الطواف والسعي في الدورين الأول والسطح
الطواف والسعي في الدورين الأول والسطح
عبد الله بن حمد السكاكر
فإن البيت الحرام كما هو معلوم ومعروف لم يكن يرقى على سطحه أو من أدوار إلا في هذا
الزمن المتأخر تقريباً في البناية السعودية التي تمت في عهد الملك سعود
في الثمانينات الهجرية، فلما بني المسجد بهذه الطريقة حدثت هذه المسألة أو
هذه النازلة، وعرضت على هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية
وبحثوها، و قد ذهبت هيئة كبار العلماء في هذه الدراسة وتلك الفتوى التي تمت
بحدود سنة (1393هـ) إلى جواز الطواف في الدور الأول أو في السطح وكان هذا
القرار بالأغلبية مع تحفظ بعض الأعضاء ومعارضة عضو واحد. وقد استدل من قال بجواز الطواف في الدور الأول أو في السطح بعدد من الأدلة منها:
أولاً: أن الهواء تابع
للأرض وللقرار كما هو معروف عند الفقهاء، وأهل العلم يقولون لو أن
الإنسان صلى إلى هواء الكعبة لصحت صلاته. لو كان الإنسان مثلاً فوق جبل
أبي قبيس ثم استقبل الكعبة فإنه لا يستقبل البناء وإنما يستقبل الهواء، أو
لو أن الكعبة مثلاً هدمت للبناء فإن الإنسان إنما يستقبل هوائها فالهواء
تابع للقرار فهواء المطاف، وهواء المسعى تابع لقراره ولأصله، ولهذا
فالإنسان إذا طاف على الأرض أو طاف في الدور الأول أو طاف في السطح فإنه
يصدق عليه أنه طاف في المسعى بين الصفا والمروة.
ومما احتجوا به على
هذا الأمر أن النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ (( ثبت عنه أنه طاف وسعى
على بعيره - صلى الله عليه وسلم -)) والطواف أو السعي على البعير أو في
الدور الثاني فوق البناء الأمر فيهما سواء، فإن الإنسان سواءً كان على
البعير أو على الدور الأول أو الدور الثاني كله قد ارتفع عن الأرض على شيء
متصل بهذه الأرض، ثم أن من طاف في الدور الأول أو سعى في الدور الأول أو
في السطح يصدق عليه أنه طاف أو سعى طاف بالبيت أو سعى بين الصفا والمروة.
وبناءً على ذلك أفتى
المجلس في جلسته تلك "بأنه يجوز الطواف أو السعي في الدور الأول أو في
السطح" وقد تحفظ كما قلت لكم بعض الأعضاء وعارض القرار شخص واحد هو
العلامة الشيخ: محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله-، ثم إن هذا الأمر أصبح
فيما بعد إجماع عمل من الأمة الإسلامية فتلقاه الناس بالقبول وأصبحوا
يعملون به ولا ينكره أحد من علمائهم ولا من طلاب العلم فيهم، فأصبح إجماع
عمل بحمد الله - سبحانه وتعالى - وتوفيقه ولا شك أن الأمة في هذا الزمن
تحتاج إلى مثل هذه الحلول حتى تتسع المشاعر ومنها بيت الله الحرام لعدد
أكبر من المسلمين حتى يؤدوا مناسكهم والشعيرة العظيمة التي هي الركن
الخامس من أركان الإسلام.
الحقيقة أن هذا الأمر
أو هذه النازلة أصبحت كما قلت لكم إجماع عمل، وما كنت لأبحث هذه المسألة
أو أعرض لها فإن هذا إلى التشويش أقرب منه إلى بيان الحكم، فإن الناس لا
يشكون فيه ولا يختلفون فيه وإنما أردت أن أنتقل من هذه المسألة إلى
المسألة التي تليها وهي تابعة لها ألا وهي:
الطواف في المسعى: فما معنى الطواف في المسعى أو ماذا نقصد بالطواف في المسعى.
من المعروف أن الإنسان
إذا أراد أن يطوف في الدور الأول أو في السطح أن المطاف يكون متسعاً حتى
يصل الإنسان إلى الناحية الشرقية من المطاف فيقرب المسعى من المطاف حتى
يضيق المطاف جداً. في الجهة الشرقية التي هي جهة المسعى من المطاف إذا كان
الإنسان يطوف في الدور الأول أو في السطح فإنه إذا وصل إلى هذه الجهة ضاق
المطاف في الدور الأول أو في السطح وقرب منه المسعى فضيق عليه وأصبحت
المسافة قليلة مع زحام الناس في رمضان أو في الحج أو نحو ذلك يجد الناس
حرجاً شديداً في أن يدخلوا إلى المسعى فيطوفوا جزءاً من الطواف داخل
المسعى. فهذا محل حرج وكلفة ومشقة عند كثير من الناس أنهم وهم يطوفون
يضطرون إلى الدخول في المسعى فهم يسألون ويقولون: ما حكم أن يكون جزء من
الطواف داخل المسعى؟
قبل أن أجيب على هذه
المسألة أو أذكر الحكم عليها أحب أن أقدم بمسألة أخرى مهمة لها علاقة في
الحكم على هذه المسألة. هذه المسألة: هي هل المسعى مابين الصفا والمروة،
هل هو داخل المسجد الحرام ويعتبر جزءاً من المسجد أم أنه خارج المسجد؟.
المسعى إلى بدايات
الثمانينات الهجرية كان خارج المسجد الحرام تماماً، ولو أن بعضكم اطلع على
بعض الصور القديمة للمسعى بين الصفا والمروة لوجد أن الناس يسعون بين
الصفا والمروة وعلى جنباتهم من اليمين والشمال الدكاكين المشرعة على
المسعى، فكان المسعى مستقلا وخارج المسجد الحرام تماماً ولهذا كان العلماء
في كتب الفقه قديماً يقولون إن المسعى خارج المسجد الحرام ولا تتحرج
المرأة إذا كانت حائضاً أن تجلس فيه بسبب أنه خارج المسجد الحرام. لكن
حينما قامت الدولة السعودية ـ وفقها الله لكل خيرـ في الثمانينات الهجرية
ببناء المسجد الحرام وتوسعته أصبح المسجد كما تشاهدونه الآن بحيث أنه الصق
المسعى بالمسجد الحرام وأصبح البناء واحداً كما نشاهده الآن -هذا بحدود
الثمانينات الهجرية- فأصبح المسعى ملاصقاً وجداره مع المسجد جداراً واحداً
وأبوابه مشرعة على المسجد الحرام بعد ذلك وتقريباً، بعد الأربعمائة
هجرية قامت الدولة السعودية في عهد الملك فهد - رحمه الله تعالى- بتوسعة
أخرى للمسجد الحرام فأضيف من الجهة الجنوبية الغربية أضيفت البناية
والتوسعة المعروفة الآن بتوسعة الملك فهد وفي المقابل في الجهة الشرقية
أزيلت البنايات وكان هناك شارع وجسر فأزيل هذا الجسر وأزيلت البنايات التي
في الجهة الشرقية مما يكون خلف المسعى، فأزيلت هذه كلها ثم وضعت ساحات
وبلطت بإشكال دائرية متوافقة مع اتجاه القبلة ووضعت عليها السياجات
والجدران وأدخلت في المسجد الحرام، وأصبح الناس يصلون خلف المسعى كما
يشاهده كل أحد؛ ولهذا فمما يظهر لي أنه لا إشكال فيه أن المسعى الآن مابين
الصفا والمروة أنه جزء من المسجد الحرام فلا معنى لما كان يقوله الفقهاء
قديماً من أن المسعى خارج المسجد فإن المسعى أدخل في المسجد ثم أدخل ما
وراء المسعى في المسجد فالمسعى كان ملصقاً بالمسجد والآن يكاد يكون وسط
المسجد أو قريباً من ذلك. فالآن لا معنى لأن نقول إن المسعى خارج المسجد
الحرام كما هو موجود في كثير من كتب الفقه هذا كان في الزمن السابق أما
الآن فهو جزء من المسجد.
نرجع الآن إلى بيان
حكم المسألة وهي حكم الطواف في المسعى؟ بمعنى أن الطائف كما مر علينا في
الدور الأول أو في السطح يطوف جزءاً من طوافه داخل المسعى فأقول: إن جماعة
من أهل العلم وطلابه قد تحرجوا في هذا الأمر ورأوا "أن الإنسان لا يجوز
أن يطوف داخل المسعى". وعللوا ذلك "بأن المسعى خارج المسجد الحرام" و رخص
بعضهم من أمثال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمة الله عليه- والشيخ
محمد بن عثيمين - رحمه الله تعالى – "في أن الإنسان إذا اضطر اضطراراً
وزحمه الناس وأخرجوه إلى المسعى أنه يصح طوافه -إن شاء الله-". وبعض أهل
لم يرخص ولا في حال ازدحام وقال: "إنه إذا طاف جزءاً من الطواف داخل
المسعى فإن طوافه لا يصح". هذا هو قول عدد ليس بالقليل من أهل العلم
وطلابه في هذا الزمن، وكما قلت لكم لم أطلع على تعليل لمن قال بهذا القول؛
إلا أنه قال: "إن المسعى خارج الحرم" وقد مر معنا قبل قليل أن المسعى كان
خارج المسجد الحرام في الزمن السابق أما الآن فأصبح داخل المسجد الحرام
وبالتالي فإن هذا التعليل لا يستقيم.
والذي أراه والله -
سبحانه وتعالى - أعلم هو أن طواف جزء من الطواف داخل المسعى أنه جائز سوى
كان هناك ضرورة بحيث أن الإنسان زحمه الناس أو حتى لو لم يكن هناك ضرورة،
فإن الإنسان إذا كان في السطح أو كان في الدور الأول وكان يطوف فإذا جاء
إلى جهة المسعى لو أنه دخل من أحد أبوابه وخرج من الأخر بحيث انه يكمل
جزءاً من الطواف داخل المسعى أن طوافه صحيح وذلك؛ لأنه لا يخرج عن كونه
طاف بالبيت الحرام
فخروجه في هذا الجزء
إلى جهة المسعى هل يخرجه عن أن يكون طاف بالكعبة أو طاف بالبيت الحرام لم
يخرج من المسجد هو داخل المسجد، ويطوف على الكعبة المشرفة وعلى بيت الله
الحرام فهو يسمى طائفاً. وما ذكره بعض أهل العلم من تعليل "بأن المسعى
خارج المسجد" قلنا: عن هذا التعليل إنه لا يستقيم الآن بعد التوسعة الأولى
والتوسعة الثانية والذي أراه راجحاً أنه إذا طاف الطائف جزءا من طوافه
داخل المسعى فإن طوافه صحيح ولا إشكال فيه زحمه الناس أو لم يزحمُوه. هذا
هو الذي ظهر لي رجحانه والعلم عند الله - سبحانه وتعالى -.
نسأل الله - سبحانه
وتعالى - بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعيذنا من فتنة القول والعمل،
وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن لا يجعله ملتبساً علينا فنضل إنه
سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده
ورسوله نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين