س: سمعت أحد
العلماء يقول في المسجد: إن المرأة
ليس عليها أن تخدم الرجل، فهل هذا
صحيح دينا؟ وهل معنى هذا أن الرجل
عليه أن يقوم بأمور المنزل وخدمة
الأولاد؟ إن هذا -إن صح- يجرئ
النساء على الرجال، ويقلب الأوضاع
في البيوت والمجتمعات.
ج : هذا الذي قاله
هذا العالم رأي لبعض الفقهاء، وليس
كل ما قاله الفقهاء صحيحا مائة في
المائة، بل هم مجتهدون يخطئون
ويصيبون، فمن أصاب فله أجران، ومن
أخطأ فله أجر واحد، وقد قال الإمام
مالك: "كل أحد يؤخذ من كلامه
ويترك إلا النبي صلى الله عليه
وسلم".
ولهذا
نرى الحق مع الرأي الآخر الذي يكل
إلى المرأة خدمة زوجها في مصالح
البيت، وأدلتنا على ذلك ما يلي:
أولا: يقول الله
تعالى في شأن الزوجات: (ولهن مثل
الذي عليهن بالمعروف) وخدمة المرأة
لزوجها هو المعروف عند من خاطبهم
الله تعالى بكلامه، أما ترفيه
المرأة وقيام الرجل بالخدمة -الكنس
والطحن والعجن والخبز والغسل..الخ-
فهذا ليس من المعروف. وبخاصة أن
الرجل يعمل ويكدح خارج البيت. فمن
العدل أن تعمل المرأة داخله.
ثانيا: إن كل حق
يقابله واجب، فقد أوجب الله تعالى
للزوجة على الزوج حق النفقة
والكسوة والسكنى -فضلا عن المهر-
ومن البديهي أن يلقى عليها لقاء
ذلك من الأعمال ما يكافئ هذه
الحقوق، أما قول الآخرين: إن المهر
والنفقة وجبا في مقابلة استمتاع
الرجل، فيرده أن الاستمتاع أمر
مشترك بينهما.
ثالثا: يقول ابن
القيم في الهدى: إن العقود المطلقة
إنما تنزل على العرف، والعرف خدمة
المرأة وقيامها بمصالح البيت
الداخلة، ويقول أيضا: قال الله
تعالى: (الرجال قوامون على النساء)
وإذا لم تخدمه المرأة -بل كان هو
الخادم لها- فهي القوامة عليه.
رابعا: المروي عن
نساء الصحابة أنهن كن يقمن بخدمة
أزواجهن ومصالح بيوتهن، صح عن
أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: كنت
أخدم الزبير (زوجها) خدمة البيت
كله، وكان له فرس فكنت أسوسه وأحش
له وأقوم عليه، وصح عنها أنها كانت
تعلف فرسه وتسقي الماء وتخرز الدلو
وتعجن وتنقل النوى على رأسها من
أرض له على ثلثي فرسخ.
وفاطمة
الزهراء سيدة نساء العالمين، كانت
تخدم عليا وتقوم بشئون بيته من طحن
وعجن وخبز، وتدير الرحى، حتى أثرت
في يديها، وقد ذهبت إلى النبي هي
وزوجها يشكوان إليه الخدمة، فحكم
على فاطمة بالخدمة الباطنة: خدمة
البيت، وحكم على علي بالخدمة
الظاهرة، قال ابن حبيب: والخدمة
الباطنة: الطحن والطبخ والفرش وكنس
البيت واستقاء الماء وعمل البيت
كله.
وأصحاب
الرأي الثاني يقولون: هذه الأحاديث
تدل على التطوع ومكارم الأخلاق لا
على الوجوب. وإن خدمة فاطمة وأسماء
رضي الله عنهما كانت تبرعا
وإحسانا، ونسوا أن فاطمة شكت إلى
الرسول ما تلقى من الخدمة، وأن
النبي لم يقبل شكواها، ولم يقل
لعلي لا خدمة عليها، وإنما الخدمة
عليك، وهو عليه الصلاة والسلام لا
يحابي في الحكم أحدا، فقوله وعمله
وتقريره شرع لنا، وقد رأى أسماء
والعلف على رأسها والزبير معه فلم
يقل له: لا خدمة عليها، وأن هذا ظلم
لها، بل أقره على استخدامها، وأقر
سائر أصحابه على استخدام زوجاتهم،
مع علمه بأن منهن الكارهة
والراضية، وهذا مما لا ريب فيه.
بهذا
يتضح الحق، ويتبين الصواب في هذه
المسألة، والمنصف من عرف الرجال
بالحق ولم يعرف الحق بالرجال.
ولا
يفوتني أن أقول: إن هذه القضية
محلولة بنفسها، فالمرأة المسلمة
حقا تقوم بخدمة زوجها وبيتها بحكم
الفطرة، وبمقتضى التقاليد التي
توارثها المجتمع الإسلامي جيلا
بعد جيل والمرأة المتمردة أو
الشرسة لا تنظر رأي الدين، ولا
يهمها قول أحد من الفقهاء لها أو
عليها