ما زاد العفو إلا عزاً
ما زاد العفو إلا عزاً
فاطمة محمد الخماس
يمر علينا
الزمن طويلاً.. نركض في متاهاته ودروبه.. لا نعي أن الحياة أمامنا قصيرة..
لمن لا يجدُ فيها، ولا يجد من ثمار الخير فيها مرتعاً ولا مكسباً يوصله
إلى طريق النور، الذي من سلكه علم أن الوصول إليه هو الملاذ الآمن والراحة
الأبدية.
إن التفكر في فضائل النفس
ومزاياها يكون قاعدة من ركائز قوية متينة، تنهض بسموها القلوب، وترقى إلى
قمم المعالي الدينية، وبضدها تستحيل القلوب خاوية خالية، تتجرع سوء
عواقبها، وترمي بشررها على صاحبها، متمادية طاغية، الشيطان يغويها، والهوى
يجرها، والنفس تغريها وتلهيها.. فالحسد والكراهية والبغض أصبحت هي السمة
البارزة في عصر تكتوي بناره ألازمات، فلا نكاد نرى مجتمعاً إلا ويشتكي من
كثير من المشكلات التي عصفت بالقيم الاجتماعية.
وأًهدرت صفة الإخاء
والعلاقات الإنسانية، واندثرت أصالة التآلف والتحاب في الله، وأصبحنا نرى
من يثأر لنفسه، غاضباً مزمجراً متبعاً لأمر النفس الأمارة بالسوء، يمشي في
عثراتها، وينته في أوحال خطيئتها.
هممت أكتب تلك الخطرات
حين استمعت إلى شريط الدكتور- خالد الجبير-الذي أسماه قلبي الآية الآية..
أمعنت عقلي في وصف قوله - تعالى -: (فمن عفى وأصلح فأجره على الله) أجره
على لله.. ومن أعظم أجراً من الله، إنها آيات الإخاء الاجتماعي والعلاقات
الإنسانية..، وهي الدعوة التي تنير لنا دروب الأجر بأذن الله..، وبها نعلم
حقيقة العفو، وسمو مراتب الصلح ومحاسنه على حياة من ُملأ قلبه إيماناً،
وعمل لما بعد حياة الدنيا.
إن تلك الآيات تدعو إلى
روح الحب بين الناس، والصفح والعفو عند المقدرة، والحكم بميزان العقل كما
يقول الدكتور خالد. ودلل على أهمية العفو والصفح سيراً على هدي المصطفى
نبينا محمد صلوات الله عليه وسلامه.. ودلل على آية عظيمة هي (وسارعوا إلى
مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين * الذين ينفقون في
السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين).
إذ لا ليكفي كظم الغيظ ما
لم يتبعه عفو، فربما كظم غيظاً لأجل أمر من أمور الدنيا.. ومما ذكر قصة
أحد الدكاترة، بينما كان يقف معه في ممر من ممرات المستشفى، مر عليه أحد
المسؤولين في شؤون الموظفين، سأله الدكتور عن معاملة له؟؟ فرد عليه
بحماقة، طلب منه الدكتور الرد بأدب فما كان من المسؤول إلى أن بصق في وجه
الدكتور، في حين أقبل عليه الدكتور يقبل رأسه ويعتذر ويطلب منه أن يسامحه.
مصداقاً لقوله - تعالى -: (وما يلقاها إلا الذين صبروا).. المسؤول حينئذ
بدأ وجهه يحمر ويصفر، وانسحب دون إجابة، وعندما سألته عن سبب فعله رد: هل
تريد أن يضيع أجري لو عاملته بالمثل، أو يحقد علي ويغتابني، بل أقطع عليه
الشيطان وحيله، ومع مضي الأيام أصبح المسؤول يحترم الدكتور، ويقدر له
عمله.
ذكر في حديث للنبي - صلى
الله عليه وسلم - مع أبي بكر - رضي الله عنه – "أن رجلاً شتم أبا بكر -
رضي الله عنه -، وأخذ النبي –صلى الله عليه وسلم- يعجب ويبتسم، فلما أكثر
رد عليه أبو بكر بعض قوله، فغضب النبي –صلى الله عليه وسلم- وقام.. فلحقه
أبو بكر وقال: يا رسول الله، إنه كان يشتمني وأنت جالس، فلما رددت عليه
بعض قوله غضبت وقمت.. قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -.. ((أنه كان معك
ملك يرد عنك ويكتب، فلما رددت عليه بعض قوله حضر الشيطان، فلم أكن أجلس مع
الشيطان)) وهذا سبب ذكر الحديث: ((وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً))
إن الإحسان إلى الناس،
ومحاسبة النفس، وكظم شرها؛ هو الكنز الذي يؤجر به صاحبه، ويعلو به في
منزلة العافين، منشرح الصدر، يجد في نفسه رضاً واطمئناناً، جعل من التسامح
هدفاً يوصله لمواطن الإنسانية، ومنها إلى جنة هنية، قطوفها دانية زكية