خطبة بعنوان (بدع شهر رجب والتحذير منها)
(الخطبة الأولى)
أيها الإخوة المؤمنون، ومن البدع التي بليت بها الأمة ما يفعله بعضهم في مثل هذا الشهر شهر رجب من عبادات بدعية، حيث يخصونه بصيام بعض أيامه وبقيام بعض لياليه وبذبح الذبائح قربة إلى الله، وكذلك منهم من يخصه بعمرة، ومنهم من يخصه بغير ذلك.
وشهر رجب كغيره من الشهور، إلا أنه من الأشهر الحرم، لا قتال فيه، أما تخصيصه بنوع من العبادة دون غيره من الشهور فلا شك أن ذلك بدعة.
أيها الإخوة المؤمنون، ومن البدع المحدثة في مثل هذا الشهر بدعة الاحتفال بمناسبة الإسراء والمعراج، فالمبتدعة يحتفلون بهذه المناسبة في ليلة السابع والعشرين من رجب،
إذ يجتمعون في المساجد، ويلقون ويستمعون الخطب والمحاضرات،
ويعقدون الندوات، ويضيئون المصابيح.
ولا شك ـ أيها الإخوة ـ أنّ الإسراء والمعراج من آيات الله، ذكرهما في كتابه، وأوجب الإيمان بهما على عباده، ولكنه لم يشرع لنا أن نحتفل بمناسبتهما، ولو كان ذلك مشروعا لفعله نبيه أو أصحاب نبيه رضي الله عنهم.
أيها الإخوة المؤمنون، وللمعلومة فإن ليلة الإسراء والمعراج هذه التي يحتفلون بها لم تثبت أنها ليلة السابع والعشرين، بل لم تثبت بأنها في شهر رجب ولا في غيره من الشهور،
وفي تحديدها خلاف بين المؤرخين، فمنهم من قال: إنها في شهر ذي القعدة، ومنهم من قال: هي في ربيع الأول، وتحديدها متى هي وفي أي ليلة ليس من الأمور المهمة؛ لأنه لا يتوقف على تحديدها حكم شرعي ولا فائدة في تعيينها،
وحتى لو عينت وثبت متى هي لم يجز لمسلم أن يحتفي بها، ولا أن يخصّها بعبادة، ولا أن يميزها بتعظيم؛ لأن النبي أحرص الناس وأتقاهم، ولكنه لم يفعل شيئا من ذلك،
وكذلك الصحابة الكرام، وكذلك أهل القرون المفضلة،
ولو كان الاحتفال بها مشروعا لبيّنه النبي إما بقوله وإما بفعله.
فاتقوا الله عباد الله، واحذروا البدع وأهل البدع، تمسّكوا بكتاب ربكم،
واعمَلوا بسنة نبيكم، ففيهما النجاة والفوز والفلاح والنجاح.
أسأل الله لي ولكم علما نافعا وعملا خالصا وسلامة دائمة،
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
(الخطبة الثانية)
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه،
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أيها الإخوة المؤمنون، من الأمور الثابتة عن النبي تحذيره الشديد من البدع،
فقد كان يقول في خطبه: ((أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)).
وأيضا أصحاب النبي رضي الله عنهم أجمعين تربوا على بغض البدع وأهل البدع، فكانوا يحذرون من البدع غاية الحذر.
بلغ ابن مسعود أن عمرو بن عتبة في أصحاب له بَنوا مسجدا بظهر الكوفة، فأمر بذلك المسجد فهدم، ثم بلغه أنهم يجتمعون في ناحية من مسجد الكوفة يسبحون تسبيحا معلوما ويهللون ويكبرون،
فقام ابن مسعود ولبس بُرنُسا ثم انطلق فجلس إليهم،
فلما عرف ما يقولون وطريقة تسبيحهم وتهليلهم وتكبيرهم رفع البرنس عن رأسه، ثم قال: أنا أبو عبد الرحمن، ثم قال: لقد فضلتم أصحاب محمد علما، أو لقد جئتم ببدعة ظلما،
فقام عمرو بن عتبه فقال: نستغفر الله ثلاث مرات، وقام رجل من بني تميم وقال: والله ما فضلنا أصحاب محمد علما ولا جئنا ببدعة ظلما، ولكنا قوم نذكر ربنا، فقال: بلى والذي نفس ابن مسعود بيده، لئن أخذتم آثار القوم لقد سبقتم سبقا بعيدا، ولئن حدتم يمينا وشمالا لتضلّنّ ضلالا بعيدا.
أسأل الله أن يجنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه سميع مجيب، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم أحينا سعداء وتوفنا شهداء واحشرنا في زمرة الأتقياء يا رب العالمين...