رمضان يصرخ في وجوه البعض : قف لا تبذّر باسم رمضان
رمضان يصرخ في وجوه البعض : قف لا تبذّر باسم رمضان
أمين سليمان الستيتي
أقبلت رايات هذا
الشهر الكريم، تلوح في أفق الأيام، وبدت الأسواق تزداد ازدحاماً والمتاجر
تزداد بصنوف الأطعمة والأشربة، التي لا نرى كثيراً منها في غير رمضان!!
وكأن شهوات الناس تنام.. تموت.. إلا في رمضان!!
أحد عشر شهراً مرّت، منذ
أن ودعنا رمضان الماضي، والحياة تسير رتيبة، لا يكاد يظهر فيها أمر يغير
سليقتها الغذائية: الفطور، الغذاء، العشاء، كلها وجبات ثابتة؛ إلا إن
طرأ ما يلغي إحداها، أو يؤخر وقتها، والليل ظل هو الليل، ينام فيه
المسلمون، غالبيتهم؛ لينالوا حظاً من الراحة، يعينهم على عباداتهم،
وأعمالهم الصالحة – إن شاء الله -.
لم تتغير نفقات الناس،
سوى زيادات، أو بعض نقص مألوف، والوجبات ثلاث، أو اثنتين، في أيام صيام
النفل، والأسرة هي الأسرة، والبيت هو البيت، والدخل الشهري كذلك ثابت لم
يتغير! لكنَّ ربة البيت المطمئنة النشيطة التي بذلت من روحها، ونفسها
الطيبة، كل تلك الأيام، وكانت شمعة تذوي لتضيء لأولادها وبعلها طريق
الحياة بقنديل الحب والوداد، وما طلبت مقابل ذلك إلا الحب والوفاء، والبر
الإسلامي المعروف، المألوف.
ما حدّثت نفسها طوال تلك
الشهور كلها أن تطلب ما يزيد أعباء هذا الزوج الشقي برضاه ليوفر لهم
جميعاً لقمة عزيزة طيبة هنيئة، ولا أن تكلفه فوق طاقته، لكنها منذ أن دخل
(شعبان) من أوسع أبواب السنة، وآذن الناس بسرعة عبوره جسر الحياة، فهو
(القصير) عبرت تلك الأم بسهام عيونها، و... فمها إلى ذلك الرجل الذي
يظلهم بمظلة الحنان، والرعاية والحزم والتدبير قاصداً بهم دار الستر
وشاطئ الأمان؛ لتقول له بعيون طالما أحبّ النظر إليها وهي مجهدة من عناء
يوم كامل من الرعاية، والدأب على الأولاد، والبيت، لكن تلك العيون اليوم:
تقول غير الذي كانت تقول!!... أين أطعمة رمضان؟ وأين أشربة رمضان؟ وأين
حلويات رمضان؟!.
وتلفتت النظرات منه قبل
الكلمات، وكأنها تعانيها بصمت الشفاه: أو َقضينا أحد عشر شهراً دون أطعمة
وأشربة، وحلويات؟!.. ما الذي تفكرين به؟ ألا تعلمين قدراتنا المادية
والتي نقسهما على حاجاتنا فنكون وإياها رأساً برأس؟ كل هذا والفم مطبق على
ما في القلب من الكلمات المتلهبة، وصاحبه يخشى أن يطلقها فتلهب جو الحب،
وتخدش مهجع الوداد، الذي طالما حدب على بنائه، كعش الوَرْوَرْ المزين،
فوق غصن رطيب.
لم تمهله كثيراً، بل
أرسلت إلى أذنه نغمات ما تعودها!! ولا ألِف حدتها!! ولا صرامتها!! لكنها
ما أخرجته عن هدوئه الحازم؛ بل ناداها، وبكنيتها؛ ليؤكد لها رباط الأسرة
الذي لا تفصم عراه! مصروفات رمضان المتكلفة، والأمل يترقرق بين حروف
ندائه: يا أم.. رمضان شهر العبادات، لا شهر الشهوات! رمضان يريحك من عناء
تحضير وجبة كاملة، هي الغذاء، ويقوم السحور مقام الفطور، والإفطار مقام
العشاء، وبما أن الوجبات قد نقصت تلك الوجبة ينبغي أن توفر الأسر المسلمة
الحقة ثلث المصروف المعتاد!
صاحت عيناها قبل شفتيها!
بل شفتاها قبل عينيها!! لم يعد يدري!! الحلويات.. والعصيرات، والوجبات
الرمضانية،... معاً صارا يرددان تلك الكلمات ثم يسود الهدوء، ليقول: يا
حظ الباعة، والتجار!! يأخذون المكسب، والناس يلقون كثيراً مما تقولين حيث
تعلمين! ولو حسبنا ما يُتلف في رمضان من المواد الغذائية غير الضرورية
لوجدناه يكفي أمة من المسلمين الجائعين في تلك الأصقاع الفقيرة! أليس هذا
تبذير سيُسأل الناس عنه؟ ألم يقرأ الناس قول الباري: (إن المبذرين كانوا
إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا).
ألم تسمعي أيتها الأسرة
المسلمة صوت رمضان وهو يصيح: شهر العبادات، وشهر التسامح، وشهر صلة
الأرحام، وشهر القرآن و... فلا تغير العبادات بالشهوات، والقرآن إلى
نشاطات لا يربطها بالقرآن رابط، والتسامح إلى خصومات، وصلة الأرحام إلى
قطع ما أمر الله به أن يوصل!
أسأل الله أن يهدي نساء
المسلمين ورجالهم، وأن يحققوا في هذا الضيف المقبل حكمة الصلاح، ويركزوا
على العبادات أكثر من تركيزهم على الشهوات، وأن يتقبل الله – سبحانه- من
جميع المسلمين طاعاتهم، ويجزيهم خير الجزاء، إنه على ذلك قدير