الدعاء للمسلمين أجمعين
إن الله سبحانه وتعالى آخى بينكم بأخوة الإسلام وربط بعضكم ببعض بشهادة
أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وبإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وجعلكم
لهذا الدين إخوانا وأكد ذلك في الدنيا في أحكام الدنيا بقوله: (إنما المؤمنون إخوة)
وفي أمور الآخرة بقوله: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين)
وإن هذه الرابطة التي هي رابطة الدين لا يقطعها إلا ما يقطع الدين من الكفر
والارتداد عن الإسلام والعياذ بالله ، وإنها أقوى الروابط وأوثقها ، فرابطة النسب
منقطعة بالنفخ في الصور يوم القيامة (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون)
ورابطة الجوار منقطعة بالموت ورابطة المصالح منقطعة باختلافها فإن كل الروابط التي
يرتبط بها الناس دون رابطة الدين منقطعة ، وإن رابطة الدين منبثقة من أصل الإيمان
ولذلك تستمر مع الإنسان في هذه الحياة وفي البرزخ وفي الموت ، ثم بعد ذلك يوم القيامة
مستمرة متصلة ، وإن هذه الرابطة التي هي أقوى الروابط لا بد أن تكون في اهتمام الإنسان
سابقة على غيرها من الروابط كلها ، ولا بد أن ينبثق عن ذلك عمل وخدمة يقدمها الإنسان ،
فكل قناعة لا يصحبها عمل فهي باطلة ، فمن اقتنع بأنه أخ للمسلمين فلا بد أن يهتم بالشأن
العام للمسلمين ، فعدم المبالاة بالشأن العام داء عضال ، ومرض من أمراض الأمة
التي لا بد من علاجها فلا بد أن ننتبه إلى أننا أمة واحدة وأن ديننا واحد وأن ربنا واحد
وأن قبلتنا واحدة وأن رسولنا واحد وأن القرآن المنزل للعمل في هذه الأمة واحد ،
فقانوننا واحد وهو كتاب ربنا جل وعلا فلذلك لا بد أن ننتبه لعوامل توحيدنا وأن نقدمها
على كل ما سواها من عوامل التفرقة فلا بد أن يكون كل إنسان يعلم أن إيمانه يقتضي منه
الاهتمام بالشأن العام للمسلمين وقد ورد عن النبي أنه قال:
"من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم" فلذلك لا بد من العناية بأمور المسلمين كلها ،
وأن يهتم الإنسان بقاصيهم وداينهم
فمن المؤسف أن يتغلغل أعداء المسلمين فيهم حتى يقطعوا
هذه الأمة إربا إربا وحتى ينفصل بعضها عن الاهتمام بشأن بعض ، فإن كثيرا من المسلمين اليوم
إذا جالسته لا تسمع في حديثه اهتماما بالشأن العام للمسلمين ، ولا تجد في تصرفاته وأفعاله عناية
كذلك بهذا الشأن العام ، فلا هو يهتم بآمالهم ولا يتألم لآلامهم ولا يذكر ما هم فيه من المشكلات
والأزمات ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتأثر عندما يبلغه ضرر يصل إلى مسلم ،
حتى إنه صلى الله عليه وسلم لما جاءت الدافة إلى المدينة جعل يدخل ويخرج وقد احمرت وجنتاه
وغررت عيناه ثم صعد المنبر فقال: "تصدق امرؤ من درهمه من ديناره من صاع بره من صاع تمره"
حتى جمع لأولئك الدافة مالا عظيما فقسمه بينهم ، و كان يهتم بأمر الضعفة
والمستضعفين من المسلمين فكل ذلك من رحمته بأمر المسلمين قاصيهم ودانيهم ومن عنايته بشؤونهم كلها
و كان صلى الله عليه وسلم إذا سمع بمريض من أهل المدينة عاده وإذا سمع بجنازة تبعها ،
فإنه صلى الله عليه وسلم بهذا يسن لنا سنة عظيمة وهي الاهتمام بشأن المسلمين والعناية بأمرهم ،
فلا معنى لهذه الأخوة إذا كان كل إنسان منا يهتم بمصالحه الخاصة وأموره وكان منقطعا عن شأن
إخوانه في مشارق الأرض ومغاربها ولا يبالي بما يلقون ، فذلك كله مخالف لمقتضى هذا الدين ،
وقد جعل الله بعض عباده فقراء وعيالا على بعض وامتحن من أغناهم ومن قواهم بأولئك ليهتموا
بشؤونهم وليعينوهم ما استطاعوا ، فإن هم لم يفعلوا فقد رسبوا في الامتحان وسيبتليهم الله بما
ابتلاهم به ويسلط عليهم ما سلط على أولئك ، فالأمر كله بيده لا مقلب لما أراد ، لا معقب لحكمه ،
يفعل ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة ، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، وإن إخوانكم المسلمين
في هذه الأيام يشكون كثيرا من المصاعب والمصائب ، فهم في فلسطين وفي الشيشان وفي كشمير
وفي غيرها يتعرضون لأذى أعداء الله سبحانه و تقتيلهم وإبادتهم ، وإن الاهتمام بشأنهم
والتطلع إلى أخبارهم والدعاء لهم كل ذلك من الواجبات على المسلمين وهو فرض عين
يستطيعه كل أحد ، فيجب على كل مسلم أن يدعو للمسلمين وأن يهتم بشؤونهم حتى يكون منهم ،
ومن لم يفعل ذلك ولم يهتم به فسيصيبه ما أصابهم وحينئذ لا يجد من يبكي عليه ولا يهتم بشأنه
بل سيجد نفسه منقطعا حين قطع نفسه
فلذلك لا بد إخواني أن نهتم جميعا بأمر المسلمين وأن نعتني بهم وان نعلم أن رابطة الدين تربطنا بهم
وأن ديننا لا يمكن أن يتم إلا بالعناية بشؤون إخواننا المسلمين المستضعفين وأن نهتم بعيادة المرضى
وأن نهتم بالدعاء للمستضعفين من المسلمين وأن نهتم بإعلاء كلمة الله في هذه الأمة والدفاع عن
حوزتها فأين روح التضحية و البذل التي كانت سائدة في هذه الأمة ، فإن أسلافكم وأجدادكم كانوا
يحرصون قبل الممات على المرابطة في الثغور والدفاع عن حوزة هذا الدين وحماية بيضته ،
فعلينا عباد الله أن نقرأ سير أسلافنا وأن نطبق ما كانوا يفعلونه إذا أحببنا مجاورتهم في الجنة
ولقاءهم عند ما تدعا كل أمة بإمامها إنكم جميعا لا ترضون بما دون مجاورة النبي
في الفردوس الأعلى من الجنة ، وإنكم تعلمون أن ذلك لا يتحقق بالأماني والظنون وإنما يتحقق
بالعمل المنبثق عن القناعة والعقيدة ، فلا بد أن تبادروا إخواني بالأعمال الصالحة قبل فوات الأوان
وأن تؤكدوا هذه الرابطة فيما بينكم وأن تعلموا أن المرء ضعيف بنفسه قوي بإخوانه وأنه لا يستطيع
القيام بأمر ما إلا بمشاركة غيره من المؤمنين ولا يمكن أن يهتم المسلمون بشأنه
ما لم يهتم هو بالشأن العام لهم ، كل ذلك من المسلمات والقناعات التي تعرفونها جميعا
فلا بد أن تكون أعمالكم مطابقة لقناعتكم
www.nourislamna.com