يـوم عاشـوراء بـين مراسم الفرح والعزاء
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وآله الأطهار وأصحابه الأخيار.
وبعـد:
أخي الحبيب الغالي: هذه
كلمات كتبتها ببناني وقلتها بلساني.. وأقسم بالله الذي لا إله إلا هو أنني
ما أردت بها إلا الخير لك في الدنيا والآخرة، وهي تدور حول الشعائر
الحسينية في عاشوراء، وبيان موقف الأئمة عليهم السلام منها، وتوضيح منهجهم
الصحيح في مثل هذه الشعائر، وكذا موقف أهل السنة والجماعة منها أيضاً، وهي
بحمد الله متوافقة مع بعضها البعض كما سيظهر لكَ جلياً أثناء قراءتكَ لهذه
الكلمات والنقولات عن الأئمة عليهم السلام، وهي كثيرة وكثيرة جداً، ولعلك
ترى هذا ظاهراً في كتاب: (من قتل الحسين ع) فليراجع!! وهنا إنما أردت فقط
توضيح المراد باختصار دون إطالة، واقتصرت على ما يكفي الحاجة من البيان
والإيضاح، وخير الكلام ما قل ودل.
فتوى شيخ الإسلام في بدع يوم عاشوراء
أقول مستعيناً بالله تعالى/ سُئِلَ شيخ الإسلام
ابن تيمية -رحمه الله- عما يفعله بعضُ الناس في عاشوراء من الكحل والاغتسال
والحناء والمصافحة وإظهار السرور، هل لهذا أصل صحيح في الدين أم هو بدعة؟
وكذلك ما يفعله بعض الناس من المآتم والحزن والعطش والندب والنياحة وشق
الجيوب هل له أصل؟!
فقال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "الحمد لله رب
العالمين، لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم، ولا عن أصحابه، ولا استحب ذلك من أئمة المسلمين، لا الأئمة الأربعة
ولا غيرهم، ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئاً عن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم ولا أصحابه ولا التابعين، لا صحيحاً ولا ضعيفاً، لا في كتب
الصحيح، ولا السنن ولا المسانيد، ولا يعرف شيء من هذه الأحاديث على عهد
القرون المفضلة" انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
موقف أهل السنة من قتل الحسين!
والذي أود ذكره هنا: أنه ينبغي أن يعلم جيراننا
في الوطن والسكن وأبناء منطقتنا أننا معشر السنة والجماعة نرفض رفضاً باتاً
أي احتفالات في هذه الأيام من محرم وخاصة يوم العاشر منها، فليست أيام
عيد، ولا يحتفل بها، بل نعتقد بأن الاحتفال بها بدعة منكرة ولا تجوز....،
وهذا ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في السؤال الآنف
الذكر.
والعجب كل العجب أن يتحدثَ بعضُ الناس عنا كذباً
وزوراً أننا نحتفل بهذا اليوم فرحاً بمقتل الحسين بن علي عليه السلام، ونحن
نعتقد أن الحسين عليه السلام قد قتل مظلوماً، ولا شك ولا ريب عندنا في
ذلك؛ بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وأما من قتل الحسين
عليه السلام، أو أعان على قتله، أو رضي بذلك فعليه لعنة الله والملائكة
والناس أجمعين" [مجموع الفتاوى (4/487)].
وهذا هو إمام أهل السنة والجماعة عندنا، والذي
يعتقد كثير من الشيعة أنه أشد أعداء الشيعة، ولذا تجدهم يبغضونه ويلعنونه،
فهذا موقفه رحمه الله من الحسين عليه السلام، وممن قتلوه واستباحوا دمه
ظلماً وعدواناً، عليهم من الله ما يستحقون.
ولكننا معشر أهل السنة نرى صيام هذا اليوم، وقد
ثبت صيامه عندنا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وثبت عند الشيعة أيضاً
بمرويات الأئمة عليهم، وهي روايات ثابتة معتمدة في الكتب الأربعة المعتمدة
لدى الشيعة.
كيفية قتل الحسين وكتم خبر ذلك
ويؤسفنا أن هذه الروايات لا يذكرها علماؤكم، كما
يؤسفنا ثانياً أنهم لا يذكرون متى بدأت تلك المآتم والتي لم يفعلها الأئمة
عليهم السلام، وأسفنا الثالث أنهم عند ذكر قصة استشهاد الحسين عليه السلام
يوردون تحريفات كثيرة جداً، وذلك من خلال تصيد الروايات الضعيفة والمكذوبة،
وإلا فإن قتلة الحسين عليه السلام هم أهل الكوفة وحدهم دون غيرهم ولم
يشاركهم أحد، فعليهم من الله ما يستحقون، وهم الذين كذبوا على الحسين عليه
السلام وخدعوه وخانوه وتخلو عنه كما تخلو عن أبيه وأخيه من قبله، وأسفنا
الرابع أنهم لا يذكرون إخوان الحسين عليهم السلام الذين استشهدوا معه في
كربلاء وهم أبو بكر وعمر وعثمان أبناء علي بن أبي طالب عليهم السلام،
فلماذا؟
بل لا يوجد لهم حتى مجرد ذكر أو ترحم، فلماذا؟
والجواب: أن عدم ذكر أسمائهم إنما هو خوف من
تساؤل عوام الشيعة، لم سم الإمام علي عليه السلام أولاده بهذه الأسماء؟
أليست التسمية دالة على المحبة والرضى!
وأسفنا الخامس: أن الأمة تعيش هذه الأيام محناً
ومصائب وافتراقاً وضعفاً، ومع ذلك تجد أن خطباء المنبر الحسيني ليس لهم هم
إلا التنقيب في التاريخ وإحياء الفتن واختلاقها وترويجها مع أنه لا أساس
لها من الصحة!!
موقف أهل السنة وآل البيت فيمن جعل يوم عاشوراء مأتماً
وموقفنا نحن أهل السنة من هذه المآتم هو كما ذكره
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى الآتي ذكره، فاصبر -أخي وعزيزي-
رويدك قليلاً ولا تتعجل في الحكم حتى تتم قراءة كلامه وترى بعينك أيضاً
روايات الأئمة رضوان الله عليهم في حكم هذه الاحتفالات وهذه المآتم.
يقول رحمه الله تعالى عن الذين يجعلون عاشوراء
مأتماً: "والذي أمر به رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في المصيبة –إذا كانت
جديدة- إنما هو الصبر والاحتساب والاسترجاع... وإذا كان الله تعالى قد أمر
بالصبر عند حدثان العهد بالمصيبة، فكيف مع طول الزمان، فكان ما زينه
الشيطان لأهل الضلال والغي من اتخاذ يوم عاشوراء مأتماً، وما يصنعون فيه من
الندب والنياحة وإنشاد قصائد الحزن، وكلا الطائفتين مخطئة خارجه عن السنة،
ولم يسن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا خلفاؤه الراشدون في
عاشوراء شيئاً من هذه الأمور، لا شعائر الحزن والترح ولا شعائر السرور
والفرح..." [مجموع الفتاوي (2/915)].
إذاً: فالنهي ثابت عند أهل السنة، وهو أيضاً ثابت عند الشيعة فمن ذلك:
عن محمد بن علي بن الحسين عليه السلام الملقب بالباقر: [[النياحة من عمل الجاهلية]]، [وسائل الشيعة (2/915)].
وعن جعفر الصادق عن آبائه عليه السلام قال: نهى رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم عن الرنة عند المصيبة، ونهى عن النياحة والاستماع إليها. [وسائل
الشيعة (2/915)].
وعن علي عليه السلام قال: ثلاث من أعمال الجاهلية لا يزال فيها الناس
حتى تقوم الساعة: الاستسقاء بالنجوم، والطعن في الأنساب، والنياحة على
الموتى [بحار الأنوار (82/225)].
وعن الصادق عليه السلام أنه قال: [[لا يصلح الصياح على الميت ولا ينبغي، ولكن الناس لا يعرفون]] [الكافي (3/226)].
وعنه عليه السلام أنه قال: [[لا ينبغي الصياح على الميت، ولا بشق الثياب]] [الكافي (3/225)].
وعن فضل بن ميسر قال: [[كنا عند أبي عبد الله عليه السلام فجاءه رجل
فشكى إليه مصيبة أصيب بها، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: أما إنك إن
تصبر تؤجر، وإلا تصبر يمضي عليك قدر الله الذي قدر عليك وأنت مأزور]]
[الكافي (3/225)].
فتأمل -أيها القارئ الكريم!- فتح الله قلبك لهداه أن الواجب عند المصيبة
الصبر والاحتساب لا الضجر والاعتراض، ولا يمكن تغير شيء من المصائب لأنها
وقعت وانتهت ومضى فيها أمر الله سواء صبر المبتلى أو لم يصبر لن يغير
شيئاً، لكن إن صبر أجر وحاز على الثواب، وإن لم يصبر وسخط أثم وفاته الثواب
ولم يغير شيئاً، فهل استفدنا طيلة اثني عشر قرناً من البكاء، وضرب
القامات، وإيذاء النفس بل ربما قتلها، فأصبحت المصيبة مصيبتان: قتل الحسين
عليه السلام، وإيذاء لأنفسنا وارتكابنا لِمَا نهانا عنه رسوله صلى الله
عليه وآله وسلم، ونهانا عنه الأئمة عليهم السلام.
المآتم ليست من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته
ونقول بعد هذا: لقد قتل كثير من الأنبياء عليهم
السلام، ولم يفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل هذه الأمور ألبتة،
وكذلك قتل عدد من أهل بيت النبوة كحمزة وجعفر رضي الله عنهم أجمعين في زمن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يفعل لهما رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم شيئاً، ولم يضع لهم أيضاً قبوراً ولا مزارات ولا غيرها مع فضل
كلٍ منهما وحب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لهما حباً شديداً، وكذا
الحال في خديجة رضي الله عنها.
وكذلك قُتِلَ الإمام علي عليه السلام ولم يفعل له
أولاده عليهم السلام شيئاً، وعلى رأسهم الحسن والحسين عليهما السلام، فهل
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولاد الإمام علي عليه السلام على خطأ؟!
فانظر -أيها القارئ الكريم- بعين التفكر
والاعتبار لا بعين التكبر والعناد!! واعلم أنه ليس لك في الآخرة إلا ما
قدمت من العمل الصالح بعد رحمة الله تعالى... أسأل الله تعالى أن يفتح
بكلامي هذا قلوباً غلفاً، وأعينناً عمياً، وآذاناً صماً (اللهم آمين).
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.