بِمَ تَمَيَّزَ الصَّحَابَةُ عَنَّا ؟!
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وأصحابه أجمعين .. أما بعد :
قال الله ـ تعالى ـ : {
وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ
وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ
عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }( سورة التوبة / 100 ) ، وقال ـ تعالى ـ : {
لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ
الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ
يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ
رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }( سورة التوبة / 117 ) ، وقال ـ تعالى ـ :{
لَقَدْ رَضـــــــــــــِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُـــــــــــؤْمِنِينَ إِذْ
يُبَايِعُونَكَ تَحْــــــــــــتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي
قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّـــــــــكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ
فَتْحاً قَرِيباً }( سورة الفتح / 18 ) .
فلا
زالت الأمم تنظر لعظماءها نظرة إجلال وتقدير ، محاولة التأسي بهم ، وتذكر
فضائلهم ، وتنشر دعوتهم ، وإن من هذه الأمم ( أمة الإسلام ) ، وأبرز
عظماءها هو نبيهم محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، ومن بعده الخلفاء
الراشدون ، ومن بعدهم سائر الصحابة ـ رضي الله عنهم جميعاً ـ ، وجيل
الصحابة جيل فريد من نوعه لم ـ ولن ـ يأتِ مثله جيل ـ أبداً ـ ، إلا من كان
مقتـــــــــدياً ـ ومتشبهاً ـ بهم ، و كما قيل ـ : ( التشبه بالكرام ؛
فلاحُ ) ، وهم آباؤنا ـ على الحقيقة ـ وحُقَ لنا أن نفتخر بهم ، وكما قال
الفــرزدق ـ يفتخر على جرير ـ :
أولئِكَ آبَائِـــــي ؛ فَجِئْنِي بِمِثْلِهِـــمْ
إِذا جَمَــــــــــعَتْنَا ـ يَا جَرِيــــرُ ـ الْمَجَامِعُ
وأسميتُ مقالي ـ هذا ـ : (مَا الَّذِي مَيَّزَ الصَّحَابَةَ عَنَّا ) ؟ ،
ولم أسَمِّهِ : ( مَا الفَرْقُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الصَّحَابَة ) ! ؛ لأن
الفرق يكون بين شيئين متقاربين ! ، أما التمايز ؛ فيكون بين شيئين متباعدين
! ، ولا يستقيم أن نقارن أنفسنا بالصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ؛ لبعد
المسافة ـ في الفضل ـ بيننا وبينهم ، وأين ( الثرى ) من ( الثريّا ) ؟! ،
ومن ذلك قول الشاعر :
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الــــــسَّيْفَ يَنْقُصُ قَدْرُهُ إِذَا قِيِلَ إِنَّ السَّيْفَ أَمْضَى مِنَ العَصَا ؟
و ( أمضى ) أي : ( أسرع في الفتك و القتل ) ، فلا يُقارَن السيف بالعصا ، ولكن قل : ( السيف ) وكفى !! .
وإن مما قد تَميَّز الصحابة ـ رضي الله عنهم به ـ عنَّا ـ بإجمال ـ ؛ هي ـ في إستقرائي ـ ثلاثة أمور هامة ، وهي :
ـ أولاً : ( حُبُهُمْ لِلنَّبِيِّ مُحَمَّدٍَ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَالسَلامْ ـ
) .. نعم ؛ إنه الحب الذي بلغوا فيه أعلى المراتب ، وأسماها ، وأعظمها ،
حُبٌّ لم يصل إليه أحدٌ غيرهم ـ قَطُّ ـ ، متوسمين ـ في ذلك ـ قول النبي ـ
صلى الله عليه وآله وسلم ـ : ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده
وولده والناس أجمعين ) رواه البخاري ومسلم ،ومعنى
هذا أن محبة الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ من لوازم الإيمان
وواجباته فلا يتحقق كمال الإيمان بدونها ، وقوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم
ـ : ( ثلاث من كُنَّ فيه ؛ وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب
إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في
الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ) رواه البخاري ومسلم
، وقد سئل علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ : كيف كان حبكم لرسول الله ـ
صلى الله عليه وآله وسلم ـ ؟ ، قال : ( كان ـ والله ـ أحب إلينا من
أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ، ومن الماء البارد على الظمأ ) ! ،
وإلـيك ـ أخي الحبيب ـ نماذج من حب هؤلاء الأصحاب لِلنَّبِيِّ ـ عليه
الصلاة والسلام ـ ؛ لترى مدى الفرق الشاسع بيننا وبينهم ...
◄ـ يقول
خليفة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أبو بكر الصدّيق ـ رضي الله
عنه ـ : كنَّا في الهجرة وأنا عَطِشٌ ؛ فجئت بمذقة لَبَنٍ ! ، فناولتها
للرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، وقلت له : إشرب يا رسول الله ، يقول
أبو بكر : فَشَرِبَ النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ حتى ( إرتويت ) !! ،
ولم يقل : ( حتى إرتوى رسول الله ) !! ؛ فكأن أبا بكر هو الذي إرتوى ؛ لأن
النبـي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ شَرِِبَ !! ، فهل رأيت حُبَّاً مثل
هذا ؟! .. وأين نحن من هذا الحب ؟! .
ـ
وإليك موقفا آخر للصدِّيق ـ رضي الله عنه ـ : ففي يوم فتح مكة أسلم ( أبو
قحافة ) ـ أبو سيدنا أبو بكر ـ ، وكان إسلامه متأخرا ـ جدا ـ وكان قد
عَمِيَ ، فأخذه سيدنا أبو بكر وذهب به إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛
ليعلن إسلامه ، ويبايع النبــــــي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، فقال
النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : ( يا أبا بكر ! ؛ هلا تركت الشيخ في
بيته ، فذهبنا نحن إليه ) ؟ ، فقال أبو بكر : ( لأنت أحق أن يُؤتى إليك يا
رسول الله ) ! .. وأسلم أبو قحافة.. ؛ فبكى سيدنا أبو بكر الصديق ، فقالوا
له : هذا يوم فرحة ! ؛ فأبوك أسلم ونجا من النار ؛ فما الذي يبكيك ؟! ،
تخيّل ماذا قال أبو بكر ؟ ، قال : ( لأني كنت أحب أن الذي بايع النبي ـ
الآن ـ ليس أبي ولكن أبو طالب ـ عمُّ النبي ـ ! ؛ لأن ذلك كان سيسعد النبي
أكثر ) .. سبحان الله !! ، فرحته لفرح النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ
أكبر من فرحته لأبيه !! ، فهل رأيت حُبَّاً مثل هذا ؟! .. وأين نحن من هذا
الحب ؟! .
◄
ـ وهذا الفاروق ، أمير المؤمنين عمر ـ رضي الله عنه ـ يقول: كنت أمشي مع
النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ومعنا بعض أصحابه ، وأخذ رسول ـ صلى
الله عليه وآله وسلم ـ بيدي ومشى ، يقول عمر ـ رضي الله عنه ـ : فوجدت نفسي
أقــــــول : ( والله يا رسول الله إني أحبك ) ! ؛ فقال له النـبي ـ صلى
الله عليه وآله وسلم ـ : ( أكثر من ولدك ـ يا عمر ـ ) ؟ ، قلت : ( نعم ) ،
قال : ( أكثر من أهلك ـ يا عمر ـ ) ؟ ، قلت : ( نعم ) ، قال : ( أكثر من
مالك ـ يا عمر ـ ) ؟ ، قلت : ( نعم ) ، قال ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : (
أكثر من نفسك ـ يا عمر ـ ) ؟! ، قلت : ( لا ) ! ، فقال النبي ـ صلى الله
عليه وآله وسلم ـ : ( لا ـ يا عمر ـ ، لا يكمل إيمانك حتى أكون أحب اليك من
نفسك ) ، يقول عمر ـ رضي الله عنه ـ : ( فخرجت ففكرت ، ثم عدت أهتف بها :
والله يا رسول الله ؛ لأنت أحبَّ اليّ من نفسي ) ! ؛ فقال النبي ـ صلى الله
عليه وآله وسلم ـ : ( الآن ـ يا عــــمر ـ الآن ) !! ، فقال عبد الله بن
عمر : ( ماذا فعلت ـ يا أبي ـ لتعود بها ) ؟ ، فقال عمر : ( يا بُنَي ؛
خرجت أسأل نفسي : من أحتاج يوم القيامة أكثر ، نفسي أم رسول الله ؟ ، فوجدت
حاجتي إليه أكثر من حاجتي إلى نفسي ، وتذكرت كيف كنت في الضلال وأنقذني
الله به ) !! ، فهل رأيت حُبَّاً مثل هذا ؟! .. وأين نحن من هذا الحب ؟! .
◄
ـ وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ ينام في فراش
النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يوم الهجرة ، فاديا ـ بجسده ـ النبي ـ
صلى الله عليه وآله وسلم ـ حينما أراد الكفار قتله ، ليستقبل علي ـ رضي
الله عنه ـ الموت بدلا من الــــنبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ !! ، فهل
رأيت حُبَّاً مثل هذا ؟! .. وأين نحن من هذا الحب ؟! .
والحب
ـ وإن كان من أعمال القلوب ـ لا بد أن يثمر ـ بثمار طيبة ـ على الجوارح (
الأقوال والأفعال ) ، وأبرز ثماره وأزكاها وأطيبها هو : ( صِدْقُ الإتِّباع
) ! ، وهذا ما تَمَيَّزَ به صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ
.....
ـ ثانياً : ( شِدَّةَ إِتِّبَاعِهِم لِلنَّبِيِّ مُحَمَّدَاً ـ عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَالسَلامْ ـ ) .. نعم ؛ لم يصل أحد في الإتِّباع أقصاه مثل الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ، متوسمين قول الله ـ تعـالى ـ :{ ... فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُـولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُـوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتـــَدُونَ }( سورة الأعراف / 158 ) ، وقوله ـ تعالى ـ : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُـورٌ رَّحِيمٌ }( سورة آل عمران / 31 ) ، وقوله ـ تعالى ـ : {
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ
إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ
بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }( سورة الأنفال / 24 )،
و( الإتباع ) هو دليل المحبة الأول وشاهدها الأمثل ، وهو شرط صحة هذه
المحبة ، وبدونه لا تتحقق المحبة الشرعية ولا تتصور بمعناها الصحيح ، وبه
يتميز المحب الصادق من المدَّعي للمحبة زوراً ! ، قال الحسن البصري ـ رحمه
الله ـ وغيره من السلف ـ : ( زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه
الآية فقال : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ }) ، ومن أبرز مظاهر الحب ( الصادق ) للنبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ هـــــــو : ( الاقتداء
به وإتِّباع سنته ، وإتباع أقواله وأفعاله ، وامتثال أوامره واجتناب
نواهيه ، والتأدب بآدابه في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه ، وإيثار ما شرعه على
هوى نفسه وموافقة شهواته ) ! ، وإليك ـ أخي ـ نماذج من شِدَّةِ
إِتِّبَاع هؤلاء الأصحاب لِلنَّبِيِّ ـ عليه الصلاة والــسلام ـ ؛ لترى مدى
الفرق الشاسع بيننا وبينهم .
◄
ـ فهذا عبد الله بن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهما ـ الذي كان يوصف بأنه
من أشد الصحابة تمسكاً بهدي النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، حتى قالت
أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( ما كان أحد يتبع آثار النبي - صلى
الله عليه وآله وسلم - في منازله ، كما كان إبن عمر يتبعه ) ! ، وقال نافع
: لو نظرت إلى إبن عمر إذا اتَّبع أثر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛
لقــــلت : هذا مجنون ) ! ، ومن ذلك : أنه كَانَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ
يَقُولُ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ يُثْنِيهَا وَيَقُولُ : ( لَعَلَّ خُفًّا
يَقَعُ عَلَى خُفٍّ ) ، أي : يريد أن يقع خف راحلته على أثر خف راحلة النبي
ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ !! ، ومنها : أنه كان يأتي شجرة بين مكة
والمدينة فيقيل تحتـــــها ـ أي : ينام ـ ، ويخبر أنَّ رسول الله ـ صلى
الله عليه وسلم ـ كان يفعل ذلك ، ومنها : قول النبي ـ صلى الله عليه وآله
وسلم ـ : ( نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل ) ؛ قال : فكان عبد
الله لا ينام ـ بَعْدُ ـ من الليـــــل إلا قليلاً ! . بالله عليك ـ أخي
الحبيب ـ ؛ من كان هذا حاله في هذه الأمور ؛ فكيف يكون حالة مع أعظم الأمور
، في أقوال النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وأوامره ونواهيه ؟! .
◄
ـ وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ـ رضي الله عنهما ـ ، أَنّ رَسُولَ
اللَّهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ رَأَى خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ
رَجُلٍ ؛ فَنَزَعَهُ ، وَطَرَحَهُ ، وَقَالَ : ( يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى
جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ ) ! ، فَقِيلَ لِلرَّجُلِ ـ
بَعْدَمَا ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : خُذْ
خَاتَمَكَ انْتَفِعْ بِهِ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ لا آخُذُهُ أَبَدًا وَقَدْ
طَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ !! .
بالله
عليك ـ أخي الحبيب ـ ؛ من كان هذا حاله في هذه الأمور التي تبدو بسيطة ـ
لأول وهلة ـ ؛ فكيف يكون حالة مع أعظم الأمور ، في أقوال النبي ـ صلى الله
عليه وآله وسلم ـ وأوامره ونواهيه ؟! .
◄
ـ ومن ذلك ـ بل أشد من ذلك ! ـ ما ورد عن عُمَرَ بن الخطاب ـ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ ـ أَنَّهُ حِيْنَ جَاءَ إِلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ
فَقَبَّلَهُ ؛ فَقَالَ : إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ
تَنْفَعُ ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ !! . رواه البخاري ومسلم .
◄
ـ ومن ذلك مَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ أَنَّهُ صَلَّى فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ ؛ فَخَلَعَ
النَّاسُ نِعَالَهُمْ ! ، فَلَمَّا انْصَرَفَ ؛ قَالَ لَهُمْ : ( لِمَ
خَلَعْتُمْ ) ؟! ، قَالُوا : رَأَيْنَاك خَلَعْت فَخَلَعْنَا !! ، فَقَالَ :
( إنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ بِهِمَا خَبَثًا ، فَإِذَا
جَاءَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ ؛ فَلْيُقَلِّبْ نَعْلَيْهِ وَلْيَنْظُرْ
فِيهِمَا ، فَإِنْ رَأَى ؛ فَلْيَمْسَحْهُ بِالْأَرْضِ ، ثُمَّ لِيُصَلِّ
فِيهِمَا ). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغيْرُهُمَا ، فلم ينتظروا حتى نهاية الصلاة ليسألوه عن العلَّة ! ؛ لعظيم حبهم له ، وإتباعهم له ! .
فإذا
وصلوا بذاك الحب في المرتبة أعلاها ، وأثمر ـ ذلك ـ ( شِدَّةَ
إِتِّبَاعِهِم لِلنَّبِيِّ مُحَمَّدَاً ـ عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَالسَلامْ ـ )
؛ فلا بد أن يستحقوا ـ إذن ـ الميزة الثالثة التي تميزوا بها عَنَّا ،
وتفردوا بها عَنَّا ، وهي :
ـ ثالثاً : ( البَشْرَى ـ لَهُمْ ـ بِالجَنَّةِ
) .. نعم ؛ إنها الجنة ، إنها سلعة الله الغالية ، إنها ثمن الحب الصادق
للنبي محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، إنها ثمرة الإنقياد والطاعة
المطلقة للنبي محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، قال الله ـ تعالى ـ: { وَالسَّابِقُونَ
الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِـــــــــــــرِينَ وَالأَنصَــــارِ
وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِــــــيَ اللّهُ عَنْهُمْ
وَرَضُـــــواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا
الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيـمُ }( سورة التوبة / 100 ) ، وقال ـ تعالى ـ : {
الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ
بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ
وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ{20} يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ {21} خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ {22}}( سورة التوبة / 21،22 )
، وهذا تبشير لهم بعمومهم ، وهناك تبشير بالخصوص لبعضهم دون البعض الآخر ؛
إشعارا بمزيد فضلهم ، كالخلفاء الراشـــــدين ـ وغيرهم ـ ، ورحم الله
الشاعر حين قال :
فَتَشَبَّهُوا إِنْ لَمْ تَكُونُوا مِثْلَهُمْ إِنَّ التَشَــــــــــبَّهَ بِالكِــــــرَامِ فَلَاحُ
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وأصحابه أجمعين .