خطبة بعنوان (البيت المسلم كما ينبغي أن بكون)
(الخطبة الأولى)
إن نعم الله علينا كثيرة لا تعد ولا تحصى كما قال تعالى: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ولذلك يجب علينا أن نشكر الله تعالى على هذه النعم صباح مساء، وأن لا نغفل عن ذلك أبدا حفاظا على هذه النعم وحتى تدوم لنا كما وعد الله من شكر بالزيادة والتعظيم، ومن كفر بالعذاب الأليم، قال تعالى: وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد .
ومن أعظم نعم الله علينا أن جعل لنا بيوتا نسكنها ونستقر فيها ونستريح ونستظل من الحر ونستدفيء من البرد ونستتر فيها عن أنظار الناس ونحرز فيها أموالنا ونتحصن بها من عدونا.
يقول سبحانه ممتنا علينا بهذه البيوت: والله جعل لكم من بيوتكم سكناً وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم .
فهذه النعمة عباد الله من النعم الجليلة التي امتن الله بها علينا، وتأملوا رعاكم الله فيمن لا يجد سكنا يؤويه كيف تكون حاله، ونحن نسكن في هذه البيوت الحديثة المزودة بكل وسائل الراحة كالإنارة والتكييف الصيفي والشتوي والمياه المتدفقة العذبة، فما أعظمها من نعمة !
أيها المؤمنون: إن بيت المسلم يجب أن يكون بيتا متميزا عن غيره من البيوت، وذلك بأن يفعل ما شرعه الله للمسلمين في بيوتهم.
إنه من الواجب على كل مسلم أن يجعل بيته واحة غناء ترتاح فيه النفوس وتطمئن القلوب.
وليس ذلك بوضع الزهور والتحف والأثاث الفخم.
بل لا يكون ذلك والله إلا بإحياء ذكر الله تبارك وتعالى في البيت، فبه تحيا البيوت.
فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل: الحي والميت)) مسلم.
فتأمل وفقني الله وإياك بم شبه الرسول البيت الذي يذكر الله فيه، وبم شبه الرسول البيت الذي لا يذكر الله فيه، شبههما بالحي والميت.
وما هو الفرق بين الحي والميت.
إنه الروح، فالحي فيه روح والميت بلا روح، فروح البيت ذكر الله، وبيت لا يذكر الله فيه لا روح في.ه نسأل الله العافية.
وينبغي التنبه هنا إلى أن ذكر الله ليس محصورا في التسبيح وقراءة القرآن، بل هذان نوعان من أنواع ذكر الله الكثيرة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة))
فكم من بيت اليوم لا يسمع فيه القرآن ولا يتلى فيه إلا ما ندر من الأحايين القليلة.
إن قراءة القرآن في البيوت نور لها وحياة لها ولأهلها.
قراءة القرآن في البيوت طرد للشياطين، وحصن من السحر وأهله، والعين وأهلها.
عن أبي أمامة رضي الله عن قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرأوا الزهراوين البقرة وآل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرأوا سورة البقرة فأن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة))، بلغني أن البطلة: السحرة.
وهكذا عباد الله يكون البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة في حصن حصين من الشياطين والسحر.
ومما تحيا به البيوت كذلك صلاة النوافل فيها.
قال صلى الله عليه وسلم: ((اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا)) مسلم، أي صلوا فيها من النوافل ولا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصلاة.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرأة في بيته إلا المكتوبة)) مسلم.
إن الصلاة في البيت إقامة عملية لذكر الله عز وجل تتربى به الأسرة علي الطاعة والالتزام وحب الصلاة، ويتعود الصغار على الصلاة بسبب رؤية والدهم أو أخوهم وهو يصلي أمامهم.
ومما تحيا به البيوت توفر مكتبة صغيرة في البيت تحتوي علي بعض الكتب والكتيبات التي تعلم المسلم أمور دينه وتحذره مما يجلب غضب الله جل وعلا، وتعلمه سنة المصطفي صلى الله عليه وسلم.
ومثلها من الأشرطة السمعية التي تناقش كل ما يهم المسلمين من أمور دينهم وتعلمهم سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
ومن الأمور التي تحيا بها البيوت كذلك أن يكون لرب الأسرة مجلس أسبوعي أو أكثر أو أقل بحسب استطاعة كل شخص يجلس فيه مع أبناءه وزوجته يكون له فيها نقاش لأمور شرعية
أو قراءة للقرآن جماعية وحفظ وتسميع
أو قراءة من كتاب نافع يقرأه الأب ويشرح منه لأبنائه،
ويمكن أن يستعين الأب في ذلك بالمشايخ وطلاب العلم وأئمة المساجد في اختيار الكتاب المناسب وتوضيح ما يصعب فهمه، وبذلك يحيا البيت بذكر الله عز وجل.
أيها الموحدون إن توفير هذه الأمور في البيوت من قراءة القرآن وذكر الله وصلوات النوافل ومدارسة العلم الشرعي وتوفير الكتب والأشرطة النافعة يجعل البيت مدرسة للخير يتربي فيه من يسكنه من الأولاد والنساء على الطاعة والفضيلة، وتدخله الملائكة وتبتعد عنه الشياطين، وإذا خلت من هذه الأمور صارت قبورا موحشة وأطلالا خربة سكانها موتى القلوب وان كانوا أحياء الأبدان يخالطهم الشيطان وتبتعد عنهم ملائكة الرحمن.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بمافيه من الآيات والذكرالحكيم أقول ماتسمعون وأستغفرالله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فأستغفروه إنه هوالغفور الرحيم .
(الخطبة الثانية)
عباد الله ومن أراد لبيته أن يكون موطنا لملائكة الرحمن وأن يطرد منه أتباع الشيطان فعليه الحذر من أمور كثيرة قد انتشرت عند كثير من الناس هداهم الله.
من هذه الأمور التي لا تجعل البيت واحة إسلامية وجود بعض الوسائل الخبيثة التي تنشر الفساد تعلم الرذيلة، فيرى المسلم فيها الرجال والنساء مختلطين يفعلون المنكرات لا تربط بينهم أى علاقة شرعية ومناظر غير لائقة تغتال الحياء عند الرجال والنساء، وأمور كثيرة يندى لذكرها الجبين، ونترفع عن ذكرها في هذا المنبر، يراها الكبار والصغار والرجال والنساء كل ذلك بحجة الترفيه عن النفس.
أمور تجلب غضب الله تشترى بالأموال وإن غلت أسعارها، فهذا والله من أسباب دمار البيوت وطرد الملائكة ودخول الشياطين.
وكذلك مما يجب صيانة البيوت عنه أشرطة الغناء الماجنة التي تغري بالعشق والغرام ويستعمل فيها مزمار الشيطان، أشرطة لرجال ونساء يصدحون بالغناء بألفاظ قبيحة ومخالفة للشريعة.
ومما يجب أن يصان عنه البيت المسلم الصور والكلاب، قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة)) البخاري ومسلم.
وفي رواية: ((لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تماثيل)).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتاني جبريل عليه السلام فقال لي: أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل وكان في البيت قرام فيه تماثيل وكان في البيت كلب، فمُر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة، ومر بالستر فيقطع، فيجعل وسادتين منبوذتين توطآن، وأمُر بالكلب فليخرج)).
وفي هذه الأحاديث دليل على تحريم تعليق الصور في البيوت والاحتفاظ بها للذكرى ونحوها، وفيها دليل على عقوبة من فعل ذلك بحرمان من دخول ملائكة الرحمة في بيته.
وتعليقاً علي اقتناء الكلاب نقول: قال صلى الله عليه وسلم: ((من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان)) البخاري ومسلم.