تعلمت فى رمضان (((2)))
مشعل عبد العزيز الفلاحى
تعلمت في رمضان (2)
تعظيم شعائر الله تعالى
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على
أشرف الأنبياء والمرسلين.
وبعدُ:
فإنَّ تعظيم شعائر الله تعالى في حياة كلِّ إنسان
أثرٌ من آثار التقوى في قلبه، وهي بعض ما تعلمه هذه المدرسة الكبرى في حياة كل إنسان.
إنَّ الأصل في شرعيَّة رمضان كله هو هذه الحقيقة
"التقوى"؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].
فلأجْل التقوى شُرِع صيام هذا الشهر،
وحين تجد صائمًا لَم تَعمر قلبَه التقوى،
ولَم يجد لها أثرًا في حياته، ولَم تتربَّ نفسه
على تعظيم شعائر الله تعالى وحُرماته، تُدرك
حينها أنه لَم يكن له نصيبٌ من آثار هذه المدرسة،
ولَم يُوَفَّق للنجاح فيها، ولَم يجد أثرًا حقيقيًّا لتَعبه وجُهده
في رحلته كلها، ويكفي ذلك خسارة وضياعًا في حياة الإنسان.
إن رمضان جاء يهذِّب النفوس، ويُرتِّبها،
ويُعيد بناءها وترتيبها من جديد، وهذا أعظم
درسٍ يتعلَّمه الإنسان في رمضان.
إن حياة الإنسان خلال عام كاملٍ يُصيبها
من الوهن والضَّعف، وتعتريها الأمراض، وتكدُّها
ب كل رحلة من النقص والضَّعف، ومهمة هذه المدرسة
أن تُعيد بناء هذه النفوس من جديد، وتحاول جاهِدة خلال
ثلاثين يومًا أن تُعيد البريق الذاهب من حياة الإنسان.
المعاصي، فتَذهب ببعض معانيها، ويَشوبها ما يشو
وعلينا أن نُدرك أنَّ هذا البناء "تحقيق التقوى" في
حياة كل إنسان، لن يتعلَّمه الإنسان في هذه الفترة؛
حتى يكون مثالاً للعبودية الحَقَّة أمام كلِّ أمرٍ ونهي في
شريعة الله تعالى، وما لَم يُعانق هذه الحقيقة ويَقف على
النجاح فيها مرارًا خلال مدة هذه المدرسة، لن يَظفر بالحياة
التي يُطلبها والمعاني التي يَركض في سبيل تحصيلها، ويكفي
دليلاً على ذلك قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((من لَم يَدَع قولَ الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يَدَع طعامه وشرابه)).
إنَّ هذه المدرسة لا تُعلِّم في فصولها - ومن خلال
مناهجها - تحصيل التقوى، من خلال الجوع والعطش،
وإنما تُعلِّمه من خلال تعظيم شعائر الله تعالى، والوقوف
عند حدوده، وإجلال أمْر الله تعالى ونَهْيه، وتَرْك الطعام
والشراب بعض ذلك وليس كله؛ ((مَن لَم يَدَع قول الزور والعمل به،
فليس لله حاجة في أن يدَع طعامه وشرابه)).
وهذه حقيقة تَغيب عن كثيرٍ من الصائمين، وتفوت على
مفاهيم كثيرٍ من العباد، ويعتقدون حين تُمسي بطونهم خماصًا،
أنهم نالوا كلَّ شيء، وقد تكون النتيجة بخلاف ما يعتقدون.
إنَّ شهر رمضان جاء ليُعيد بناء النفوس، ولَم يأتِ لتشويهها،
وحَصْر غاية الصيام في ترْك الطعام والشراب فحسب، تشويهٌ
لصورة الإنسان، وعناية بجسده على حساب قلبه ورُوحه، ومسألة
بناء النفوس وإعادة ترتيبها وبنائها من جديد مسألة ضخمة من
حقِّها لعَظَمتها أن تأخذ شهرًا كاملاً، تتعلَّم فيه إعادة بناء الإنسان كإنسان.
إن علينا أن نُدرك أنه حين يتحقَّق في حياة كلِّ إنسان إجلال
شعائر الله تعالى والقيام بحقِّه، والوقوف عند حدوده، فتلك ا
للحظة هي اللحظة التي من حقِّ ذلك الإنسان أن يأخُذ
شهادة بتخرُّجه ناجحًا متميِّزًا من تلك المدرسة، وحين يَلتفت
الإنسان إلى حياته كلها، فيجد ضَعفًا في نفسه أمام شعائر الله
نه من جملة الراسبين الذين لَم يكن لهم شرفُ النجاح في نهاية فصول هذه المدرسة.
تعالى وحدوده؛ سواء كانت أوامرَ أو نواهيَ، فليَعلم يقينًا تلك اللحظة أ
إنني لست متقوِّلاً على شرْع الله تعالى، لكنني
لا أفهم سوى ذلك من قول نبي الله - صلَّى الله عليه
وسلَّم -: ((مَن لَم يدَع قول الزور والعمل به، فليس
لله حاجة في أن يدَع طعامه وشرابه))، والله المسؤول أن
يتجاوَز وأن يغفرَ لكلِّ مُذنبٍ؛ إنه وَلِيُّ ذلك والقادر عليه.