خطبة عن أخطاء المصلين في صلاة الجمعة (للشيخ / فيصل الفوزان)
(الخطبة الأولى)
الحمد لله الذي جعل يوم الجمعة سيد الأيام ، وأختص به هذه الأمة من بين الأنام ، أحمده على نعمه العظام ، وأشهد.......
أما بعد:
فاتقوا
الله عباد الله، واعلموا أن الله سبحانه وتعالى قد اصطفى أمتكم على سائر
الأمم، وخصها بخصائص كثيرة وفضائل عديدة ومناقب عظيمة، فبعث فيها خاتم
رسلِه، وأنزل إليها أعظم كتبه، ودلها على أحسن شرائعه، حتى صارت خير أمة
أخرجت للناس.
ومما خص الله تعالى به هذه الأمة وميزها به عن غيرها هذا
اليوم المجيد العظيم؛ يوم الجمعة الذي هو سيد الأيام، وخيرة الله منها، إذ
خصه الله سبحانه بكثير من الحوادث الكونية والشعائر الدينية التي تميز بها
عن سائر الأيام.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله :
((خيرُ يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة،
وفيه أخرج منها)) رواه مسلم، وفي رواية له: ((ولا تقوم الساعة إلا في يوم
الجمعة)، وعند أبي داود بسند لا بأس به قال : ))وما من دابة إلا وهي
مُسِيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس، شفقًا من الساعة، إلا الجن
والإنس((
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ من غسل واغتسل
يوم الجمعة وبكر وابتكر ودنا من الإمام فأنصت كان له بكل خطوة يخطوها صيام
سنة وقيامها ] رواه أحمد وابن خزيمة وقال رسول الله : ((والجمعة إلى الجمعة
كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر))، وعنه أيضًا: ((من توضأ فأحسن
الوضوء، ثم أتى الجمعة، فاستمع وأنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة
ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا))رواه مسلم.
عباد الله :
إن
يوما بهذه المنزلة حري بالفرح به وتمييزه عن سائر الأيام ، حري أن نجتهد
في معرفة ماله من أحكام وما فيه من فضائل ، كي لا تفوت علينا فضيلة ، ولا
نرتكب فيه خطيئة ، ولعلنا في هذه العجالة ننبه على بعض ما يقع في هذا اليوم
من أخطاء خاصة فيما يتعلق بالصلاة والمساجد فلربما كان بيان الخطاء خير
حفز على الصواب .
أيها المسلمون إن من الأخطاء التي ترتكب في هذا اليوم
الفاضل هي أن كثيرا من الناس يسهر ليله فيكون ذلك سببا في النوم عن صلاة
الفجر ، فيفتتح هذا اليوم العظيم بأكبر معصية وهي النوم عن الصلاة والعياذ
بالله .
ومنها أن بعض المسلمين يجعله فرصة للسفر خارج البلاد لفعل مالا يتيسر له فيها من المعاصي.
ومنها
عدم مبالاة البعض بصلاة الجمعة مع المسلمين وقد أوجبها تعالى بقوله: (يا
أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا
البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون .(
وقد قال صلى الله عليه وسلم (( لينتهين أقوام عن وَدْعِهم الجُمُعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين)) رواه مسلم.
ومن
الأخطاء عدم التبكير قبل دخول الإمام بل ربما تأخر بعضهم حتى تقام الصلاة
وهذا لا شك من الحرمان الكبير لأن من أعظم مقاصد الجمعة هو الاستماع إلى
الخطبة من أولها ، ولذا فقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على التبكير وقد
تقدم النص على ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من بكر وابتكر )
وكذا قوله صلى الله عليه وسلم : ((إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَقَفَتِ
الْمَلَائِكَةُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ
فَالأَوَّلَ، وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً،
ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَبْشًا، ثُمَّ دَجَاجَةً، ثُمَّ
بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ، َيَسْتَمِعُونَ
الذِّكْرَ)) متفق عليه.
والناظر في حالنا هذه الأيام يرى أن الكثير قد فرط بهذه الفضائل والله المستعان.
ومن
الأخطاء التساهل في الغسل للجمعة وقد قال رسول الله : ((الغسل يوم الجمعة
واجب على كل محتلم)) متفق عليه وقال صلى الله عليه وسلم : ( من أتا منكم
الجمعة فل يغتسل ( وغير ذلك من النصوص الدالة على الوجوب فالأدلة في ذلك
صريحة صحيحة و الصوارف ضعيفة .
ومنها عدم الاهتمام باللباس لحضورها
،وقد صح عن عبد الله بن سلام أنه سمع النبي يقول على المنبر يوم الجمة:
((ما على أحدكم لو وجد أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته))
ومن
الأخطاء : الكلام أثناء الخطبة وهذا ربما لا يحصل إلا من بعض الصغار خاصة
منهم خارج المسجد أو في الدور العلوي ، والإنصات للخطبة أمر واجب فقد صح عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: "أنصت"
والإمام يخطب فقد لغوت)) متفق عليه
فالواجب هو الجلوس والإنصات وعدم
الكلام أو العبث بأي شيء كان سواء كان ذلك بالسبحة أو الساعة بل وحتى
السواك لأن السواك لا يشرع وقت الخطبة وهو داخل في قول الرسول صلى الله
عليه وسلم : (من مس الحصى فقد لغى ) رواه مسلم .
وأقبح من ذلك ما نقل
لنا عن بعض المصلين في الدور العلوي أن هناك صبية ربما اشغلوا المصلين
أثناء الخطبة بل وربما في الصلاة بالكلام والتجول بين الصفوف وعدم المبادرة
في الدخول مع الإمام عند تكبيرة الإحرام وهذا منكر يجب التعاون في إزالته
والأخذ على أيد السفهاء .
ومن الأخطاء تخطي الرقاب خاصة بعد دخول الخطيب
، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلآ يتخطى الرقاب فقال) :
إجلس فقد آذيت وآنيت ] صححه الألباني.
فمن الأدب أن يجلس الداخل حيث انتهت به الصفوف ولا يزاحم المسلمين للحصول على مكان متقدم مع تأخره.
لكن
إذا وجد حاجة للتخطي كما هو الحال في هذا المسجد بحيث يوجد فرج في المقدمة
وتزاحم شديد في الخلف فنقول لا بأس بالتخطيء إن شاء الله .
مع التنبيه على من من الله عليهم بالتبكير ووصلوا إلى الصفوف الأولى أن يحسنوا التراص ولا يدعو فرج كبيرة خاصة مع الحاجة لها.
ويتفرع
عن ذلك خطأ وهو أن بعض المصلين يأتي مبكرا إلا أنه لا يوفق للقرب من
الإمام مع أن السنة هو القرب ما أمكن فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه رأى في أصحابه تأخرا فقال لهم تقدموا فأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم
ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله عز وجل )أخرجه مسلم.
ومن
الأخطاء : أن كثيرا ممن يدخل والمؤذن يؤذن يقف لمتابعته وهذا خطاء والصواب
هو أن يبدأ بتحية المسجد ليتفرغ لسماع الخطبة لأن متابعة المؤذن سنة
واستماع الخطبة واجب والواجب مقدم على السنة. عند التزاحم .
ومما يؤسف له أن بعضهم يقف فقط دون ترديد خلف المؤذن وإنما راء الناس وقوف فتبعهم على ذلك فل يتنبه لذلك وفق الله الجميع.
وهناك
أقوام يجلسون بمجرد الدخول دون تأدية لتحية السجد ، والواجب على كل من دخل
المسجد إلا يجلس حتى يصل ركعتين ، أو يدخل في صلاة قائمة ، و قد أمر النبي
صلى الله عليه وسلم الرجل الذي دخل وهو يخطب أن يصل ركعتين وأن يتجوز
فيهما .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بمافيه من
الآيات والذكر الحكيم، أقول ماتسمعون وأستغفرالله العظيم الجليل لي ولكم من
كل ذنب ، فأستغفروه إنه هوالغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدلله ذوالنعم والجود وربنا المعبود ، وصلى الله على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم خير مافي الوجود ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فاتقوا
الله عباد الله واحرصوا على ما ينفعكم واجتنبوا ما يضركم ، وأعلموا أن من
الأخطاء أيضا عدم النظر إلى الخطيب أثناء الخطبة وضن كثير من الناس أن
الأفضل هو النظر إلى القبلة أو مواضع السجود ويعتبرون ذلك من الإنصات ،
وهدي الصحابة رضي الله عنهم هو النظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم عند
الخطبة وهذا مع كونه سنة فهو أدعى إلى المتابعة والاستفادة من الخطبة وفيه
تحفيز وتواصل مع الخطيب .
ومن الأخطاء رفع اليدين عند الدعاء في الخطبة ،
وهذا لا يشرع إلا في حالة واحدة وهي إذا استسقاء الأمام في الخطبة ورفع
يديه فالسنة الرفع ، وإلا فلا ، لأن الصحابة لم ينقل عنهم أنهم كانوا
يرفعون أيديهم إذا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته .
ومن
الأخطاء أن بعض الناس يدرك مع الإمام أقل من ركعة فيأتي بركعتين ويكتفي
بهما ، والصحيح أن الجمعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة كاملة أما من لم يدرك
ركعة فإنه يجعلها ظهرا ويصليها أربعا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : [
من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الصلاة ] وقال صلى الله عليه وسلم : [إذا
أدركت ركعة من الجمعة فأضف إليها أخرى فإذا فاتك الركوع فصل أربعا ] .
عباد
الله هذه أهم الأخطاء التي تمكنت من رصدها فتنبهوا لها رعاكم الله واحرصوا
على الفقه في الدين فمن يرد الله به خيرا يفقه في الدين .
وأعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله .........