تربية الأهل والأولاد على الخير من حمد الله
الحمد لله الحكم العدل اللطيف الخبير، أحمده سبحانه وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الخلق والأمر والتدبير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أكرم رسول وخير بشير، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
عباد الله:
اتقوا الله تعالى، ولا تغفلوا عن ذكر الله وعن ما استرعاكم الله من الأهل والأولاد، فإن من الناس من تاهوا في غمرة مشاغل الحياة والوظيفة والارتباطات فنسوا أن لهم أُسرا وبيوتا وأبناء وزوجات يحتاجون إلى تربية ورعاية وإصلاح وتوجيه.
يدخل أحدهم بيته في غفلة عن أهله وعن ذكر الله، لا يذكر اسم الله تعالى حال دخوله ولا يسلم على أهله ولا يسأل عن حالهم، قد ضاع أطفاله بدون رقيب، وفسدت زوجته بدون حسيب.
أفلا يتقي الله أمثال هؤلاء في أهليهم؟ فيعتنوا بهم ويحفظوا الأمانة التي استرعاهم الله عليها، ويشكروا الله تعالى على ما منحهم وأعطاهم، قال الله عز وجل: -(وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ)- [النحل/72].
وفي الحديث أن الله يقول لعبده يوم القيامة ممتنا عليه: «ألم أزوجك ألم أكرمك ألم أسخر لك الخيل والإبل...» الحديث.
فإن من نعم الله تعالى علينا أن منَّ علينا بالأولاد والأزواج والبيوت والمساكن آية من آيات الله الباهرة ونعمة من نعمه الظاهرة، سكنا ورحمة ولباسا ومودة، يتفيأ المسلم خلالها عن الحر، ويستدفئ بها من البرد، وتستره عن الأنظار، وتحصنه من الأعداء، قال الله عز وجل: -(وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ*وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ)- [النحل/80-81].
فعلى المسلمين أن يحيوا بيتهم بذكر الله تعالى، قراءة لكتاب الله وصلاة وعبادة وذكرا، وهي بذلك تفارق بيوت الكفرة الخالية من ذكر الله، وبيوت المنافقين الذين لا يذكرون الله تعالى إلا قليلا، ولذلك كان من سنته صلى الله عليه وسلم صلاة النافلة في بيته، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجْعَلُوا مِنْ صَلاَتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا» متفق عليه.
وفي هذا دلالة على أنه يسن للمسلم على أن يجعل في بيته نصيبا من العبادة النافلة، لاسيما صلاة التطوع لتعليم أبنائه وأهله الصلاة وتعويدهم عليها، وإن بيتا يُنَشَّأ على طاعة الله لحري به أن يكون بيتا إيمانيا، يعظُم ثواب أهله ويصفوا عيشهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ». رواه النسائي وأحمد وأبو داوود.
قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فإذا أوتر قال: «قُومِي فَأَوْتِرِي يَا عَائِشَةُ» رواه مسلم.
كما بين صلى الله عليه وسلم الفرق بين البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه في قوله فيما رواه البخاري ومسلم: «مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ وَالْبَيْتِ الَّذِي لاَ يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ».
ورغَّب صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن في البيوت، لاسيما سورة البقرة لأن قراءتها في البيت تطرد عنه الشيطان بإذن الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» رواه مسلم وغيره.
وعن جابر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ -يعني لأصحابه- لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ. وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ. وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ» رواه مسلم وأحمد.
وكم في بيوت المسلمين من بيوت ميتة، بل هي في الحقيقة مأوى للجن والشياطين، بعيدة عن ذكر الله، مليئة بالفساد والمنكرات، لا يُسمع فيها إلا مزامير الشيطان وأصوات المطربين والمطربات، والحريص منهم اكتفى بلوحات معلقة في بيته زخرفها بآيات من القرآن وأحاديث من السنة، وماذا تفيد تلك اللوحات إذا كانت القلوب خاوية من ذكر الله بعيدة عن تعاليم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
عباد الله:
ما أجمل البيت العامرة بذكر الله من تهليل وتسبيح وتكبير وتلاوة لكتاب الله عز وجل، ينام أهله ويستيقظون على ذكر الله تعالى، يأكلون باسم الله، ويلبسون باسم الله، ويتربى في كنفه الأهل والأولاد على الطاعة والفضيلة، تغشاهم الرحمة، وتتنزل عليهم السكينة، وتحفهم الملائكة، ويذكرهم الله في من عنده ،فيكون بمثابة مدرسة للخير ومنبع للإصلاح.
وما أقبح البيوت إذا خلت من ذكر الله فاجتالتها الشياطين، وعششت فيها وفرخت، فصارت قبورا موحشة وأطلالا خربة، فعميت قلوب ساكنيها وابتعدت عنها الملائكة.
فيا أيها الأب المسلم ويا أيها الزوج المؤمن: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن بيوتكم أمانة في أعناقكم، استرعاكم الله على من فيها من الزوجات والأولاد، والله سائل كل راع عن ما استرعاه، أحفظ أم ضيع؟ وما من راع يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة، فيا خيبة من ضيع الأمانة وأساء التربية.
فاتقوا الله عباد الله واشكروه على نعمه وآلائه، فبالشكر تدوم النعم وتحفظ المنح.
واعلموا أنه لما فسدت بعض من البيوت سارت تُرى المظاهر المزرية، من تبرج النساء والبنات، وفساد الأطفال والناشئة، والمكث خارج المنزل إلى ساعات متأخرة من الليل، بل إلى الفجر أحيانا بدون رقيب ولا مربي وأشرُّ من ذلك: وأقبح أن بعضا من البيوت التي خلت من ذكر الله شُغِلت بوسائل الشر والفساد من أفلام خليعة تدعوا إلى الفحشاء والمنكر، وأشرطة أغان ماجنة تغري بالعشق والغرام والهُيام والإجرام، فيتخرج الطفل من هذه البيوت يحفظ من الأغاني أكثر مما يحفظ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويعرف من سير المغنين والممثلات واللاعبين أكثر مما يعرف من سيرة النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، ويجري على لسانه من ألفاظ البذاءة والسب والشتم أكثر مما يجري عليه من الذكر والعبادة، ويتربى في تلك البيوت من يتركون الصلاة، ويضيعون الجمعة والجماعات فإلى الله المشتكى.
فهؤلاء أخربوا بيوتهم بأيديهم، وأفسدوا أهليهم بما جلبوا لهم في منازلهم من وسائل هدامة، ثم يندبون بعد ذلك حظوظهم على فساد أهلهم وانحراف أبنائهم، وهل يُجنى من الشوك العنب؟! لا والله.
فاحرصوا على العناية بأهليكم وأولادكم، واحذروا من التشبه بالذين اعتنوا بالكلاب والسباع أكثر من العناية بأولادهم، ناسين أو متناسين ما جاء من الوعيد الشديد في قول صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ» متفق عليه.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ». وفي رواية قيراط واحد متفق عليه.
ألا فاتقوا الله أيها المسلمون، واعلموا أن على رب الأسرة والبيت أن يهتم بتربية أهله وأبنائه التربية الإسلامية الصحيحة التي تؤتي ثمارها بإذن الله، ولا يتحقق ذلك إلا بشدة الملاحظة لهم والتفقد لأحوالهم والبحث عما يفعلون داخل البيت وخارجه وعن من يجالسون.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
عباد الله:
اتقوا الله تعالى، واعلموا أن طاعته أقوم وأقوى، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واحذروا أسباب سخط الجبار فإن أجسامكم على النار لا تقوى، واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
ثم اعلموا أنكم غداً بين يدي الله موقوفون، وبأعمالكم مجزيون، وعن أفعالكم محاسبون، وعلى تفريطكم وإهمالكم نادمون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
عباد الله:
-(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)- [الأحزاب/56]
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض الله عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واحمي حوزة الدين.
اللهم وآمنا في دورنا وأوطاننا، وأصلح واحفظ ولاة أمورنا، اللهم وأصلح قلوبهم وأعمالهم يا ذا الجلال والإكرام.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم اغفر لنا، ولآبائنا وأمهاتنا، ولأولادنا وأزواجنا، ولجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
عباد الله:
-(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ*وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)- [النحل/90-91]. فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.