حتي يكون حجك مبروراً
عندما يشتاق الحبيب لحبيه وتحن الروح للّقاء، ينبض القلب باسم الحبيب،
ويردد "لبيك اللّهم لبيك، لبيك لاشريك لك لبيك".. حقاً إنّه لقاء الأحبة..
يقبل الحاج على ربّه وهو يردد بقلبه: "اللّهم تقبل، اللّهم اجعله حجاً مبروراً".
أخي الحاج، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «من حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه». فمغفرة الذنوب بالحج ودخول الجنّة مرتّب عن كون الحج مبروراً.
وإنّما يكون الحج المبرور باجتماع أمور منها:
أولاً: كثرة ذكر الله تعالى، وقد أمر الله تعالى بذكره في إقامة مناسك الحج، خصوصاً في حالة الإحرام بالتلبية والتكبير. قال تعالى: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:197]، فما تزود حاج ولا غيره أفضل من زاد التقوى.
ثانياً: الاتيان فيه بأعمال البر، ومنها حسن الخلق إلى النّاس بالبر والصلة، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن البر قال: «حسن الخلق»
، فعلى الحاج أن يعامل إخوانه الحجاج الذين يلتقي بهم في المشاعر، والذين
أتوا من كل فج عميق بالمعاملة الحسنة، بالقول والفعل، ويجب عليك أخي الحاج
أن تخلص نيّتك لله تعالى؛ فإن بعض الناس قد غلب عليهم حب الشهرة، فجعلوا
الحج والعمرة بمثابة سفر للنزهة كي يقال حج فلان وحجت فلانة. قال تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [البقرة:196]، وإتمام الحج: الإتيان بمناسكه على الوجه المشروع، وقول الله تعالى {لِلّهِ}
معنى إخلاص النية فيه لله وحده: تخليص أفعاله من الشرك الأكبر والأصغر،
فلا يكون فيه رياء ولاسمعة ولا طمع من مطامع الدنيا، ولا فخر ولا مباهاة.
ويجب عليك أخي الحاج أن يكون العمل الذي تتقرب به إلى ربك مما شرعه الله.
واحذر
أخي الحاج من الرفث، وهو ذكر الجماع ودواعيه، وقيل هو الكلام الرديء
واللغو الذي لا فائدة فيه، والفسوق والمخاصمة والجدال بالباطل حتى يكون حجك
مبروراً، وسعيك مشكوراً، وذنبك مغفوراً. قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}[الحج:197].
واحرص
أخي الكريم على أداء الصلوات المفروضة جماعة في أوقاتها وفي المساجد التي
أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، ولا سيما المسجد الحرام، والمسجد النبوي
الشريف؛ فالصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في غيره، والصلاة
في المسجد النبوي أفضل من ألف صلاة، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم،
وهذا أجر عظيم.
وأكثر من الاعمال الصالحة من تلاوة القرآن مع تدبر
للآيات، وذكر الله، والدعاء، والطواف بالبيت، والاستغفار، والتوبة الصادقة،
والإنابة والرجوع إلى الله تعالى، والتلبية ورفع الصوت بها، والصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعرّف على
إخوانك في الله، فالحج فرصة عظيمة للتعارف والتآخي، فعليك باغتنام هذه
الفرصة لعل الله أن يستجيب لك ويقبل منك.
أيها الحاج الكريم، واصل
اجتهادك في الأعمال الصالحات التي قضيت بها أيام الحج من قراءة القرآن
والدعاء والصلاة وحافظ عليها ولا تتركها حتى الممات {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99].
وأخيراُ، نسأل الله أن يتقبل منك ومنا صالح الأعمال وأن يرزقنا وإياك الحج المبرور.