اقـــــتـــــلـــــوا الأســـــوديـــــن
اقـــــتـــــلـــــوا الأســـــوديـــــن
عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقتلوا
الأسودين في الصلاة: الحية، والعقرب " أخرجه الأربعة، وصححه ابن حبان.
الـــــشـــــرح:
قوله: " اقتلوا "
أمر، واختلف فيه هل هو للإباحة أو للاستحباب ؟ وسيأتي.
قوله: " الأسودين "
يعني الحية والعقرب، فالعقرب سوداء والحية ليست سوداء، وهذا من باب التغليب، كما يقال " العمران " لأبي بكر وعمر، و " القمران " للشمس والقمر. وغلبت العقرب لا لأنها أكبر أو أشد لسعة، ولكن لأنها أكثر طوافا بالناس.
قوله: " في الصلاة "
لا
يعني تخصيص قتلهما في هذا الحال، بل قتلهما مأمور به في حال الصلاة وخارج
الصلاة، ولكن لما كان المصلي مشغولا بصلاته، فقد يظن أنه لا يجوز أن يتشاغل
بقتل هذه المؤذيات، فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تشاغله بالصلاة
لا يمنع من قتلهما، فالإنسان مأمور بقتل الحية والعقرب، سواء في الصلاة أو
في غير الصلاة، حتى لو وجدهما في جوف الكعبة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة
والسلام: " خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم " (رواه البخاري، ومسلم) وذكر منهن العقرب، فإذا كان كذلك فإن معنى قوله: " في الصلاة " يعني: لئلا يظن الظان أنه لتشاغله في الصلاة لا يقتلهما.
مـــــن فـــــوائـــــد هـــــذا الـــــحـــــديـــــث:
._. الأمر بقتل الحية والعقرب في الصلاة.
وهل
هذا الأمر للإباحة، لأن الأصل ألا يتحرك الإنسان في صلاته إلا بما هو من
جنسها أو مصلحتها، وهذا لا علاقة له بالصلاة، فيكون الأمر للإباحة ؟ أو
الأمر هنا للاستحباب ؟
الـــــجـــــواب:
الثاني أولى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل عن قتلهما حتى يقال: إن قوله: " اقتلوا " يعني الإباحة، فهو للاستحباب، ولأن القواعد الشرعية تقتضي ذلك، حيث قال صلى الله عليه وسلم: " خمس يقتلن في الحل والحرم " وذكر منها العقرب.
._. أن كل ما كان في طبيعته الأذى من الحيوانات، فإن الإنسان مأمور بقتله، وأخذنا هذا العموم من العلة في الأمر بقتل الحية والعقرب.
._. أن ظاهره العموم في الصغار والكبار من الحيات والعقارب، فتقتل جميع الحيات والعقارب الصغار والكبار.
فإن قال قائل: إذا كان الله عز وجل قد أمر بقتلها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فما الفائدة من خلقها ؟
فـــــالجـــــواب عـــــلـــــى هـــــذا مـــــن عـــــدة أوجـــــه:
الـــــوجـــــه الأول:
بيان
قدرة الله عز وجل، حيث أودع في هذه المؤذيات ما يؤذي، وأودع في النافعات
ما ينفع، فالذئب جسمه صغير بالنسبة للبعير، والبعير أنفع، والذئب يضر،
فيستفاد من ذلك بيان تمام قدرة الله تبارك وتعالى أن خلق هذين المتناقضين.
الـــــوجـــــه الـــــثـــــانـــــي:
أن
يعرف الإنسان قدر نفسه وأن شيئا حقيرا بالنسبة له يؤذيه ويقلقه، وربما
يهلكه، حتى لا يتعاظم ويقول: أنا ! من أنا ! ولذلك نجد البعوضة تسلط على
الإنسان في فراشه ولا يستطيع النوم، وهي ما هي ! .
وقال
رجل من الجبابرة: ما الفائدة من خلق الذباب .؟ فقال له بعض الحاضرين:
ليرغم أنفك، أو قال: ليرغم أنف الجبابرة، لأن هذا الذباب بأرجله الملوثة -
وهو كريه المنظر أيضا - يقع على أنف الجبار فيهينه ويذله، وهذه ربما تكون
من الحكم.
الـــــوجـــــه الـــــثـــــالـــــث:
أن
الله خلقها ليلجأ العبد إلى ربه جل وعلا ويكثر من الأوراد الحافظة له من
شرار خلق الله، وبعض الناس لولا الخوف من مثل هذه الأشياء ما قرأ الأوراد،
إذن الفائدة أن يرجع الإنسان إلى الله تبارك وتعالى في قراءة ما شرع من
الأوراد التي تحفظه.
الـــــوجـــــه الـــــرابـــــع:
أن هذه المؤذيات يسلط عليها أشياء ليست بشيء بالنسبة لها.
فمثلا يقولون: إن
القنفذ وهو خشاش صغير قد كساه الله تعالى جلدا من الشوك يأتي على الدواب
ويأكلها، حيث يبدأ بها من ذيلها ويرعاها رعيا، وإذا ردت رأسها لتنهشه لم
تستطع من الشوك، فيبقى معها مصارعا، ويقضي عليها وهذا مشاهد، والذي يقضي
على هذا القنفذ الحدية، وهي طائر صغير، يأتي على القنفذ فإذا أحس به انكمش
وأبرز الشوك، فيأخذه بمنقاره من إحدى شوكاته، ثم يطير به ثم يطلقه، فإذا
أطلقه تبعه فإذا وصل الأرض داخ، فتقع عليه وتفرسه وتأكله، ولحمه - فيما أظن
- شهي للحدية. وهذا من آيات الله، فالله عز وجل يريك آياته في هذه
المخلوقات بعضها يغلب بعضا، وهو أقل منها، ولو تأمل الإنسان لوجد أكثر من
هذه الحكم التي ذكرناها.