حقائق عن الانسان بعد الموت
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي خلق الإنسان ، وعلّمه البيان ، وهيّأ له النبات وسخّر له الحيوان ، وجعل حياته مدى الدهور والأزمان ، والصلاة والسلام على محمّد سيّد ولد عدنان ، الذي أنزل عليه القرآن ، فكان لنا خير دليل وأحسن تبيان .
أمّا بعد فإنّي سألت الله الخير والرحمة ، فأعطاني العلم والحكمة ، فحمداً له على ما أكرم ، وشكراً له على ما أنعم .
وقد قسّمت كتابي إلى أربعة أجزاء فجعلت الأوّل في علم الفلك وسمّيته (الكون والقرآن) ، وجعلت الثاني في بحث الأرواح والعالم الأثيري وسميته (الإنسان بعد الموت) ، وجعلت الثالث في (الردّ على الملحدين) ، أمّا الرابع جعلته في تفسير الآيات المتشابهة من القرآن و سميته (المشتبه من القرآن) وبه يتمّ الكتاب .
محمّد علي حسن
ما هو الإنسان
إعلم أنّ الإنسان الحقيقي هو النفس الأثيرية أي الروح الروحانية ، وليس الإنسان الجسم المادّي الذي يتمزّق بعد الموت ويكون تراباً . وما الجسم المادّي إلاّ قالب تتكوّن فيه النفس فإذا كمل إنشاؤها وبلغت رشدها فلا حاجة بعد ذلك للجسم لأنّ النفس هي الإنسان الحقيقي ، وهي التي تتكلّم وتسمع وتبصر وتشعر باللّذات والآلام وهي التي تعقل وتفهم و لا حاجة لَها بالجسم بعد انفصالِها عنه . أمّا الجسم الذي انفصلت عنه النفس يكون كالخشبة الممدودة لا يعقل ولا يفهم ولا يشعر باللّذات والآلام ؛ إذاً الإنسان الحقيقي هو النفس ، والشاهد على ذلك قول الشاعر :
أقبِلْ على النفس واستكمل فضائلَها فأنتَ بالنفسِ لا بالجسمِ إنسانُ
وقال الله تعالى في سورة الملائكة {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ} يقول الله تعالى لنبيّه محمّد : إنّ هؤلاء الكافرين لا يسمعون ما تقول لهم لشدّة عنادهم كما أنّ الأموات التي في القبور لا تسمع من يخاطبها ، فهذه الآية تؤيّد بأنّ الميّت الذي انفصلت عنه النفس لا يسمع من يخاطبه لأنّه لا حياة فيه . وقال تعالى في سورة النمل {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ}، فهذه الآيات تصرّح بأنّ الأجسام الميّتة لا تسمع ولا تعقل فما هي إلاّ أجسام ميّتة لا حياة لَها وإنّها تتلاشى بعد سنين وتكون تراباً . فمن قال أنّ النفس ترجع للجسم في القبر ويحيى الميّت ويحاسب ، أقول في جوابه : ما هذه إلاّ كلمات وهميّة لا حقيقة لَها .
وأمّا ما جاء في الحساب و الجزاء والعقاب في عالم البرزخ فهو للنفس خاصة دون الجسم لأنّ الجسم لا يشعر بأيّ شيء من ذلك ، أمّا النفوس فهي باقية لا تفنى ، قال الله تعالى في سورة البقرة {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ} ، والمعنى : لا تظنّوا أنّ هؤلاء الذين قتلوا قي سبيل الله انتهت حياتهم لأنّكم ترون أجسامهم ملقاة على الأرض ودماؤهم تسيل بل هم أحياء ولكن لا تشعرون بهم لأنّكم ترون الأجسام ولا ترون النفوس ؛ والإنسان الحقيقي هو النفس لا الجسم .
وقال تعالى في سورة آل عمران {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} ، فقوله تعالى {عِندَ رَبِّهِمْ} يعني في الطبقات الأثيرية أي في الجنان يرزقون من ثمارها ويشربون من أنهارها ، فلو أنّ الله تعالى قصد بذلك أجسامهم لقال : أحياء في القبر يرزقون .
وقال تعالى في سورة يس {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ . بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ } ، فلمّا كان هذا الرجل مقتولاً فكيف يقال له ادخل الجنّة ، ولكنّ القول لنفسه لا لجسمه لأنّ النفس باقية لا تفنى ، ولمّا دخلت نفسه الجنّة الأثيرية حينئذٍ قالت {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} .
وقال تعالى في سورة نوح حاكياً عن قومه {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} ، فإذا كانت أجسامهم غرقى في الماء فأين تكون النار منهم ، ولكن المعنى : أغرقت أجسامهم في الماء وأدخلت نفوسهم في النار ، واعلم أنّ دخول الجنّة في عالم البرزخ هو خاص لبعض النفوس ، وكذلك دخول النار .
وقال عزّ من قائل في سورة الحج {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} ، فقوله تعالى {لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ } يعني يرزق نفوسهم لأنّ النفوس باقية لا تفنى .