حقوق المسلم
الحمد
لله الحكم العدل اللطيف الخبير، أحمده سبحانه وهو على كل شيء قدير، وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الخلق والأمر والتدبير، وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله أكرم رسول وخير بشير، صلى الله وسلم عليه وعلى آله
وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
عباد الله:
اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الله بعث في الأميين رسولا منهم فرفع صوته
بالحق ونادى وملأ الأرض هداية وإرشادا، جاء بدين العدل بين الناس جماعات
وأفرادا، وقال: «يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية
وتعاظمها بالآباء فالناس رجلان رجل بر تقي كريم على الله وفاجر شقي هين على
الله والناس بنوا آدم وخلق الله آدم من تراب قال الله تعالى: -(يَا
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)- [الحجرات/13]» رواه الترمذي.
فعز بداية وقصدا، وشرف غاية ومرادا، فدين الإسلام دين عظيم كريم، يدعوا إلى
مكارم الأخلاق يدعوا إلى الآداب السامية والأخلاق الفاضلة فمن ذلك: آداب
المسلم وحقوقه، آداب يجب على المسلم أن يتأدب بها، وحقوق يجب عليه أن
يؤديها لأخيه المسلم، وهو يعتقد أنها عبادة لله وقربة يتقرب بها إليه
سبحانه وتعالى لأن فعلها طاعة لله تعالى وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم.
فالأول من هذه الآداب والحقوق: أن يسلم عليه إذا لقيه قبل أن يكلمه فيقول:
السلام عليكم أو السلام عليكم ورحمة الله، ويصافحه ويرد المسلَّم عليه
قائلا: وعليكم السلام أو وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته لقوله تعالى:
-(وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ
رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا)- [النساء/86]
ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الملائكة تعجب من المسلم يمر على
المسلم ولا يسلم عليه.
ولقوله: «وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ».
ولقوله: «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلاَّ غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا».
وقال صلى الله عليه وسلم: «من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه حتى يبدأ بالسلام».
ومنها: أن يشمته إذا عطس بأن يقول له إذا حمد الله تعالى: يرحمك الله ويرد
العاطس عليه قائلا: يهديكم الله ويصلح بالكم وقال أبو هريرة: كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم «إِذَا عَطَسَ وَضَعَ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ عَلَى
فِيهِ وَخَفَضَ أَوْ غَضَّ بِهَا صَوْتَهُ».
ومنها: أن يعوده إذا مرض ويدعو له بالشفاء.
ومنها: أن يشهد جنازته إذا مات.
ومنها: أن يبر قسمه إذا أقسم عليه وكان لا محذور فيه، لقوله صلى الله عليه
وسلم: «حق المسلم على المسلم خمس رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز
وإجابة الدعوة وتشميت العاطس».
ولقول البراء: «أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعِ الْجَنَازَةِ
وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ
وَإِجَابَةِ الدَّاعِي وَإِفْشَاءِ السَّلاَمِ».
ومنها: أن ينصحه إذا استنصحه في شيء من الأشياء أو أمر من الأمور بمعنى أنه
يبين له ما يراه من الخير في الشيء لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا استنصح
أحدكم أخاه فلينصح له».
ومنها: أن يحب له ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه لقوله صلى الله عليه
وسلم: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ
لِنَفْسِهِ» ويكره له ما يكره لنفسه».
ومنها: أن ينصره ولا يخذله في أي موطن احتاج فيه إلى نصره وتأييده إن كان
محقا لقوله صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ
مَظْلُومًا».
ومنها: أن لا يمسه بسوء أو يناله بمكروه وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم:
«كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ
وَعِرْضُهُ».
ومنها: أن يتواضع له ولا يتكبر عليه وأن لا يقيمه من مجلسه المباح ليجلس
فيه لقوله صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَىَّ أَنْ
تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ».
ولقوله: «لاَ يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ» ولكن وسعوا وتفسحوا.
فاتقوا الله عباد الله:
فإن «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ».
روي عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أنه خطب فقال:
اتقوا الله عباد الله: إن الموت والله ليس منه فوت، إن أقمتم له أخذكم وإن
فررتم منه أدرككم، فالنجاة النجاة، والوحاء الوحاء، وراءكم طالب حثيث،
القبر فاحذروا ضغطته وظلمته ووحشته، ألا وإن القبر حفرة من حفر النار أو
روضة من رياض الجنة، ألا وإنه يتكلم في كل يوم ثلاث مرات فيقول: أنا بيت
الظلمة أنا بيت الدود، أنا بيت الوحشة، ألا وإن وراء ذلك يوماً يشيب فيه
الصغير ويسكر فيه الكبير -(وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى
النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ
شَدِيدٌ)- [الحج/2]، ثم بكى رضي الله عنه وأرضاه ثم بكى وبكى المسلمون حوله
رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين. انتهى كلامه رضي الله عنه.
فاتقوا الله عباد الله:
وتذكروا قوله تعالى: -(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ
زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ*يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ
مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا
وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ
اللَّهِ شَدِيدٌ)- [الحج/1-2].
جعلني الله وإياكم من المتقين، وأجارني وإياكم من التهاون بحقوق المسلمين، وأعاذني وإياكم من العذاب الأليم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي جعل المؤمنين إخوة، ونعمت الأخوة أخوة الإيمان، وألف بين
قلوبهم، وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن، أحمده سبحانه وأشكره وهو
صاحب الفضل والإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن
محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين
لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
عباد الله:
اتقوا الله تعالى، واعلموا أن من حقوق المسلم على أخيه المسلم أن لا يهجره
أكثر من ثلاثة أيام بغير حق، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَحِلُّ
لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ
فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ
بِالسَّلاَمِ».
وفي لفظ لأبي داود قال: «لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ
فَوْقَ ثَلاَثٍ فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلاَثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ».
وعن أبي خراش السلمي رضي الله عنه أنه سمع رسوله الله صلى الله عليه وسلم
يقول: «مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ».
وروى أبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ
فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ رَجُلاً
كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ أَنْظِرُوا
هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا
أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا».
عباد الله:
كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم إذا ذكِّروا بأحاديث الرسول تذكَّروا
وإذا خوِّفوا بها خافوا وزجروا وذلك لما في قلوبهم من الإيمان روى البخاري
أن عائشة نذرت أن لا تكلم ابن الزبير لكلام بلغها عنه فلما طال ذلك على ابن
الزبير كلم المسور ابن مخرمة وعبد الرحمن ابن الأسود وقال لهما: أنشدكما
بالله لما أدخلتماني على عائشة فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي فأقبلا به
مشتملين بأرضيتهما حتى استأذنا على عائشة فقال: السلام عليك ورحمة الله
وبركاته أندخل قالت عائشة: أدخلوا قالوا: كلنا. قالت: نعم أدخلوا كلكم. ولا
تعلم أن معهما ابن الزبير فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب فاعتنق عائشة
وجعل يناشدها ويبكي، وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدانها إلا كلمته وقبلت
منه ويقولان: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عما قد علمت من الهجرة ولا
يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فلما أكثروا على عائشة من التذكرة
والتحريج طفقت تذكرهما وتبكي وتقول: إني نذرت والنذر شديد فلم يزالا بها
حتى كلمت ابن الزبير وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة وكانت تذكر نذرها بعد
ذلك فتبكي حتى تبل دموعها خمارها.
فاتقوا الله عباد الله:
واعملوا بكتاب ربكم وسنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم.
جعلني الله وإياكم ممن إذا خوِّف بالله ندم وخاف، ورزقني وإياكم من الإنابة والإنصاف ما يلحقنا بصالح الأسلاف.
عباد الله:
-(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)-
[الأحزاب/56] وأكثروا عليه من الصلاة يعظم لكم ربكم بها أجرا فقد قال صلى
الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
بِهَا عَشْرًا».
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد صاحب الوجه الأنور،
والجبين الأزهر، وارض الله عن الأربعة الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي،
وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء
الدين، وانصر عبادك الموحدين، واحمِ حوزة الدين، اللهم وآمنا في دورنا
وأوطاننا، وأصلح ووفق ولاة أمورنا، اللهم وأصلح قلوبهم وأعمالهم يا ذا
الجلال والإكرام.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم اغفر لنا، ولآبائنا ولأمهاتنا، ولأولادنا ولأزواجنا، ولجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم نور على أهل القبور من المسلمين والمسلمات قبورهم.
اللهم واغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم.
اللهم تب على التائبين، واغفر ذنوب المذنبين، واقض الدين عن المدينين، واشف
مرضى المسلمين، واكتب الصحة والسلامة والعافية والهداية والتوفيق لنا
ولكافة المسلمين في برك وبحرك أجمعين.
-(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ*وَسَلَامٌ عَلَى
الْمُرْسَلِينَ*وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)-
[الصافات/180-182].