حقيقه الموت
حقيقه الموت
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.. وبعد:
الموت في منظار العقل السليم
الموت حق ولكن جميع الناس يكرهون هذا الحق، حيث لا بد من الرحيل إلى دار البرزخ عند انتهاء الأجل، لو نظر أحدنا إلى ميت فارق الحياة ثم تفكر به وتدبر لوصل إلى الحقائق التالية:
1- الموت معناه انتهاء الأجل من هذه الدنيا، والرحيل منها إلى غير رجعة، وهو أمر لابد منه مهما طال العمر؛ بدليل قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران: 185].
2- الموت فراق للأهل والمال والولد، وكلهم يقفون عاجزين أمام القدر المحتوم لا يستطيعون حيلة ولا تقديمًا ولا تأخيرًا، قال تعالى: إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [يونس: 49].
3- خروج الروح من الجسد وبقاؤه جثة هامدة لا حراك بها ولا إرادة ولا قوة ولا عقل ولا تفكير، قال تعالى: كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ [القيامة: 26-29].
4- الموت وصول إلى نهاية المطاف في هذه الحياة، وهدم لما رسمه العقل من مخططات مستقبلية، وصدق الله العظيم حيث قال: وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ [الإنسان: 30].
5- الموت وفاة حتمية؛ بدليل قوله تعالى: اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا [الزمر: 42]. وهو يأتي بدون موعد مسبق.
6- الموت ضد الحياة، وهو ليس بالشيء الملموس أو المحسوس، وإنما هو عمل خفي يقوم به ملك الموت أو الملائكة بقبض الروح بأمر من الله سبحانه، قال تعالى: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ [السجدة: 11]، وقال أيضًا: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ [الأنعام: 61].
7- الموت ليس آلة تقطع الحلقوم أو تبتر الشريان أو الوتين، أو تأتي إلى مواضع القتل في جسم الإنسان أو ذوات الأرواح، وإنما هو زهق للروح وإخراجها من بين العصب والعظم واللحم والدم، بصعوبة شديدة كما يُنتزع الصوف المبتل بالماء من الشوك، لذلك كان للموت آلام سميت سكرات بدليل قوله : « إن للموت لسكرات » [متفق عليه].
8- الموت فراق للدنيا وانتقال إلى دار البرزخ في القبر الذي إما أن يكون روضا من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.
9- الموت تذكرة للأحياء عندما يرون الميت منهم ويحملونه إلى المقبرة ليواروه الثرى، وكيف ترك كل ما يملك والتفت الساق بالساق في كفن لا جيب له.
10- الموت حق ينتظره كل مخلوق على ظهر هذه الأرض، وهو يجهل موعده ومكانه، قال تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان: 34]، ولا يمكن الهروب منه أو الاختفاء عنه أو التحصن دونه؛ بدليل قوله تعالى: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء: 78].
11- الموت جانب من جوانب عدالة الله سبحانه في هذه الأرض؛ فكل مخلوق سيموت، قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران: 185]. ولا يعلم ماهية قبض الروح إلا الخالق عز وجل؛ فمنهم النازعات ومنهم الناشطات ومنهم الفجاءة، قال تعالى: وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا [النازعات: 1، 2]، وقال : « موت الفجاءة أخذة أسف » [رواه أحمد وأبو داود].
12- الموت يعني حضور ملائكة وجثومهم على جسده الذي انقضى أجله، وهو يراهم ولكن لا يستطيع دفاعًا أو ردًا، بينما أهله من حوله لا يرونهم، قال تعالى: فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ [الواقعة: 83-85].
13- الموت خروج من سجن الدنيا التي هي جنة الكافر وسجن المؤمن، وتمتُّع الروح بنعيم أعده الله لعباده المتقين أو ذوقها العذاب الأليم إن كانت روح كافر، قال سيدنا بلال لزوجته وهي تبكيه وتقول واحزناه: بل قولي وافرحتاه، غدًا ألقى الأحبة محمدًا وصحبه. وقال سبحانه: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا [غافر: 46]. وهذه الآية خاصة في عذاب القبر بعد الموت اعاذن الله وياكم من النار.
14- الموت خلاص من هم الحياة الدنيا وتعبها وانتقال إلى ما هو أدهى وأمر: سؤال القبر وضمته وعذابه وظلمته ووحشته؛ حيث لا مؤنس إلا صالح العمل، ولا منقذ إلا تثبيت المولى عز وجل القائل: يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم: 27].
15- الموت يعني طي صحائف العمل في هذه الدنيا؛ لأن العمل ينقطع بالموت، وليس للميت بعد موته إلا صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له.
16- الموت توقف حركة الحياة بالنسبة للميت؛ فلا طعام ولا شراب ولا بيع ولا شراء ولا أخذ ولا رد، وانتقاله إلى ما بعد الموت؛ حيث يتم السؤال ويجسَّد العمل ويسلم على صاحبه في القبر؛ إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر، ثم تفتح له كُوَّة يرى مقامه في عليين أو في النار على حسب عمله.
17- الموت أكبر واعظ للإنسان إن كان منحرفًا عن جادة الصواب كي يثوب إلى رشده ويتوب إلى الله سبحانه مما سلف ويستغفره عما فرط، وبذلك يكون قد استحيى من الله حق الحياء؛ بدليل قوله : « استحيوا من الله حق الحياء ». قلنا: يا رسول الله، إنا نستحيي ولله الحمد، قال: « ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا وآثر الآخرة على الأولى، فمن فعل ذلك فقد استحيي من الله حق الحياء » [أخرجه الترمذي].
18- الموت واحد مهما تعددت أسبابه، ولكن إرادة الله عز وجل قضت بخلق الأسباب لينفذ القضاء والقدر، وصدق من قال:
من لم يمت بالسيف مات بغيره
تعددت الأسباب والموت واحد
19- الموت إشارة إلى قدرة الإله الواحد وقوته على قهر المتكبرين وإذلال المتسلطين، وهذا واحد من المعاني العظيمة التي تتضمنها كلمة (الله أكبر) عندما يرددها الإمام والمصلون خلفه أربع مرات أثناء الصلاة على الجنازة؛ حيث لا يدفع الموت عن الإنسان قوته ولا جاهه أو سلطانه ولا ماله مهما كثر، بل لابد من الموت إذا انتهى الأجل.
20- الموت حق مكروه، ولا يوجد أحد يحبه، ومن الملاحظ أن الإنسان عندما تكبر سنه ويمتد به العمر تضعف خلايا جسده؛ ولكن تقوى عنده خصلتان أشار إليهما الرسول فقال: « يهرم ابن آدم ويشب فيه اثنتان: الحرص على المال والحرص على العمر » [مصابيح السنة]، وتراه يصارع من أجل البقاء، ويحرص خوفًا من الفقر والعَوَز، ويظن نفسه أنه باقٍ في هذه الدنيا أمدًا طويلاً.
21- الموت معناه خروج الروح من الجسد التي بقيت فيه مدة حياته في الدنيا، ولن تعود إليه إلا لسؤال القبر بعد الدفن، وللبعث بعد الموت؛ حيث النعيم بدخوله الجنة لمن آمن وعمل صالحًا ثم اتقى، أو العذاب في جهنم لمن ضل وزاغ واتبع هواه.
22- الموت حكم إلهي وقضاء مبرم على كل مخلوق في الأرض وفي السماء حسب نهاية الأجل، وسيكون بشكل جماعي يوم ينفخ في الصور، قال تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللهُ [الزمر: 68].
23- الموت أمر لا يجوز تمنيه؛ حيث نهى عن ذلك رسول الله فقال: « لا يتمنَّينَّ أحدكم الموت لضُرٍّ نزل به... » [متفق عليه].
24- الموت هادم اللذات ومفرق الجماعات بدليل قوله : « أكثروا من ذكر هادم اللذات » [رواه الترمذي]. يعني الموت.
والعجب كل العجب والعبرة كل العبرة أن هذا الموت يوم القيامة سيموت ذبحًا، وهذا جانب عظيم من جوانب قدرة الله عز وجل وقضائه. وكيف ذلك يا ترى؟ والجواب قوله : « يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي منادٍ: يا أهل الجنة. فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، ثم ينادي: يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيذبح ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، ثم قرأ: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ» [مريم: 39].
وفي الختام نسأل الله سبحانه أن يعيننا على سكرات الموت، ويرزقنا توبة قبل الموت، ورحمة عند الموت، ومغفرة يوم الحساب وأن يعتق رقابنا ورقاب أحبتنا من النار انه سميع مجيب وصل الله على خير البرية محمد بن عبد الله وعلى اله وصحبه اجمعين .