مهلاً أيها الشباب
مهلاً أيها الشباب
تزايدت أعداد الشباب الإسلامي ، وصاروا علامة بارزة في أكثر المجتمعات الإسلامية وكان أكثرهم- بحمد الله – نماذج مشرفة، حيث تصدرواالعمل الإغاثي،وتفوقوا في المجال الدراسي،وتقدموا في ميدان الجهاد ،وظهروا فيالإطار السياسي ، وتميزوا بالسمت الأخلاقي ، وأبدعوا في التحرك الدعوي.
وبحكمما في الشباب من عاطفة موّارة ، وقوة كبرى،وطاقات شتى؛فإنهم دائماً في المقدمة إزاءمستجدات الأحداث ، تأييداً أو مواجهة ، كما أنهم أصحاب صناعة كثير من الأحداث من خلالجرأة المبادرة ، وقدرة الممارسة ، إلا أن هؤلاء الشباب وقد التزموا الإسلام عقيدةوسلوكاً يعايشون أوضاعاً شاذة ، ومواجهات حادة،ففي كثير من المجتمعات الإسلاميةمخالفات شرعية ظاهرة ، كما أن في كثير من الحكومات الإسلامية انحرافات خطيرة ، إضافةإلى
المواجهة السافرة من قبل أعداء الدين ، تلك المواجهة التي ظهرت بأبشع
صورها من خلال الحرب الشعواء على المسلمين اقتصادياً وإعلامياً وسياسياً
وعسكرياً.
فالشباب إذن يواجهون الغربة الإسلامية ، ويجابهون الحرب العدائية ، وذلك يثيرفيهم الغيرة الإسلامية ، والحماسة الشبابية ، فتتحرك العواطف المتقدة ، والمشاعرالملتهبة لإنكار المنكرات ، وفضح المؤامرات ، وصد الهجمات في غضب عارم ، وعاطفة جياشة ،ويقدم بعض الشباب على تصرفات لا يتحقق جدواها ، ولا تحمد عقباها،ويفقد بعضهم السيطرةعلى عواطفه ، ويفقد بالتالي حسن التصرف وسداد الرأي وصواب القول ، وقد يسمع هؤلاء منيوصيهم بالصبر فتجيب عواطفهم : " لم يعد في قوس الصبر منزع "،وقد تذكر لهم الحكمةفيقرنها حماسهم بالجبن والخور ، وقد يشار إلى مراعاة المصالح والمفاسد فلا يفهمون منذلك إلا أنه مداهنة وتميع ، وكلما عرض لهم شئ انجرف في تيار الحماسة المتدفق ،وأناأعذر هؤلاء القلة من الشباب ؛ لأن ما يواجهونه من مخالفة الشرع ومحاربة الدين أمرعظيم يدفعهم لمثل هذه الممارسات التي تهون في مقابل ما يفعله غيرهم تجاههم ، ولكننيأقول لإخواني الشباب :
إن المنتظر منكم أكبر، والأمل فيكم أعظم ، والظن بكم أحسن،ولهذا أوجّه لكم هذه الكلمات أخاطبكم بها - دون غيركم - لتكتمل مسيرتكم الراشدة، ولتسدوا الثغرات على المتصيدين للأخطاء بغرض التشهير ، والمتربصين بكم الدوائر بغرضالقضاء والتدمير .
1-إن البلاء الواقع في الأمة والعداء المواجه لها لميحدث في يوم أو يومين ، ولن يزول كذلك في يوم أو يومين..لن نستيقظ في الصباح وقد رفعتراية الجهاد،وصلحت أحوال البلاد والعباد ، ولن يتغير الواقع بحماس مندفع ولا نقدلاذع ، بل بعمل دائب متئد ، واجتهاد مستمر غير منقطع.
2-لا بد من ضبطالعاطفة بالعقل،ولا يحسن العقل الضبط إلا بالشرع ، وقد أحسن ابن القيم حين قال: "إذاخرج عقلك من سلطان هواك عادت الدولة له" .3-التدرج
سنة إلهية ، تظهر في كثير من الأمور ،أما الطفرات فهي أمور عارضة غالباً
ما تفتقر إلى الأسباب المنطقية،ولا تنتهي إلى نتائج مرضية.
4-سيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- مليئةبالعبر، وقد طاف بالكعبة وحولها الأصنام حتى إذا آن استكمال العمل حطمها مردداً :{وقل جاء الحق وزهق الباطل} وبين الفترتين صبر طويل ، وحكمة بالغة ، وجهاد دائم .
5-في التاريخ الإسلامي الطويل ، وفي تجارب الواقع المعاصر أدلة ظاهرة،وأحداث ناطقة تبيننتائج الاندفاع العاطفي،والحماس غير المنضبط ، والعمل الذي لا يعطي للزمن دوره ، ولايحب المعطيات والعواقب ولا يخطط لنتائج،ولا يستعد لردود الأفعال .ونحن جميعاًمحكومون بشرع الله ، ودائرون معه ، وقد قال الله لرسوله:{واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً } وقال له : {فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون}، ونحنكذلك بالرسول الكريم مقتدون وهو الذي قال للأشج: إن فيك خصلتين يحبها الله ورسولهالحلم والأناة وهو الذي علمكم أنه (ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسهعند الغضب ) وعلماؤنا قالوا : "يجب ترك إنكار المنكر إذا كان الإنكار يؤدي إلى وقوعمنكر أكبر " .لا أقول لكم:أطفئوا جذوة الحماسة بل وجهوها ، ولا أقول توقفوا عنالعمل بل أتقنوه ، وفوتوا على الأعداء الفرصة من خلال البصيرة الراشدة والحكمةالواعية ، والعمل المتزن بعيداً عن ردود الأفعال، وسرعة الانفعال.
د. علي بنعمر بادحدح