آخر خطبة من شهر شعبان والإستعداد لرمضان وتحري رؤية هلاله
(الخطبة الأولى)
وبه نستعين وبعد هذة احد خطب النبى صلى الله عليه وسلم فى اخر جمعه من شعبان فى الاستعداد لشهر رمضان المبارك
وقال
صلى الله عليه وسلم ---ايها الناس : إنه قد اقبل اليكم شهر الله بالبركه
والرحمه والمغفره 0شهر عند الله من افضل الشهور وايامه افضل الايام وساعاته
افضل الساعات هو شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله وجعلتم فيه من اهل كرامة
الله 0
انفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عباده وعملكم فيه مقبول
ودعائكم فيه مستجاب 0فاسالوا الله ربكم بنيات صادقه وقلوب طاهره ان يوفقكم
لصيامه وتلاوة كتابه
0فان الشقى من حرم غفران الله فى هذا الشهر
العظيم واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامه وعطشه 0وتصدقوا على
فقرائكم ومساكينكم ووقروا كباركم وارحموا صغاركم وصلوا ارحامكم واحفظوا
السنتكم وغضوا عما لا يحل النظر اليه ابصاركم وعما لا يحل الاستماع اليه
اسماعكم وتحننوا على ايتام الناس يتحنن على ايتامكم وتوبواالى الله من
ذنوبكم وارفعوا اليه ايديكم بالدعاء فى اوقات صلواتكم فانها افضل الساعات
ينظر الله عز وجل فيها بالرحمه الى عباده يجبيكم اذا ناجوه ويلبيهم اذا
نادوه ويعطيهم اذا سالوه ويستجيب لهم اذا دعوه 0
أيها الناس ان
انفسكم مرهونه باعمالكم ففكوها باستغفاركم وظهوركم ثقيله من اوزاركم فخففوا
عنها بطول سجودكم واعلموا ان الله تعالى ذكره اقسم بعزته الا يعذب المصلين
والساجدين وان يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين 0
ايها
الناس من فطر منكم صائما مؤمنا فى هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق نسمه
ومغفره لما مضى من ذنوبه 00فقيل --يا رسول الله وليس كلنا يقدر على ذلك
فقال 0 اتقوا النار ولو بشق تمره ولو بشربه من ماء
0ايها الناس من
حسن منكم فى هذا الشهر خلقه 0كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الاقدام
من خفف فى هذا الشهر عما ملكت يمنيه خفف الله عليه حسابه ومن كف فيه شره كف
الله عنه غضبه يوم يلقاه ومن اكرم فيه يتيما اكرمه الله يوم يلقاه
ومن
قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه من تطوع فيه بصلاه كتب الله له
براءه من النار ومن ادى فيه فرضا كان له ثواب من ادى سبعين فريضه فيما
سواه من الشهور ومن اكثر فيه من الصلاة على ثقل الله ميزانه يوم تخف
الموازين ومن تلا فيه ايه من القران كان له مثل اجر من ختم القران فى غيره
من الشهور 0
أيها الناس ان ابواب الجنان فى هذا الشهر مفتحه فاسالوا
ربكم ان لايغلقها عليكم وابواب النيران مغلقه فاسالوا ربكم ان لا يفتحها
عليكم والشياطين مغلوله فاسالوا ربكم ان لا يسلطها عليكم .
أقول ماتسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فأستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
(الخطبة الثانية)
الحمد
لله الذي جعل الأهلة مواقيت للناس، يعرفون بها أوقات عباداتهم وآجال
معاملاتهم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا نعبد إلا إياه
له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
حدد لأمته بداية الصيام ونهايته، فقال: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن
غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما"، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه
وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
أيها الناس: إتقوا الله تعالى
وأشكروه على تيسيره: (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي
الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) [الحج: 78]، (مَا
يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) [المائدة: 6].
ومن تيسير الله ورفعه الحرج عنا أن حدد بدآيات مواقيت العبادات ونهايتها بعلامات واضحة يعرفها كل أحد من العامة والمتعلمين.
ومن
ذلك بداية شهر رمضان المبارك ونهايته، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا
تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه؛ فإن غم عليكم؛ فأكملوا العدة
ثلاثين"؛ فقد بين -صلى الله عليه وسلم- أنه يجب الصيام والإفطار بأحد
أمرين: رؤية الهلال، أو إكمال عدة الشهر ثلاثين.
وإذا رآه واحد من
المسلمين عند دخوله ثبتت بداية الشهر ولزم المسلمين الصيام، فليس من شروطه
أن يراه جماعة من الناس قال جابر -رضي الله عنه-: جاء أعرابي إلى النبي
-صلى الله عليه وسلم-، فقال: إني رأيت الهلال (يعني: هلال رمضان): فقال
النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أتشهد أن لا إله إلا الله؟"؛ فقال: نعم، قال:
"أتشهد أن محمداً رسول الله؟"، قال: نعم، قال: "يا بلال، أذن في الناس أن
يصوموا غداً" رواه أبو داود.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه.
وأما الشهادة بخروج شهر رمضان فلا بد فيها من شهادة رجلين،
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-،
وكان
من هديه -صلى الله عليه وسلم- أمر الناس بالصوم بشهادة الرجل الواحد
المسلم، وخروجهم منه بشهادة اثنين. انتهى. وذلك- والله أعلم-؛ لأن الدخول
لا تهمة فيه، فقبل فيه خبر الواحد، ولأنه أحوط للعبادة، وأما الخروج؛
فلوجود التهمة فيه بالرغبة في الإفطار لم يقبل فيه إلا شهادة عدلين واحتياط
للعبادة، ولأن الأصل بقاء رمضان، ولا يخرج عن الأصل إلا بيقين.
والأمر
الثاني: مما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يصام ويفطر بموجبه إكمال
الشهر ثلاثين يوماً عندما لا يرى الهلال؛ لأن الأصل بقاء الشهر واحتياطاً
للعبادة في الخروج، وإذا كان الأمر كذلك فإن من زعم أنه يصام ويفطر بغير
هاتين العلامتين اللتين حددهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأمته، كمن
يقول: أنه يصام ويفطر بناءً على خبر الحاسب وخبر الفلكيين، فقد زاد على ما
شرعه الله ورسوله وأجمع عليه المسلمون،
زاد علامة ثالثة ابتدعها من عنده: "وكل بدعة ضلالة".
صوموا
مع جماعة المسلمين وأفطروا. كما أمركم النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك في
قوله: "صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون" رواه الترمذي وغيره. وقال
الإمام أحمد وغيره: يصوم ويفطر مع الإمام وجماعة المسلمين في الصحو والغيم،
وقال: يد الله على الجماعة،
ولو قدر أن المسلمين اجتهدوا في تحري
الهلال ليلة الثلاثين فلم يروه؛ فأكملوا الشهر ثلاثين، ثم تبين بعد ذلك أنه
قد رئي في تلك الليلة فإنهم يقضون اليوم الذي أفطروه ولا حرج عليهم وهم
معذورون ومأجورون.
وأما لو صاموا بخبر الحاسب؛ فإنهم آثمون ولو
أصابوا؛ لأنهم فعلوا غير ما أمروا به، ثم إن عملهم بقول الحاسب قد يؤدي إلى
أن يصوموا قبل وقت الصيام، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن تقدم
رمضان بصوم يوم أو يومين.
قال -عليه الصلاة والسلام-: "لا
تقدموا الشهر بصيام يوم ولا يومين" رواه أبو داود، كما أن عملهم بذلك قد
يؤدي إلى أن يصام يوم الشك، وهذا يخالف قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فإن غم
عليكم؛ فأكملوا عدة الشهر ثلاثين".
وقال عمار بن ياسر -رضي
الله عنه-: "من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه
وسلم" رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي، ورواه البخاري تعليقاً وقد يؤدي
العمل بقول الحاسب إلى التأخر في الصيام عن أول الشهر.
واعلموا،
أنه لا يجوز صوم يوم الشك، وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير هلال
رمضان بسبب الغيم أو القتر؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر باعتبار
هذا اليوم من شعبان، حيث قال: "فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين"
رواه البخاري.
ويجوز صوم هذا اليوم تطوعاً، إذا كان عادته صيام يوم
الاثنين والخميس، وصادف يوم الشك أحد هذين اليومين؛ فإنه يصومه تطوعاً على
عادته،
وكذا من عليه قضاء من رمضان سابق؛ فإنه يصوم هذا اليوم عن
ذلك القضاء؛ لأن الممنوع صيامه على أنه من رمضان الجديد من باب الاحتياط أو
اعتماداً على قول أهل الحساب أنه من رمضان؛ لأن ذلك بدعة وكل بدعة ضلالة.
فاتقوا الله – أيها المسلمون-، وتقيدوا بما شرعه الله لكم؛ فإن فيه الكفاية والهداية.
أعوذ
بالله من الشيطان الرجيم: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ
مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا
الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا
الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
[البقرة: 189].
ألا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد صلى الله عليه
وسلم ، كماأمركم الله بذلك في قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا
عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].