خطبة جمعة بعنوان : الدعوة إلى الله
وهذه هي الأمور التي جاءت دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بها " هو
الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب
والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين "
فكل مقصد من هذه المقاصد له وسائله ، وينبغي أن نسعى في إيجاد هذه الوسائل لتتحقق الأهداف .
الشرط الثالث : عمق الوعي بالإسلام والواقع
وهي
بعبارة الأصوليين والفقهاء ما يسمى بـ ( فقه الحال ) أو (فقه الوقائع ) ،
فالعالم الآن يمر بثورة هائلة في مجالات الاتصالات جعلت الغزو الثقافي يطل
علينا من كل باب ، وبما أنَّ قانون الغاب هو الحاكم ، فقد أصبحت ثقافة
المستعمر الأقوى تفرض كيانها وتعمل بأساليبها الخبيثة الماكرة في طمس
الهوية الإسلامية ، والمسلم المعاصر يواجه تحديات خطيرة على كافة المستويات
، ولم تعد التشكيل التربوي يخضع لمعايير محددة كالبيت والمدرسة والمسجد ،
فإن التلفاز والدش والانترنت صار هو المربي الأول لا الأب والأم ، والمناهج
الدراسية لا تعطي درس الدين حقه ناهيك عما فيها من أباطيل ، والمساجد لا
تقوم بدورها في أغلب الأحيان .
والأسرة المسلمة صارت تواجه مشكلات لم
نعهدها قبل ذلك ، لأنَّ الدين عندنا لم يعد هو الفيصل في الأمور ، فالأسرة
المسلمة على حافة الهاوية .
في ظل تلك الأجواء نحتاج إلى الداعية
الرباني الذي يفقه الواقع الذي يعيشه ، فهو يعلم أنَّ أغلب المسلمين مغيبون
عن الحقيقة وأنَّ تبصيرهم إزالة الغيام من أمامهم كفيل بإذن الله بإعادة
الأمور إلى نصابها ، لكن كيف ؟ تلك مسألة سنتعرض لها لاحقًا .
الشرط الرابع : جدية الأخذ بالكتاب والسنة
لا
شك في أننا نتفق حول هذا الشرط أعني المرجعية إلى الكتاب والسنة ، تلك
المرجعية المنضبطة بفهم سلف الامة ، حتى لا نقع في درك الشطحات والأقوال
الشاذة ، التي لم تخرج في الأمة إلا بسبب عدم التقيد بهذا القيد اللازم .
لكني
هنا أثير مسألة " الجدية " في اتباع هذا المسلك ، لا سيما والحرب
العلمانية الضروس تشن لدك هذا الأصل من أساسه ، فلم يعد الخلاف عندهم في
التقيد بفهم السلف ، والانضباط بأصولهم ، بل تعدى الأمر لإنكار السنة ، ثم
التطاول على القرآن ، ثم إظهار الوجه الحقيقي حين نالوا من الله ورسوله ،
وإلى الله المشتكى .
الشرط الخامس : صدق الجهاد في سبيل الله
قال
تعالى : "َأم حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ
الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ
رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا
تَعْمَلُونَ " .
وقال تعالى : "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ
الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ
وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ " .
وقال تعالى " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا "
وهنا يأتي الابتلاء والتمحيص ، وامتحان النوايا بين الصدق والكذب ، فيبدو من يريد الدنيا ومن يريد الآخرة .
ولا
يكون جهاد دون عداد العدة للنزال ، فلا يكون الداعية مصيبًا في توجهه دون
أن يستكمل أدواته التي سيخوض بها المعركة من أجل إعلاء كلمة الله .
الشرط السادس : الالتزام بآداب العمل الجماعي وشروطه
فمن
ذلك وحدة الصف وعدم التنازع فيما لا يستوجب النزاع ، وهنا ينبغي أن تنأى
الأهواء والخلافات الشخصية لتشق عصا الجماعة تحت مزاعم جوفاء لا تنظر إلى
الآثار الوخيمة التي تترتب على هذه الخلافات ، فيترتب على إنكار منكر
منكرات أشدّ لا سيما فساد ذات البين بين أصحاب التوجهات الواحدة .
أخرج
الإمام أحمد والترمذي في جامعه وقال : حديث صحيح ، وأبو داود وصححه
الألباني قوله صلى الله عليه وسلم : " فإنَّ فساد ذات البين هي الحالقة "
أي أنها تحلق دين المرء فعياذًا بالله أن نقع في هذا .
ومن هذه الآداب أنَّ الساحة طالما كانت مشتركة فلا يجوز بحكم الشراكة أن يحدث طرف ما يسبب الضرر على الآخر ، فلا ضرر ولا ضرار .
الشرط السابع : وضوح مفهوم الولاء والبعد عن خط الاحتواء
أحيانًا
بسبب عدم وضوح الأهداف والوسائل يحدث كثير من خلط الأوراق ، ويظن أن
الدعوة إلى المنهج السلفي يعد نوعًا من التعصب أو الحزبية ، والأمر خلاف
ذلك ، فالدعوة هنا إلى منهج لا إلى أشخاص ، والمنهج في حد ذاته معصوم لأنه
لا يتقيد إلا يالكتاب والسنة والإجماع ، فالولاء هنا لله ولرسوله لا لفلان
وفلان من الشيوخ
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (20/5) : " فالواجب على كل
مؤمن أن يحب ما أحب الله ورسوله ، وأن يبغض ما أبغضه الله ورسوله مما دل
عليه في كتابه فلا يجوز لأحد أن يجعل الأصل في الدين لشخص إلا لرسول الله
صلى الله عليه وسلم ، ولا بقول إلا لكتاب الله عز وجل ، ومن نصب شخصا
كائنا من كان فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل فهو { من الذين
فرقوا دينهم وكانوا شيعا } الآية وإذا تفقه الرجل وتأدب بطريقة قوم من
المؤمنين مثل : اتباع : الأئمة والمشايخ ; فليس له أن يجعل قدوته وأصحابه
هم العيار فيوالي من وافقهم ويعادي من خالفهم فينبغي للإنسان أن يعود نفسه
التفقه الباطن في قلبه والعمل به فهذا زاجر . وكمائن القلوب تظهر عند
المحن . وليس لأحد أن يدعو إلى مقالة أو يعتقدها لكونها قول أصحابه ولا
يناجز عليها بل لأجل أنها مما أمر الله به ورسوله ; أو أخبر الله به ورسوله
; لكون ذلك طاعة لله ورسوله . وينبغي للداعي أن يقدم فيما استدلوا به من
القرآن ; فإنه نور وهدى ; ثم يجعل إمام الأئمة رسول الله صلى الله عليه
وسلم ; ثم كلام الأئمة . ولا يخلو أمر الداعي من أمرين :
الأول : أن يكون مجتهدا أو مقلدا فالمجتهد ينظر في تصانيف المتقدمين من القرون الثلاثة ; ثم يرجح ما ينبغي ترجيحه .
الثاني
: المقلد يقلد السلف ; إذ القرون المتقدمة أفضل مما بعدها . فإذا تبين هذا
فنقول كما أمرنا ربنا : { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا } إلى قوله : {
مسلمون } ونأمر بما أمرنا به . وننهى عما نهانا عنه في نص كتابه وعلى لسان
نبيه صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى :" وما آتاكم الرسول فخذوه " الآية
فمبنى أحكام هذا الدين على ثلاثة أقسام : الكتاب ; والسنة ; والإجماع أهـ
وهنا
تأتي مسألة التميز والاستقلالية ، فنحن نحتاج إلى دعاة متمايزين ، لأنَّ
من شأن هذا التميز أن يغطي أكبر قدر من احتياجات الناس ، وبهذا يخدم كل
داعية شريحة معينة من المجتمع ، ولذلك يتكرر التنبيه على نبذ التقليد بكافة
صوره ، ولا يتأتى لنا ذلك إلا بوضوح المنهج والبعد عن الحزبيات والتعصب
المقيت ، فلا يكون لواء الولاء والبراء إلا لله ورسوله .
وينبغي أن ندرك
أنَّ من صور التميز الالتزام المطلق بشرائع الإسلام فإنها شهادة حق أما
التقصير فإنه مرفوض ولا مسوغ له وإن تعددت الذرائع فإنَّ التفريط ولو في
القليل شهادة باطل توصم بها الدعوة ككل .
الشرط الثامن : النصيحة للإصلاح
قال تعالى : " والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر "
وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم : " الدين النصيحة "
وفي الصحيحين قال جابر بن عبد الله : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم .
ويقول
شيخ الإسلام ابن تيمية (28/603) : أعظم ما عبد الله به نصيحة خلقه
فالنصيحة عماد الدين وقوامه ، وحقيقتها قبول الحق وإن خالف الهوى وكان
بغيضًا إلى النفس ، ورد الباطل على قائله ولو كان حبيبًا
وفرق بين
النصيحة والفضيحة ، فكلما كان النصح في السر دون العلن كان أفضل ، وكلما
الخلافات تحل بالنصح المتبادل داخل الحجرات المغلقة كان أولى ،
ولا أرى أنَّ ثمرات هذا التناصح ستبدو في الأفق دون أن تتآلف القلوب وتنبذ العداوات ، وتهمش الذاتيات . هذا بين أهل الدعوة .
أما بذل النصيحة لكل مسلم ، فإنه يقتضي أنْ تكون رفيقًا بهم وإن أجرموا وتعدوا فلن تعدم فيهم الخير .
الشرط التاسع : الاختصاص
من
الشروط اللازمة للدعوة إلى الله في هذا العصر التخصص ، فتكثيف الجهد في
تخصص معين نبغ فيه الداعية ، ومع التمايز والاستقلالية ، من شأنه أن بتباعد
عن السطحيات ، ولكن هذا الشرط مقيد بأن يوجد في الساحة من يسد جميع
الثغرات ، هذا في ميدان الفقه وآخر في العقيدة وآخر في السنة وآخر في علوم
القرآن ، وهذا في الطب وآخر في الاقتصاد وآخر في الهندسة وهكذا نجد نوعيات
مختلفة بثقافات مختلفة يجمعها منهج واحد أهدافهم واضحة أدواتهم راسخة أصحاب
رؤية واقعية ، صادقين في جهادهم ، ملتزمين بضوابط المنهج، لهم شخصيات
متميزة مستقلة ، لا توالي إلا في الله ولا تعادي إلا في الله ، يبذلهم
جهدهم في نصيحة عباد الله بأفضل وسيلة .
وهذا يجعلنا نتساءل :
كيف ندعو إلى الله ؟
أولاً : أن نعرف من ندعو
فالناس أصناف عدة فمنهم :
المريض الذي يحتاج إلى الدواء الناجع .
والجاهل الأمي الجافي .
والمكابر المغرور المجادل .
وكلً
صنف من هذه الأصناف الثلاثة يحتاج إلى فقه عالٍ في التعامل معه ، ولهذا
كان من شرط الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون حكيماً فيما يأمر
حكيماً فيما ينهى ، والحكمة وضع الأمور في نصابها
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى
ويرتبط بهذا الشأن ما سبق الحديث عنه في شأن فقه الحال والبصر بواقع الأمور.
ثانيًا : التدرج
في
الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى
الْيَمَنِ
" إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا
جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ
بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ
صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ
بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً
تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ، فَإِنْ
هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ ،
وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
اللَّهِ حِجَابٌ .
فالننبي صلى الله عليه وسلم يعلم معاذًا رسوله
وداعيته إلى اليمن أن يتدرج معهم وهذا ما يسمى بفقه الأولويات ، بأن نقدم
الواجبات الأولى فالأولى ، ونراعي أن نقدم الفرض على المندوب ، والنهي عن
المحرمات قبل المكروهات .
والتدرج لا يعني بحال تقسيم الدين إلى قشور ولباب كما قد يفهم البعض ، بل دين الله تعالى كلٌ واحد .
ولكي
يصل الداعية إلى هذا ينبغي أن يكون فقيهًا فيما يأمر وفيما ينهى ، يعرف
كيف يبدأ بما يناسب الناس ، فيراعي أخلاقياتهم وأعمارهم وأوقاتهم وأعمارهم .
قالوا : كونوا ربانيين حلماء فقهاء ، والرباني هو الذي يعلم الناس بصغار العلم قبل كباره .
ثالثًا : تطوير طرق الدعوة .
لابد من مراعاة الطرق المعروفة مع أهل الزمان حتى تكون أكثر وقعًا وتأثيرًا في النفوس والقلوب ، لكن يتحاشى ما قد يؤدي إلى الفساد .
فلا
مانع من استخدام الدعابة المهذبة الجميلة لكن دون إفراط يذهب بوقار العلم ،
ولا مانع من استخدام الأسلوب القصصي في عصر أدمن فيه الناس مشاهدة الأفلام
والتمثليات ، فلماذا لا نقدم لهؤلاء القصص القرآني والنبوي بأسلوب شيق
ونستخرج منها الفوائد ليتعلم الناس أمر رشد لا ضلال فيه .
وينبغي أن
نستخدم كل وسيلة شرعية ممكنة ، من الكتب والرسائل مرورًا بأشرطة الكاسيت
والفيديو وأسطوانات الليزر ، نستخدم وسائل الإيضاح المعهودة من لافتات
ونحوها .
لكن لا يجوز بحال أن نستخدم وسائل غير شرعية كالغناء والموسيقى والاختلاط
فليس المقصود هو التجميع فحسب ، فنتنازل عن أمور شرعية من أجل أهواء الناس وإرضاءً لهم .
رابعًا : الدعوة بالشفقة والرفق
قال الله تعالى في وصف المؤمنين " أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين "
وقال عنهم أيضًا : " أشداء على الكفار رحماء بينهم "
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إنَّ الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف "
وما
كان الرفق في شي ء إلا زانه ، ومن بواعث الدعوة إلى الله تعالى الرحمة
بعباده أن يضلوا الطريق والشفقة عليهم أن يقعوا في أسباب الشقاء .
في السيرة لابن هشام :
لما
حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف أكثر من عشرين يومًا فلما
استعصيت أمر أصحابه بالرحيل فقال له رجل من أصحابه : يا رسول الله ادع
عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم اهد ثقيفا وأت بهم .
وفي
الصحيحين عن أبي هريرة قال : قدم الطفيل وأصحابه فقالوا يا رسول الله إن
دوسا قد كفرت وأبت فادع الله عليها فقيل هلكت دوس فقال اللهم اهد دوسا وائت
بهم .
فينبغي أن نبغض في الله أن نغار أن تنتهك حرمات الله تبارك وتعالى ، لكن علينا أن نكره المعصية لا أن ننتصر لأنفسنا وأهوائنا .
فعندما
نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس ، نجد أنَّ هناك خيرًا كثيرًا قد لا تراه
العيون أول وهلة ، ومع شيء من العطف على أخطائهم وحماقاتهم ، شيء من الود
الحقيقي لهم شيء من العناية ( غير المتصنعة ) باهتماماتهم وهمومهم ، ثم
ينكشف لك النبع الخير في نفوسهم ، حين يمنحونك حبهم ومودتهم وثقتهم في
مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك ، متى أعطيتهم إياه في صدق وصفاء
وإخلاص ، هذه الثمرة الحلوة ، إنما تتكشف لمن يستطيع أن يشعر الناس بالأمن
من جانبه ، بالثقة في مودته ، بالعطف الحقيقي على كفاحهم وآلامهم وعلى
أخطائهم وعلى حماقاتهم كذلك ..
وشيء من سعة الصدر في أول الأمر كفيل بتحقيق ذلك كله أقرب مما يتوقع الكثيرون .
وهذه
المراحل التي يجتازها الداعية لكي يصل إلى مستوى الرفق بالإنسان لهي
كالبذور عندما تغرس في التربة ثم تظهر علامات النمو عليها بانشقاقها وخروج
خط أخضر مائل إلى إصفرار ، ما يلبث حتى يكون وريقات ثم ساق لينة ثم تنمو
كشجرة ذات أغصان وثمار
يقول سيد قطب رحمه الله : " عندما تنمو في نفوسنا بذور الحب والعطف والخير نعفي أنفسنا من أعباء ومشقات كثيرة !!
إننا
لن نكون في حاجة إلى أنْ نتملق الآخرين لأننا سنكون يومئذُ صادقين مخلصين ،
إذ تزجي إليهم الثناء ، إننا سنكشف في نفوسهم عن كنوز من الخير ، وسنجد
لهم مزايا طيبة نثني عليها حين نثني ونحن صادقون .
ولن يعدم إنسان ناحية
خير أو مزية حسنة تؤهله لكلمة طيبة ولكننا لا نطلع عليها ولا نراها إلا
حين تنمو في نفوسنا بذرة الحب ، كذلك لن نكون في حاجة لأنْ نحمل أنفسنا
مؤونة التضايق منهم ، ولا حتى مؤونة الصبر على أخطائهم وحماقاتهم ، لأننا
سنعطف على مواقع الضعف والنقص ، ولن نفتش عليها لنراها يوم تنمو في نفوسنا
بذرة العطف !!
وبطبيعة الحال لن نجسم أنفسنا عناء الحقد عليهم أو عبْ
الحذر منهم ، فإنما نحقد على الآخرين لأنَّ بذرة الخير لم تنمُ في نفوسنا
نموًا كافيًا ، ونتخوف منهم لأن عنصر الثقة في الخير ينقصنا "
خامسًا :معرفة قدر النفس وملاحظة الفرق بين وظيفة الداعية ووظيفة المفتي
فالعوام
لا يفرقون بين الداعية والمفتي ، ومن هنا قد تحدث بعض التجوزات ، وفي ظل
شيوع الجهل ، وقلة العلماء تبدو المسألة في غاية الصعوبة .
فإذا ما
تأملنا القصور في الجانب الدعوي مما ألزمنا بضرورة التصدر فهذا كله يدفعنا
لتجيش الأمة للعلم بالكتاب والسنة لتحمل هذا العبء الذي أصيبوا من خلاله
ولهذا ينبغي أن يدرك الداعية قدر نفسه ولا يتجاوزها ، وهذا مبني على سلامة
القصد وصحته ، وتزكية النفس من أدرانها قبل التصدر للعمل الدعوي .
سادسًا : تشجيع المدعو الذي استجاب وربطه بالدعوة
من أسباب علو الهمة التشجيع المستمر وشد الأزر وتقوية العزم ، حتى لا يتسلل الفتور إلى النفوس .
ولابد من إعداد مناهج متكملة يتدرج فيها المدعو ، لابد من ربطه بأهداف إيمانية يسعى لها .
بداية من المحافظة على الصلاة في الجماعة وتعليمه آداب الصلاة من خشوع وخضوع ، ثم المحافظة على النوافل .
ضرورة أن يلتزم بوظيفة يومية من تلاوة القرآن ، والمحافظة على أذكار طرفي النهار .
ثمَّ إيجاد البيئة من الأخوة الذين يتعلق قلبه بهم ليهجر أصدقاء السوء ، وتصير له رفقة من أهل الإيمان يساعدونه في بداية الطريق .
على الداعية أن يتفطن للوسائل التي يحقق بها تلك الأهداف ، وليحذر من قواطع الطريق .
همسات في أذن كل داعية
أول
ما ينبغي التواصي به ، ونحن فيما نحن فيه أن نتواصى بالصبر والأناة وعدم
التعجل وعدم الملل ، ومفتاح ذلك ـ كما تقدم ـ صحة وسلامة القصد .
عدم التكلف قال تعالى : " قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين "
إثبات الكفاءة ، وإيجاد النموذج القدوة من بيننا ، ولا يتحقق هذا في واقع الناس إلا بعلو الهمة .
كان
أبو مسلم الخولاني يقول : أيظن أصحاب محمد أن يستأثروا به دوننا ، كلا
والله لنزاحمنهم عليه زحامًا حتى يعلموا أنهم قد خلفوا وراءهم رجالًا .
4) عدم الدعة والراحة فالحمل ثقيل ، والجنة تحتاج منا بذل الغالي والنفيس ، " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " .
5) عدم استكثار الأعمال " ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر " .
6) رفع مستوى العلم بالإسلام لدرجة تؤهل للتمييز .
7) سلفية المنهج والمواجهة .
ـ والله من وراء القصد ـ