمرتْ عيناه، وانتفختْ أوداجه، غضباً وغروراً بشأنه، قال ابن مسعود رضي الله عنه: " كفى بالمرء إثماً أن يقال له: اتق الله فيقول:عليك نفسَك !! مثلكُ ينصحنُي !! ".
إذن
فيوم عُمرت قلوبُ السلفِ بالتقوى، جمعهم اللهُ بعد فرقة، وأعزهم بعد ذلة،
وفُتحت لهم البلاد ومُصرت لهم الأمصار كل ذلك تحقيقا لـموعودِ الله تعالى: {وَلَوْ
أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ
بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ
بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [الأعراف:96]. فليكن هذا الشهر بداية للباس التقوى، ولباس التقوى خير لباس لو كانوا يعلمون {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ } [القمر:54-55].
إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى *** تجرد عريانا وإن كان كاسيا
وخير خصال المـرء طـاعة ربه *** ولا خير فيمن كان لله عاصيا
ورمضان فرصة للتغيير ..
لمن كان مفرطاً في صلاته، فلا يصليها مطلقاً، أو يؤخرها عن وقتها، أو
يتخلف عن أدائها جماعة في المسجد. ليعلم المتهاون في صلاته، أنه يرتكب خطأً
قاتلاً، وتصرفاً مهلكاً، يتوقف عليه مصيره كله، و إن لم يتدارك نفسه، فهو
آيل لا محالة إلى نهاية بائسة، وليل مظلم، وعذاب مخيف، جاء في الحديث عن
سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤيا قال: «أما الذي يثلغ رأسه بالحجر فإنه يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة» [رواه البخاري (1143)].
إن
التهاون بأمر الصلاة والإستخفاف بها، خطأ فادح بكل المقاييس، وجناية مخزية
بكل المعايير. لا ينفع معها ندم ولا اعتذار عند الوقوف بين يدي الواحد
القهار، إني أدعوك بكل شفقة وإخلاص، أدعوك والألم يعتصر قلبي خوفاً عليك
ورأفة بك، أدعوك في مثل هذا الشهر المبارك إلى إعادة النظر في واقعك،
ومُجريات حياتك، أدعوك إلى مراجعة نفسك، وتأمل أوضاعك قبل فوات الأوان، إني
أنصحك ألا تخدعك المظاهر، ولا يغرك ما أنت فيه، من الصحة والعافية والشباب
والقوة، فما هي إلا سراب بقيعة، يحسبه الظمآن ماءً، أو كبرق خُلب، سرعان
ما يتلاشى، و ينطفئ ويزول، فالصحة سيعقبها السقم، والشباب يلاحقه الهرم،
والقوة آيلة إلى الضعف، ولكن أكثر الناس لا يتفكرون .
أخي الكريم:
إن أصحابك الذين غروك بالتهاون بشأن الصلاة، وزينوا لك إضاعتها، إنهم لن
يذرفوا عليك سوى دموع التماسيح، يعودون بعدها، إلى مزاميرهم وطربهم وأنسهم،
غير مكترثين بك، ولا بألف من أمثالك، إنهم أنانيو الطباع، ميتو الإحساس،
لا همّ لهم إلا أنفسهم وملذاتهم، ولو فقدوا الآباء والأمهات، فضلاً عن
الأصحاب والخِلان، فاستيقظ يا هذا من غفلتك، وتنبه من نومتك، فالحياة قصيرة
وإن طالت، والفرحة ذاهبة وإن دامت، واجعل من رمضان فرصة للمحافظة على هذه
الصلاة العظيمة، فقد وفقك الله للصلاة مع الجماعة، وإلف المساجد، وعمارتها
بالذكر والتسبيح، فاستعن بالله، واعزم من الآن أن يكون هذا الشهر المبارك
بداية للمحافظة على الصلاة، والتبكير إليها يقول الله تعالى في وصــف
المؤمنين: {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج: 24]. ويقول سبحانه : {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} [المعارج:34-35].
ورمضان فرصة للتغيير ..
لمن ابتلاه الله تعالى بتعاطي الحرام، من خـمر ومخدرات، أو دخان و مسكرات،
أن لا يفعل بعد إفطاره ما يخل بهذه العزيمة القوية، أو يوهنها، أو يقلل من
شأنها، تلك العزيمة التي جعلته يمسك طوال ساعات النهار، فيهدم في ليله ما
بناه في نهاره من قوة الإرادة التي صبر بسببها عن محبوباته ومألوفاته. فما
أحزمه لو استغل شهر الصيام كمدرسة يتدرب بها على هجر ما يكرهه هو، أو يكرهه
الشارع، من مألوفاته التي اعتاد أكلها، أو شربها، أو مقاربتها. تالله ما
أحزمه لو واصل هذه الحمية عن ذلك بالليل، كما عملها في النهار.
أخي الصائم:
إني أشجع فيك إيمانك العظيم، ويقينك بالله تعالى. فمن الذي جعلك تمتنع عن
تعاطي هذه السموم في وقت الصيام إلا خوفك من الجبار، ومراقبتك للواحد
القهار.
وإلا فمَنْ مِنَ الناس يعلم أنك صائم أو لا ؟!! ولكن شعورك بنظر الله إليك، ومراقبته لك، صرفك عن تعاطي الحرام في وقت الصيام.
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل *** خلــوت ولكن قل عليّ رقيب
وإني
أتساءل بصدق . . الإرادة التي استطاعت أن تصوم لأكثر من اثنتي عشرة ساعة،
أتعجز عن مواصلة مسيرتها الإصلاحية ؟!! والعزيمة التي صمدت عن تعاطي هذا
البلاء، لهذه الفترة الطويلة أثناء النهار . . أتنهار في آخر لحظات
الإسفار، وإرخاء الليل الستار ؟!!
أين الهمة التي لا تقف أمامها
الجبال الشامخات ؟ وأين العزيمة التي لا تصدها العاتيات !! استعن بالله
تعالى على ترك هذا البلاء، فالنصر صبر ساعة، والفرج قريب، وإن الله مع
الصابرين.
ورمضان فرصة للتغيير .. لمن
كان مقصرًا في نوافل العبادات، فلم يجعل له منها نصيباً، ولم يأخذ لنفسه
قسماً مفروضاً، فيغير من حاله، ويبدل من شأنه، ففي رمضان تتهيأ النفوس،
وتقبل القلوب، وتخشع الأفئدة، فينتهز هذه الفرصة، فيحافظ على شيء منها، فهي
مكملة لفرائضه، متممة لها، قال صلى الله عليه وسلم: «إن
أول ما يحاسب به العبد المسلم يوم القيامة الصلاة المكتوبة فإن أتمها وإلا
قيل انظروا هل له من تطوع فإن كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوعه ثم يفعل
بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك» [رواه ابن ماجه (1425)] .
وأقل
الوتر ركعة، وأقل الضحى ركعتان، وعدد السنن الرواتب ثنتا عشرة ركعة،
ركعتان قبل الفجر، وأربع ركعات قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد
المغرب، وركعتان بعد العشاء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة أو إلا بني له بيت في الجنة» [رواه مسلم]، ويقول صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» [رواه مسلم].
ولماذا
لا تجعل من رمضان فرصة، لأن يكون لك أيام تصومها لله رب العالمين فمن صام
يوماً في سبيل الله باعد الله بينه وبين النار سبعين خريفاً، فهذه ستة من
شوال، ويوم عاشوراء، وعرفة، وصوم الإثنين والخميس، وصيام ثلاثة أيام من كل
شهر. فلا تحرم نفسك الدخول من باب الريان، عندما ينعم عليهم المنان بدخول
الجنان . . فبادر شبابك قبل هرمك . . وصحتك قبل سقمك . . وحياتك قبل موتك .
. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» [رواه البخاري].
ورمضان فرصة للتغيير ..
لمن هجر القرآن قراءة وتدبراً، وحفظاً وعملاً حتى أصبح القرآن نسياً
منسياً، أن يكون هذا الشهر بداية للتغيير، فترتب لنفسك جزءاً من القرآن، لا
تنفك عنه بأي حال من الأحوال، ولو كان هذا الجزء يسيراً، فأحب الأعمال إلى
الله أدومها وإن قل، وقليل دائم، خير من كثير منقطع، ولا تنس الفضل الجزيل
لمن قرأ كلام الله الجليل يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف » [رواه الترمذي (2910)]، وقال هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
والقرآن يشفع لك يوم القيامة يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «الصيام
والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربي إني منعته الطعام
والشهوة، فشفعني فيه، ويقول القرآن: رب منعته النوم بالليل، فشفعني فيه،
قال: فيشفعان» [رواه أحمد]. قال الألباني ـ رحمه الله ـ : " أي يشفعهما الله فيه ويدخله الجنة ".
ولقد أدرك سلفنا الصالح عظمة هذا القرآن، فعاشوا معه ليلاً ونهاراً . . قال وهيب بن الورد : قيل لرجل: ألا تنام ؟ قال : إن عجائب القـرآن أطرن نومي، وقال أحمد بن الحواري:"
إني لأقرأ القرآن، وانظر في آية، فيحير عقلي بها، وأعجب من حفاظ القرآن،
كيف يهنئهم النوم، ويسعهم أن يشتغلوا بشيء من الدنيا وهم يتلون كلام الله،
أما إنهم لو فهموا ما يتلون، وعرفوا حقه، وتلذذوا به، واستحلوا المناجاة
به، لذهب عنهم النوم فرحاً بما رزقوا ".
ومن المفارقة العجيبة، أن
يدرك أعداؤنا من عظمة هذا القرآن، ما لا ندركه، وأن يعملوا جاهدين على طمس
معالمه، ومحو آثاره في العباد والبلاد، لخوفهم الشديد من عودة الأمة إلى
هذا القرآن الذي يؤثر في النفوس، ويحييها، ويبعث فيها العزة والكرامة. يقول غلادستون :
" مادام هذا القرآن موجودا في أيدي المسلمين، فلن تستطيع أوروبة السيطرة
على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان، وكان نشيد جيوش الإستعمار، كان
نشيدهم :أنا ذاهب لسحق الأمة الملعونة، لأحارب الديانة الإسلامية، ولأمحو
القرآن بكل قوتي ".
فما موقفك أنت يا رعاك الله ؟ أدع الإجابة لك، وأسأل الله أن يوفقك للخير وفعله .
ورمضان فرصة للتغيير .. للمرأة
المسلمة التي أصبح حجابها مهلهلاً، وعباءتها مطرزة، وثيابها فاتنة، وعطرها
يفوح و في كل يوم إلى الأسواق تروح . . قال صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة استعطرت فمرت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية»