أخطاء من بداية الزواج أخطار تهدد الأسرة
أخطاء من بداية الزواج أخطار تهدد الأسرة
شوقي عبد الصادق
الحمد لله
الذي خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى، وأشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، له الحمد في الأولى والآخرة، وأشهد أن محمدًا عبده
ورسوله، وبعد:
فمن المعلوم من الدين
بالضرورة أن من توكل على الله كفاه، وأن ما عند الله لا يُنال إلا بطاعته،
وأن الزواج مشاركة بين الزوجين، وأن هذه الشركة أهم الشركات في هذه
الحياة، وذلك لأن ما ينتج عن هذه الشركة هو مخلوق كرّمه الله وفضّله على
كثير ممن خلق تفضيلاً، ومن هذا المخلوق كان رُسُل الله إلى عباده، وكان
منهم أولياء الله وجنده وحزبه، وإذا كان لهذه الشركة تلك الأهمية كان لابد
من الاستقامة على منهج الله عند بدايتها حتى تؤتي أُكُلها بإذن ربها،
وعلى الأزواج وأوليائهم أن يجتنبوا السوء والفحشاء عند بدايتها، ومن هذه
الأخطاء في البداية:
أولاً عدم الاستخارة:
فإن الاستخارة ما هي إلا
إعلان الفقر إلى علم الله سبحانه وتعالى، وقدرته على تقدير ما يعلمه من
الخير أو الشر، وأن الإنسان لا يقدر على صياغة المستقبل وإسعاد نفسه إلا
بتوفيق الله، ولهذا شُرعت صلاة الاستخارة، فعن جابر بن عبد الله -رضي الله
عنهما- قال: كان رسول الله يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة
من القرآن، يقول: (إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم
ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم،
فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم
أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله
فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في
ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه،
واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به ويسمي حاجته) صحيح البخاري، ويكون هذا
الدعاء بعد الفراغ من الركعتين، ولا ينتظر المستخير أن يرى في نومه رؤيا،
بل يمضي في حاجته بعد الاستخارة ولا يلتفت إلى الأحلام والرؤى فإنها لا
يبنى عليها عمل أو حكم.
ثانيها عدم الاهتمام بالولي:
فالزواج لكي يكون
مُوفقًا، لابد أن يكون على شرع الله تعالى وشرطه، فلا بركة في عصيان
ومخالفة أمر الله ورسوله، فقد أمر الله بقوله: وَلاَ تَنْكِحُوا
الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ
مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى
يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ
أَعْجَبَكُمْ [سورة البقرة]، قال الحافظ ابن كثير: وفي هذا دلالة على أن
المرأة لا تملك أن تزوج نفسها، وأنه لا بد في النكاح مِن ولي، وفي الحديث
(لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) صححه الألباني في الإرواء.
وقال العلامة ابن عثيمين
في فتاويه في النكاح في قوله تعالى: وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ
وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ
يُغْنِهِمُ اللَّـهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [سورة
النور]، ووجه الخطاب إلى الأولياء في تزويج الأيامى، وقوله تعالى: فَلاَ
تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا
بَيْنَهُمْ بِالْمَعُروفِ [سورة البقرة]، ولولا أن الولي شرط لم يكن لعضله
أَثر وفي الصحيحين: (لا تنكح المرأة حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى
تستأذن، قالوا يا رسول الله: وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت) ومعلوم أن ولي
المرأة هو أبوها هو الذي يستأمرها أو يستأذنها.
ثالثًا خلوة الخاطب:
قال تعالى: يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ
يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ [سورة النور]، وقال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ
الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [سورة الأعراف]، ومن هذه
الفواحش التي حرمها الله، ويأمر بها الشيطان وهي من خطواته هذه الخلوة بين
الخاطب ومخطوبته، مخالفين بذلك أمر الله ورسوله كما في الصحيحين: (لا
يخلون رجل بامرأة ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم) [اللؤلؤ والمرجان]،
وإذا غاب هذا المحرم وخلا الخاطب بمخطوبته فلا تظن أن المجلس خالٍ وإنما
فيه أعدى الأعداء، وهو الشيطان؛ لما رواه جابر بن عبد الله أن النبي –صلى
الله عليه وسلم- قال: (مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة
ليس معها ذو محرم منها فإن ثالثهما الشيطان) [رواه أحمد]، ويلحق بها
تكرار النظرات والمصافحة وكلاهما حرام لقوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ
يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى
لَهُمْ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [سورة النور]، وقوله
تعالى: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ
وَيَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ [سورة النور]، ولا يخفى على كل ذي عقل أن
الإسلام أباح النظر لأول مرة حتى يرضي كل طرف بالآخر وترتاح له نفسه، فما
زاد عن هذه النظرة الأولى فهو مما حرمه الله؛ لما رواه بريدة قال: قال
رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : (يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك
الأولى وليست لك الآخرة) [صحيح الجامع]، وعن المصافحة يقول رسول الله –صلى
الله عليه وسلم- : (لأن يُطعن أحدكم بمخيط من حديد خيرٌ له من أن يمس
امرأة لا تحل له) [صحيح الجامع]، وإذا بدأ الخاطب بما سبق من مخالفات فقد
أساء بداية هذه الشركة.
رابعًا مخالفات عند إعلان النكاح:
ومن هذه المخالفات عند
إعلان هذه الشركة هو الاعتداء على خلق الله سواء بالتغيير والتسوية سواء
للرجال أو النساء، فالمرأة ترقق حواجبها وتضع الأصباغ، والرجل يحلق لحيته،
وتخلع المرأة ملابس الوقار وتلبس ما يظهر جسمها كله إلا قليلاً، وقد نهى
الإسلام عن كل هذا فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : (لعن الله
الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات
خلق الله) [اللؤلؤ والمرجان]، فإذا فرقت المرأة بين أسنانها للحسن لا
للعلاج، وإذا رققت حواجبها فقد غيرت خلق الله، وكذا إذا حلق الرجل لحيته
فقد غير خلق الله وأتى بما هو أعظم من النمص، وتشتد الحرمة إذا قام الرجل
بتزيين المرأة لما فيه من كشف العورة على أجنبي وربما يكون هناك خلوة
محرمة فضلاً عن التغيير السابق لخلق الله، فهي ظلمات بعضها فوق بعض، وفي
تصوير الزوجين مجاهرة بالمعصية، حيث إن المعاصي السابق ذكرها تصور ويراها
من لم يحضرها وتنقل من مكان لآخر، وقد نهى رسول الله عن المجاهرة بالمعصية
كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت الرسول –صلى الله عليه
وسلم- يقول: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، ومن المجاهرة أن يعمل العبد
عملاً بالليل ثم يصبح قد ستره الله عز وجل فيقول: "يا فلان قد عملت كذا
وكذا البارحة وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه") [رواه مسلم]،
هذا الذي ستره الله بالليل فما بالنا بالذي بات وأصبح وهو يفضح نفسه ليلاً
ونهارًا، وجاء في جواب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في
التصوير ما نصه: "إن تصوير الزوج والزوجة وأسرتيهما في حفل الزواج محرم وهو
من عادات الزفاف السيئة وذلك لأن تصوير ذوات الأرواح حرام مطلقًا ومن
كبائر الذنوب"، والأصل في تصوير كل ما فيه روح من إنسان وسائر الحيوانات
حرام، سواء كانت الصورة مجسمة أم رسومًا على ورق أو قماش أو نحو ذلك، لما
ثبت في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: (إن
الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يُقال لهم أحيوا ما خلقتم)،
وهذه الصورة تعلق في المنزل في أماكن استقبال الضيفان، وثبت في حديث عائشة
رضي الله عنها أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (إن البيت الذي فيه
الصور لا تدخله الملائكة) [اللؤلؤ والمرجان]، وجاء في «آداب الزفاف»
للألباني ويجوز أن يُسمح للنساء في العرس بإعلان النكاح بالضرب على الدف
فقط وبالغناء المباح الذي ليس فيه وصف الجمال وذكر الفجور، واستدل بأحاديث
منها عن عائشة -رضي الله عنها- أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال
النبي –صلى الله عليه وسلم- : (يا عائشة، أما كان معكم لهو فإن الأنصار
يعجبهم اللهو)، وفي رواية فقال: (فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟،
قلت تقول ماذا؟ قال تقول: أتيناكم أتيناكم، فحيونا نحييكم، ولولا الذهب
الأحمر، ما حلت بواديكم، ولولا الحنطة السمراء، ما سمنت عذرايكم) [آداب
الزفاف].
ومن مخالفات الرجال في
الزفاف أن الرجل يخضب يديه ورجليه بالحناء بحجة أنه عريس، فقد أخرج أبو
داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبي بمخنث قد خضب يديه
ورجليه بالحناء فقال النبي: (ما بال هذا ؟، فقيل يا رسول الله يتشبه
بالنساء، فأمر به فنفي إلى البقيع، فقالوا يا رسول الله، ألا تقتله ؟ قال
إني نهيت عن قتل المصلين) [صحيح أبي داود].
قال الحافظ في الفتح:
"وأما خضب اليدين والرجلين فلا يجوز للرجال إلا في التداوي"، وقال ابن
القيم : "وقد جوز للمرأة في خضاب اليدين والرجلين ما لم يجوز للرجل" [عون
المعبود].
زواج أم المؤمنين وآداب المسلمين:
أخرج البخاري عن عائشة -
رضي الله عنها - قالت: "تزوجني النبي وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة
فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج فوعِكتُ فَتمرّق شعري، فوفى جُميمة فأتتني
أمي أم رومان وإني لفي أرجوحة ومعي صواحبُ لي فصرخت بي فأتيتها ولا أدري
ما تريد بي، فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار وإني لأنهج حتى سكن بعض
نفسي، ثم أَخَذَتْ شيئًا من ماء فمسحت به وجهي ورأسي، ثم أدخلتني الدار،
فإذا نسوة من الأنصار في البيت فقلن على الخير والبركة، وعلى خير طائر،
فأسلمتني إليهن، فأصلحن من شأني، فلم يرعني إلا رسول الله ضحى، فأسلمتني
إليهن وأنا يومئذ بنتُ تسعِ سنين"، أي: عُقِد عليَّ.
فتمرق شعري: أي تقطع أو انتتف.
فوفى جميمة: مصغر جمة أي كثير الشعر حتى على المنكبين.
فلم يرعني: بضم الراء
وسكون العين أي لم يفزعني شيء إلا دخوله عليَّ وكَنَّتْ بذلك عن المفاجأة
على غير علم بذلك فإنه يفزع غالبًا [فتح الباري]، بتصرف.
الآداب المستفادة من الحديث
أولاً: أن وصل الشعر حرام
سواء أكان لمعذورة أو عروس أو غيرهما، قال النووي في شرح مسلم لحديث
الواصلة: "فقد ورد في رواية عند مسلم أن عائشة - رضي الله عنها - وعكت
شهرًا أو تساقط شعرها ولم تقدمها أمها لرسول الله كعروس إلا بعد أن وفى
جميمة أي: نزل إلى الأذنين ولو كان الوصل بشعر آخر جائزًا لفعلوه في هذا
الشهر، بل ورد النهي بتحريمه، في رواية عند مسلم عن عائشة رضي الله عنها:
"أن امرأة من الأنصار زوجت ابنة لها فاشتكت فتساقط شعرها فأتت النبي –صلى
الله عليه وسلم- فقالت إن زوجها يريدها أفأصل شعرها؟ فقال رسول الله: لعن
الله الواصلات"، ولأن الوصل تغيير لخلق الله وتدليس كذلك النمص والتفليج
تغيير لخلق الله