كيف تكسب ليلة القدر؟ د. لطيفة بنت عبد الله الجلعود
- ثم بادر بالذهاب إلى المسجد قبل الأذان، لتصلي
سنة دخول المسجد، ولتتهيأ بانقطاعك عن الدنيا ومشاغلها علك تخشع في صلاتك، ثم
إذا أذن ردد معه وقل أذكار الأذان ثم صل النافلة، ثم اذكر الله حتى تقام
الصلاة، أو اقرأ في المصحف، واعلم أنك ما دمت في انتظار الصلاة فأنت في صلاة
كما روى ذلك أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-
قال:"إن أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، والملائكة تقول اللهم اغفر له
وارحمه، ما لم يقم من صلاته أو يحدث"(15).
- ثم إذا أقيمت الصلاة صل بخشوع، فكلما قرأ
الإمام آية استشعر قراءته، وكن مع كلام ربك حتى ينصرف الإمام.
- ثم عد إلى بيتك، ولا يكن هذا هو آخر العهد
بالعبادة حتى صلاة القيام، بل ليكن في بيتك أوفر الحظ والنصيب من العبادة سواء
بالصلاة أو بغيرها.
- ولا تنس -قبل خروجك من المسجد- أن تضع صدقة هذه
الليلة، وإذا كان يصعب عليك إخراج صدقة كل ليلة من هذه الليالي فمن الممكن أن
تعطي كل صدقتك قبل رمضان أو قبل العشر الأواخر جهة خيرية توكلها بإخراج جزء
منها كل ليلة من ليالي العشر.
- ولا تنس وأنت في طريقك من وإلى المسجد أن يكون
لسانك رطباً من ذكر الله، ولا تنس سيد الاستغفار هذه الليلة:"اللهم أنت ربي لا
إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر
ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا
أنت. قال صلى الله عليه وسلم:"من قاله فمات من يومه أو ليلته دخل الجنة"(16)،
وما بين تهليل وتسبيح وتحميد وتكبير وحوقلة؛ لما رواه أبو سعيد الخدري أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال:" استكثروا من الباقيات الصالحات، قيل وما هن يا
رسول الله؟ قال: التكبير والتهليل والتسبيح والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا
بالله"(17)وما بين صلاة على رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- ثم الدعاء بخيري
الدنيا والآخرة، فإذا دخلت بيتك تلمَّس حاجة من هم في البيت، سواء والداك أو
زوجتك أو إخوانك أو أطفالك، فقم بخدمة الجميع بانشراح الصدر واحتساب واستغل
القيام بحوائجهم بقراءة القرآن عن ظهر قلب، فقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن في
الأجر، كما روى أبو الدرداء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"أيعجز
أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟ قال:"وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال: قل هو الله
أحد ثلث القرآن"(18). فإذا قرأتها ثلاث مرات حصلت على أجر قراءة القرآن كاملاً،
ولكن ليس معنى هذا هجر القرآن، ولكن هذا له أوقات وهذا له أوقات، وقل يا أيها
الكافرون تعدل ربع القرآن في الأجر(19)، وآية الكرسي أعظم آية في كتاب الله،
أخرجه سعيد بن منصور في سننه، كما قاله عبد الله موقوفاً، ثم قل:" لا إله إلا
الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" مئة مرة؛ ليكون
لك عدل عشر رقاب، ولتكتب لك مئة حسنة، وتمحى عنك مئة سيئة، ولتكن حرزاً لك من
الشيطان حتى تصبح ولم يأت بأفضل مما جئت به إلا أحد عمل أكثر من ذلك، واحرص على
كل ما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- من الأذكار ذات الأجور العظيمة، كما قال
صلى الله عليه وسلم لعمه:"ألا أدلك على ما هو أكثر من ذكرك الله الليل مع
النهار تقول: الحمد لله عدد ما خلق، الحمد لله ملء ما خلق، الحمد لله عدد ما في
السموات والأرض، الحمد لله عدد ما أحصى كتابه، الحمد لله ملء ما أحصى كتابه،
الحمد لله عدد كل شيء والحمد لله ملء كل شيء وتسبح مثلهن، ثم قال: تعلمهن
وعلمهن عقبك من بعدك"(20) وقال صلى الله عليه وسلم:"من قال سبحان الله وبحمده
مئة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر"(21)وعن أبي هريرة –رضي الله عنه-
قال -صلى الله عليه وسلم-: "من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مئة
مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد
عليه"(22)وفي بعض الروايات "سبحان الله العظيم وبحمده مئة مرة" (23)وكلما ذُكرت
الكفارة أو الغفران – غفران الذنوب- وحط الخطايا، فالمقصود بها الصغائر، أما
الكبائر فلا بد من التوبة، أما إن كانت هذه الكبيرة متعلقة بحقوق الآدميين فلا
بد من الاستحلال مع التوبة أو المقاصة يوم القيامة؛ لما رواه أبو هريرة -رضي
الله تعالى عنه-:"من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم
قبل ألا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم
يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه"(24)ولا يغرك في الغيبة ما يردده
البعض أن كفارة من اغتبته أن تستغفر له، فهذا حديث أقل أحواله أنه شديد الضعف،
وهو يعارض الحديث السابق الصحيح، ومن أعظم حقوق الآدميين: الغيبة والنميمة
والسخرية، والاستهزاء والسب، والشتم وشهادة الزور، قال صلى الله عليه
وسلم:"الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا
اجتنبت الكبائر" (25).
فإذا فرغت من خدمة الجميع والأعمال البدنية، ليكن لك جلسة مع كتاب ربك فتقرأه،
وليكن لك قراءتان في شهر رمضان إحداهما سريعة "الحدر" والأخرى بتأمل مع التفسير
إذا أشكل عليك آية، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه:"لأن أقرأ سورة أرتلها أحب
إلي من أن أقرأ القرآن كله.
فإذا أنهك جسدك فألقه على السرير وأنت تذكر ربك بالتهليل والتسبيح والتحميد
والحوقلة والتكبير والاستغفار والصلاة والسلام على رسولنا الكريم صلى الله عليه
وسلم.
- فإن نمت فأنت مأجور -بإذن الله- ثم استيقظ لصلاة قيام الليل في المسجد، وليكن
لك ساعة خلوة مع ربك ساعة السحر فتفكر في عظمة خالقك، ونعمه التي لا تحصى عليك
مهما كنت فيه من حال أو شدة فأنت أحسن حالاً ممن هو أشد منك كما قال صلى الله
عليه وسلم:"انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلا من هو فوقكم، فهو أجدر
أن لا تزدروا نعمة الله"(26).
- وتذكر هادم اللذات علها تدمع عينك فتكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله
يوم لا ظل إلا ظله كما قال صلى الله عليه وسلم:"ورجل ذكر الله خالياً ففاضت
عيناه.." (27).
- وتذكر ما رواه جابر بن سمرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"أتاني
جبريل، فقال: يا محمد من أدرك شهر رمضان فمات فلم يغفر له فأدخل النار فأبعده
الله، قل آمين. فقلت: آمين..." (28) الحديث. فهذه العشر هي والله الغنيمة
الباردة، وفي هذا الشهر فرص ومواسم من لم يستغلها تذهب ولا ترجع..
- أخيراً وقبيل الفجر لا بد من السحور ولو بماء، مع احتساب العمل بالسنة؛ لما
رواه أنس رضي الله تعالى عنه، قال: قال صلى الله عليه وسلم:"تسحروا فإن في
السحور بركة"(29) ثم تسوك وتوضأ واستعد لصلاة الفجر وأنت إما في ذكر أو دعاء أو
قراءة قرآن.
- ولا بد من التنبيه على بعض الأخطاء، ومنها:
1- أن البعض قد يشيع في ليلة 23 أو 25 أن فلاناً رأى رؤياً، وأن تعبيرها أن
ليلة القدر مثلاً ليلة 21 أو 23. فماذا يفعل البطالون؟ يتوقفون عن العمل باقي
ليالي العشر، حتى أن البعض قد يكون في مكة فيعود، لماذا؟ انقضت ليلة القدر في
نظره. وفي هذا من الأخطاء ما فيها، ومنها: أن هذا قد يكون حلماً وليس رؤياً. أن
المعبر حتى وإن عبرها بأنها ليلة 21 أو 23 أو غيرها ليس بشرط أن يكون أصاب،
فهذا أبو بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- عبر رؤيا عند رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فقال له: أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً"(30) فإذا كان أبو بكر وهو خير
الخلق بعد الأنبياء يصيب ويخطئ، فما بالك بغيره. والذي يظهر لي أن هذا من تلبيس
إبليس، ليصد المؤمنين عن العمل باقي ليالي العشر. والله أعلم.
وأخيراً.. الأيام معدودة، والعمر قصير، ولا تعلم متى يأتيك الأجل، ولا تدري
لعلك لا تبلغ رمضان، وإن بلغته لعلك لا تكمله، وإن أكملته لعله يكون آخر رمضان
في حياتنا.
فهذا يخرج من بيته سليماً معافى فينعى إلى أهله، وهذا يلبس ملابسه ولا يدري هل
سينزعها أم ستنزع منه؟
لذلك كله علينا أن نستحضر هذه النعمة العظيمة أن بلغنا رمضان ووفقنا لصيامه
وقيامه وصالح الأعمال، فكم من شخص مات قبل أن يبلغه، وكم من مريض مر عليه رمضان
كغيره من الشهور، وكم من عاص لله ضال عن الطريق المستقيم ما ازداد في رمضان إلا
بعداً وخساراً، وأنت يوفقك الله للصيام والقيام، فاحمد الله على هذه النعمة
الجليلة، واستغلها أيما استغلال.