كلام نفيس لشيخ الاسلام- رحمه الله
كلام نفيس لشيخ الاسلام- رحمه الله - لمن يتقدم لوظيفة للعمل ومن له الولاية في تعيين الموظفين والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة!!
فإن النبي صلى الله عليه و سلم لما فتح مكة وتسلم مفاتيح الكعبة من بني شيبة طلبها منه العباس ليجمع له بين سقاية الحاج وسدانة البيت فأنزل الله هذه الآية بدفع مفاتيح الكعبة إلى بني شيبة فيجب على ولي الأمر أن يولي على كل عمل من أعمال المسلمين أصلح من يجده لذلك العمل قال النبي صلى الله عليه : [ من ولي من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله ]
وفي رواية [ من قلد رجلا عملا على عصابة وهو يجد في تلك العصابة أرضى منه فقد خان الله ورسوله وخان المؤمنين ] رواه الحاكم في صحيحه وروى بعضهم أنه من قول عمر لابن عمر روى ذلك عنه وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : من ولى من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا لمودة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله والمسلمين
وهذا واجب عليه فيجب عليه البحث عن المستحقين للولايات من نوابه على الأمصار من الأمراء الذين هم نواب ذي السلطان والقضاة ومن أمراء الأجناد ومقدمي العساكر والصغار والكبار وولاة الأموال من الوزراء والكتاب والشادين والسعاة على الخراج والصدقات وغير ذلك من الأموال التي للمسلمين وعلى كل واحد من هؤلاء أن يستنيب ويستعمل أصلح من يجده وينتهي ذلك إلى أئمة الصلاة والمؤذنين والمقرئين والمعلمين وأمير الحاج والبرد والعيون الذين هم القصاد وخزائن الأموال وحراس الحصون والحدادين الذين هم البوابون على الحصون والمدائن ونقباء العساكر الكبار والصغار وعرفاء القبائل والأسواق ورؤساء القرى الذين هم الدهاقون
فيجب على كل من ولي شيئا من أمر المسلمين من هؤلاء وغيرهم أن يستعمل فيما تحت يده في كل موضع أصلح من يقدر عليه ولا يقدم الرجل لكونه طلب الولاية أو يسبق في الطلب بل ذلك سبب المنع فإن في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ أن قوما دخلوا عليه فسألوه ولاية فقال : إنا لا نولي أمرنا هذا من طلبه]
وقال لعبد الرحمن بن سمرة : [ يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة فإن إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليه ] أخرجاه في الصحيحين وقال صلى الله عليه و سلم : [ من طلب القضاء واستعان عليه وكل إليه ومن لم يطلب القضاء ولم يستعن عليه أنزل الله إليه ملكا يسدده ] رواه أهل السنن فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره لأجل قرابة بينهما أو ولاء عتاقة أو صداقة أو موافقة في بلد أو مذهب أوطريقة أو جنس كالعربية والفارسية والتركية والرومية أو لرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة أو غر ذلك من الأسباب أو لضغن في قلبه على الأحق أو عداوة بينهما فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ودخل فيما نهى الله عنه في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون } ثم قال { واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم }
فإن الرجل لحبه لولده أو لعتيقه قد يؤثره في بعض الولايات أو يعطيه ما لا يستحقه فيكون قد خان أمانته كذلك قد يؤثره زيادة في ماله أو حفظه بأخذ ما لا يستحقه أو محاباة من يداهنه في بعض الولايات فيكون قد خان الله ورسوله وخان أمانته ثم أن المؤدي للأمانة مع مخالفة هواه يثبته الله فيحفظه في أهله وماله وبعده والمطيع لهواه يعاقبه الله بنقيض قصده فيذلك أهله ويذهب ماله وفي ذلك الحكاية المشهورة أن بعض خلفاء بني العباس سأل بعض العلماء أن يحدثه عما أدرك فقال : أدركت عمر بن عبد العزيز فقيل له : يا أمير المؤمنين أقفرت أفواه بنيك من هذا المال وتركتهم فقراء لا شيء لهم وكان في مرض موته فقال : أدخلوهم علي فأدخلوهم بضعة عشر ذكرا ليس فيهم بالغ فلما رآهم ذرفت عيناه ثم قال : يا بني والله ما منعتكم حقا هو لكم ولم أكن بالذي آخذ أموال الناس فأدفعها إليكم وإنما أنتم أحد رجلين : إما صالح فالله يتولى الصالحين وإما غير صالح فلا أترك له ما يستعين به على معصية الله قوموا عني قال : فلقد رأيت بعض ولده حمل على مائة فرس في سبيل الله يعني أعطاها لمن يغزو عليها
من كتاب السياسة الشرعية لشيخ الاسلام-رحمه الله وعوض الأمة خيرا منه
__________________
قال ابن تيمية - رحمه الله "من تدبر القرآن طالباً للهدى منه تبين له طريق الحق".