صفحات من الماضي المشرق
ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره
ونتوب اليه ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فلا
مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لااله الا الله وحده لاشريك له
واشهد ان محمدا عبده ورسوله ارسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وانار
به العقول وفتح به اعينا عميا واذانا صما وقلوبا غلفا صلى الله عليه وعلى
اله واصحابه والتابعين لهم باحسان الى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا اما
بعد:
عباد الله اوصيكم ونفسي بتقوى الله ثم اعلموا علم اليقين
ان حكمة الله اقتضت ان يكون الحق والباطل في خلاف دائم وصراع مستمر الى ان
يرث الله الارض ومن عليها ليميز الله بذلك الخبيث من الطيب فمنذ بزغ
نجم هذا الدين واعداؤه من يهود نصارى ومشركين يحاولون القضاء عليه بكل
مايستطيعون( يريدون ليطفئوا نور الله بافواههم والله متم نوره ولو كره
الكافرون) حاول اعداء هذا الدين القضاء عليه في عهد النبي صلى الله عليه
وسلم فما افلحوا ثم عاودوا في عهد الخلفاء الراشدين فما افلحوا ثم في
العصور المتاخرة الى يومنا هذا وهم يحاولون .
كل العدا قد جندوا طاقاتهم***ضد الهدى والنور ضد الرفعة
اسلامنا هو درعنا وسلاحنا***ومنارنا عبر الدجى في الظلمة
هو بالعقيدة رافع اعلامه***فامشي بظل لوائها يا امتي
لا الغرب يقصد عزنا كلا ولا***شرق التحلل انه كالحية
الكل يقصد ذلنا وهواننا***افغير ربي منقذ من شدة
عباد الله يوم يقلب المرء صفحات الماضي المجيد ويتدبر
القرءان الكريم ثم ينظر لواقعنا ويقارنه بماضينا يتحسر يتحسر يوم يجد البون
شاسع والفرق واسع كنا امة قائدة فاصبحنا امة تابعة ويتساءل متى ينزاح هذا
السواد الحالك من الذل والمسكنة متى ينبري للامة امثال خالد بن الوليد
وصلاح الدين الايوبي والقعقاع وغيرهم من اسود الوغى متى تحيا في قلوبنا ال
عمران والنفال وبراءة (قل عسى ان يكون قريبا)
وان لنرجوا الله حتى كانما***نرى بجميل الظن مالله صانع
عودا والعود احمد عودا الى الماضي المجيد نستلهم منه
العبر في هذا الحاضر العاثر عودا لسيرة من لم يطرق العالم دعوة كدعوته ولم
يؤرخ التاريخ عن مصلح اعظم منه ولم تسمع الدنيا عن داعية اكرم منه
روحي الفداء لمن اخلاقه شهدت***بانه خير مبعوث من البشر
عمت فضائله كل البلاد كما***عم البرية ضوء الشمس والقمر
هلموا بنا الى يوم واحد من ايام النبي عل النفوس به تقر والسرائر به تسر
اقرؤا التاريخ اذ فيه العبر *** ضل قوم ليس يدرون الخبر
عودا الى السنة التاسعة من الهجرة كي نعيش غزوة العسرة
التي تساقط فيها المنافقون وثبت فيها المؤمنون وذل فيها الكافرون فاسمعوها
وعوها واسالوا التاريخ عنا كيف كنا .
-بلغ النبي صلى الله عليه وسلم في تلك السنة ان الروم
تجمعوا لحربه وتهديد الدولة الاسلامية بادروا بحربه قبل ان يبادرهم وماهذا
الا انهم تجرعوا الذل والهوان في غزوة مؤتة التي جلبوا لها مائتي الف ولم
يتمكنوا من هزيمة ثلاثة الاف
كنا جبالا في الجبال وربما ***صرنا على موج البحار بحارا
عند ذلك هب النبي صلى الله عليه وسلم وعقد النية وامر
المؤمنين ان ينفروا فنفر اقوام وابطا اخرون تجهز ثلاثون الف مقاتل وكلهم
فداء لله ورسوله قد بان المنافقون هاهو احدهم يقول للنبي صلى الله عليه
وسلم هل لك في جلاد بني
الاصفر يقصد الروم فيقول يارسول الله ائذن لي ولاتفتني
فو الله لقد عرف قومي انه مامن رجل اشد عجبا بالنساء مني واني اخشى ان رايت
نساء بني الاصفر الا اصبر فر من الموت وفي الموت وقع اعرض عنه المصطفى
وعذره لكن الذي
يعلم خائنة الاعين وماتخفي الصدور فضحه واذله وانزل فيه
ايات تتلى الى يوم يبعثون( ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني الا في الفتنة
سقطوا وان جهنم لمحيطة بالكافرين ) ويتخلف اخرون لارغبة بانفسهم عن رسول
الله لكن غلبتهم
نفوسهم لصعوبة الظرف واشتداد الحرب قد ان اوان الرطب
وظلال الاشجار فاعتذروا بعد عودة النبي صلى الله عليه وسلم فقبل اعتذارهم
وارجا الله توبة ثلاثة منهم امتحانا لهم فمحصوا حتى (ضاقت عليهم الارض بما
رحبت وضاقت
عليهم انفسهم وظنوا الا ملجا من الله الا اليه ثم تاب
عليهم ليتوبوا انه تواب رحيم) ياتي سبعة رجال ممن صدقوا ماعاهدوا الله عليه
وليس لهم زاد ولا راحلة عز عليهم التخلف اتو النبي صلى الله عليهم وسلم
وكلهم اسى وحسرة نياتهم
صادقة يبحث لهم عن زاد وراحلة فلم يجد فامرهم ان يبقوا
رجعوا (واعينهم تفيض من الدمع حزنا الا يجدوا ماينفقون) قبل الانطلاق
استخلف عليا رضي الله عنه في اهله وقد قيل له ماخلفك عن رسول الله
الا استثقالا لك يريد التخفف
منك فينطلق ويعتنق رسول الله ويقول زعم الناس انك
استثقلتني فخلفتني في النساء والصبيان فتهراق دموعه صلى الله عليه وسلم
ويقول كذبوا ياعلي فاخلفني في اهلي واهلك اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هرون
من موسى الا انه نبي
بعدي فيقول بلسان الحال بلى رضيت بلى رضيت وعاد علي رضي
الله عنه قبل مسير الحبيب يجتمع جماعة من المنافقين في بيت احدهم يثبطون
الناس عن الجهاد ويزهدونهم فيه يقولون لاتنفروا في الحر ترجف برسول الله
ويتولى الله عز
وجل الرد (وقالوا لاتنفروا في الحر قل نار جهنم اشد حرا
لو كانوا يفقهون) ويامر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ان يحرق البيت
فيتولى طلحة ذلك فيقتحم فريق منهم النار فيهلك من هلك ويفر من يفر ويعز جند
الحق رغم انوفهم
ويخيب كل منافق خوان ويتوجه رسول الله فيمر بديار ثمود
وماادراكم ماتلك الديار فتلك بيوتهم خاوية وابارهم معطلة واشجارهم مقطعة
فيدخلها وقد غطى وجهه وهو يبكي ويقول لجيشه لاتدخلوها الا باكين او متباكين
لئلا يصيبكم مااصابهم
ياالله هذه ديار سكنها الظلمة فقولوا لي بالله فيمن
يجالس الظلمة ويؤيد الظلمة ويركن الى الظلمة ويكون لهم انيسا وصاحبا كيف
يكون حاله ويستسقي الناس من بئر في ديار ثمود فيقول النبي صلى الله عليه
وسلم لاتشربوا من مالئها ولا
تتوضئوا منه للصلاة وماعجنتم من عجين بمائها فاعلفوه
للابل ولا تاكلوا منه شيئا فيمتثل الصحابة الكرام لذلك وم الغروب يعلن
النبي صلى الله عليه وسلم انها سوف تهب رياح شديدة فلا يخرج احد من مخيمه
الا مع صاحب له حتى تهدا
الريح وخالف رجلان من المسلمين امره لضعف في ايمانه خرج
لقضاء حاجته فخنقته الجن عند حاجته وخرج الاخر في طلب بعير له فحملته
الرياح حتى القت به في جبال طيء فدعا رسول الله للذي اصيب بالجن فشفي
واما الاخر فسلم
له لما عاد التى المدينة وهذا من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام
لازال صلى الله عليه وسلم في طريقه الى تبوك وقد بلغ به
الجوه والتعب والارهاق مبلغا عظيما لكن في سبيل الله كل شيء يهون ومع السحر
ينام على دابته حتى يكاد يسقط كما في صحيح مسلم فيدنو منه قتادة فيدعمه
بيده حتى يعتدل ثم
يميل فيدعمه ثم يميل ميلة اشد من الميلتين الاوليين
فيدعمه فيرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم راسه قائلا من هذا فيقول انا
ابو قتادة فيكافئه بقوله حفظك الله بما حفظت به نبي الله يا ابا قتادة
ويقول اهل السير في هذا فوالله مازال ابو
قتادة محفوظا بحفظ الله في اهله وذريته مااصابهم من سوء حتى ماتوا
في هذه اللحظات يصيب المسلمين فاقة لم يعرف مثلها قط
يقول عمر في ذلك المنزل العظيم اصابنا عطش عظيم حتى ظننا ان رقابنا ستنقطع
حتى ان الرجل ينحر بعيره فيعتصر قرنه فيشرب منه وتضل راحلة النبي صلى الله
عليه وسلم
فيخرج جماعة من اصحابه يبحثون عنها فيقوم
احد المنافقين فيقول ان محمدا يزعم انه نبي ويخبركم بخبر السماء وهو الان
لايدري اين ناقته وياتي جبريل فيخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الخبر
فيقوم قائلا ان احدكم يقول ان محمدا
نبي ويخبركم بامر السماء وهو لايدري الان اين ناقته واني
والله لا اعلم الا ماعلمني الله وقد دلني الله عليها هي في هذا الوادي في
شعب كذا وكذا قد حبستها شجرة بزمامها فانطلقوا حتى تاتوني بها فذهبوا
فوجدوها كما ذكر لهم صلوات الله
وسلامه عليه وظهرت اية نبوته وفضح هذا المنافق وطرد من
الجيش ويواصل مسيرته الى تبوك ويتخلف بعض المسلمين فيقولون له فلان تخلف
فيقول دعوه ان يكن فيه خير فسيلحقه الله بكم وان يكن غير ذلك فقد اراحكم
الله منه ويتاخر
ابو ذر بعيره هزيل ابطا به بعيره فاخذ متاعه وحمله على
ظهره وينزل رسول الله في بعض منازله على الطريق فينظر ناظر المسلمين فيقول
يارسول الله رجل على الطريق يمشي وحده متاعه على ظهره فيقول صلى الله عليه
وسلم كن ابا ذر
كن ابا ذر فتامل الصحابة فقالوا هو والله ابو ذر فيقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ابو ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده
وتمضي الايام والاعوام فينفى ابو ذر الى الربدة ويحضره الموت وليس معه الا
زوجته وغلامه وقبل
موته اوصاهما ان يغسلاه ويكفناه ثم يضعاه على قارعة
الطريق واول ركب يمر بهم يقولوا هذا ابو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه
وسلم فاعينونا على دفنه فيفعلان ذلك واول ركب يمر بهم عبد الله بن مسعود في
رهط من العراق
متوجها الى العمرة ما راعهم على الطريق الا الجنازة كادت
الابل تطاها باقدامها عندها قام الغلام ونادى هذا ابو ذر صاحب رسول الله
اعينونا على دفنه فاندفع عبد الله بن مسعود باكيا وهو يقول صدق رسول الله
صلى الله عبيه وسلم
تمشي وحدك وتموت وحدك ثم نزل هو واصحابه فدفنوه ودموعهم تهراق على خدودهم
وليس الذي يجري من العين ماؤها***ولكنها روح تسيل فتفطر
ينتهي بالنبي صلى الله عليه وسلام وصحابته المطاف اخير
بتبوك فيقيمون بها بضع ليالي ويا لتلك الليالي احداث حافلة روى البيهقي من
حديث يزيد بن هارون انه لما نام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة في تبوك
اتاه جبريل فامره ان
يصلي صلاة الغائب على معاوية بن معاوية الليثي فقد توفي
بالمدينة ذلك العبد العابد الزاهد فكانما تسائل النبي صلى الله عليه وسلم
لما فاخبر انه كان يقرا قل هو الله احد قائما وقاعدا وعلى جنب هذا حدث صغير
من احداث كثيرة جرت
هناك ويقيم صلى الله عليه وسلم على مقربة من الروم وقد
افزعهم ويكاتب رسلهم ويفرض عليهم الجزية ولم يلقى كيدا منهم لان الله عز
وجل نصره بالرعب مسيرة شهر فلم يقرب الروم منه ولم يلقى منهم كيدا وفي هذه
الاثناء يرسل خالدا
على راس اربعمائة جندي الى اكيدر ملك دومة الجندل ويخبره
انه سيلقاه بصيد بقر الوحش خرج خالد ولما بلغ على مقربة من القصر وجده كما
اخبره صلى الله عليه وسلم قد خرج للصيد فاسره واخذ منه قباءا مخوصا بالذهب
فارسله الى
النبي صلى الله عليه وسلم قبل ان يذهب اليه فلما راه
المسلمون تعجبوا منه فقال لهم المصطفى مزهدا لهم في زخرف الحياة الدنيا
اتعجبون من هذا لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذا قدم خالد بالاكيدر
فحقن النبي صلى الله عليه
وسلم دمه وضرب عليه الجزية ولكنه مجرم نقض العهد في
خلافة ابي بكر رضي الله عنه فقتله خالد بن الوليد سيف الله المسلول رضي
الله عنه وهكذا عاد المسلمون منصورين فرحين بمن الله وكرمه .
_هل رايتم اخواني كيف يبتلي الله عباده فان اطاعوه نصرهم وان خذلوه فالويل عليهم .
_هل رايتم ان الحرب والجهاد لاتشترط فيه تكافؤ الموازين.
_هل رايتم الى ذلة وصغارة اعداء الله .
_هذه قصة نشم منها النسائم علها
توقظ العزائم نسال الله ان يرد مجدنا الضائع وان ينصر اخواننا المستضعفين
في كل مكان في فلسطين وغيرها انه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على
نبينا الكريم وعلى صحابته اصحاب الفضل
والتكريم ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين .