فضل الرضا بالقضاء
إن
المصائب التي يُصاب بها الخلق قدر مقدور، وقد أمر تعالى عباده بالصبر،
ورتب على ذلك الثواب الجزيل فقال: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ
أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) .
وبعد الصبر تأتي منزلة أعظم وهي منزلة الرضا بالقضاء والقدر. وكان من دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :"أسألك الرضا بعد القضاء".
فضل الرضا وأهميته:
1- الرضا أساس الدين، فلا يسلم العبد حتى يرضى بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ نبياً.
2- والرضا سبب لذوق طعم الإيمان، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً ... "
3- ثم إن الرضا ثمرة عظيمة لعمل قلبي عظيم وهو التوكل ، فالرضا آخر التوكل .
معنى الرضا بالقضاء: هو التسليم وسكون القلب وطمأنينته وقضاؤه سبحانه كله عدل وخير وحكمه.
وليس من شرطه:
1-
عدم الإحساس بالألم والمكاره، ومقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أرفع
فقد بكى حين مات ابنه إبراهيم وقال: إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن ولا
نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون.
2- كما لا ينافي الرضا الدعاء برفع البلاء.
سبل الحصول على الرضا: التزام العبد بما جعل الله تعالى رضاه فيه، فإن هذا
يوصل إلى مقام الرضا ولابد. قال تعالى في الحديث القدسي: "وما ترددت في
شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته".
أن المصيبة علامة على محبة الله تعالى للعبد ولخيرته وسبب لتكفير ذنوبه وسبب لرفع منزلته في الجنة:
1 –أن الله تعالى إذا أحب عبداً ابتلاه، وفي الحديث: إن علم الجزاء مع عظم البلاء وأن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم.
2-
أن المصيبة سبب لتكفير الذنوب فقد ورد من حديث عائشة – رضي الله عنها – أن
رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر
الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها".
3 – كما أن المصيبة سبب لرفعة
المنزلة .. عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه
وسلم ـ قال: "إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فيما يبلغها بعمل فلا
يزال الله تعالى يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها".
4- كما أن
المصيبة دليل على خيرة العبد، فإذا علم تعالى من عبده قدرة على تحمل
المصيبة أصابه بها، إما لتكفير ذنوبه أو حتى ترتفع منزلته، وإن لم يكن له
قدرة على تحملها لم يصبه رحمة به.
5- المصيبة نعمة من الله لا نقمة، إذ إنها رحمة من رب العالمين ليُذكر العبد من غفلته:
فقد
روى أبو داود عنه ـ قال: جلست إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فذكر
الأسقام فقال: "إن المؤمن إذا أصابه السقم ثم عافاه الله منه كان كفارة
لما مضى من ذنوبه، وموعظة فيما يستقبل، وإن المنافق إذا مرض ثم أُعفي كان
كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه فلم يدر لم عقلوه ولم أرسلوه".
6- أن المصيبة إذا نزلت أضعفت المرء، وأهل الجنة هم المستضعفون:
ففي
الصحيحين عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من حديث حارثة بن وهب – رضي
الله عنها – أنه قال: "ألا أخبركم بأهل الجنة وأهل النار، أهل الجنة كل
ضعيف مستضعف لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار، كل عتل جواظ
مستكبر".
7- النظر إلى نعم الله تعالى التي لا تحصى: فنعم الله كثيرة
والمصاب ما فقد بهذه المصيبة إلا إحدى النعم فيستحي أن لا يرضى وعنده كل
هذه النعم .
8- الحمد لله، المصيبة ليست في الدين، وليست أعظم. فكيف
لو انتكس الإنسان عن دينه – والعياذ بالله – ألم يكن دعاء النبي ـ صلى
الله عليه وسلم ـ: "اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك"؟
قال
عمر بن الخطاب – رضي الله عنه –: ما ابتليت ببلاء إلا كان لله تعالى علي
فيه أربع نعم: إذ لم يكن في ديني، وإذ لم يكن أعظم، وإذ لم أحرم الرضا به،
وإذ أرجو الثواب عليه.
9- أن ينظر إلى حال من هو دونه وأشد منه في
البلاء: فروى الترمذي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "انظروا
إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من فوقكم، فإنه أجدر أن تزدروا نعمة
الله عليكم" والحديث صحيح كما في صحيح الجامع.
- ثمرات الرضا اليانعة:
أن الله تعالى يرضى عنه باليسير من العمل يوم القيامة، فالجزاء من جنس
العمل، قال تعالى: (رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ).
أن السخط باب الهم والغم والحزن وشتات القلب وفي الرضا سعة الصدر وراحته.
أن الرضا يفتح له باب السلام فيجعل قلبه سليماً نقياً فلا يحسد الناس على
ما هم فيه مـن النعم: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ).
أن السخط يفتح له باب الشك في الله – والعياذ بالله -. وهو سبب الزيغ
والانتكاس، بخلاف الرضا فإنه وقاية من ذلك، قال تعالى: ]وَمِنَ النَّاسِ
مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ
بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ
الدُّنْيَا وَالآخِرَة[.
أن الرضا يفرغ القلب لعبادة الله تعالى،
بخلاف من اهتم بالمصاب فعقل عن العبادة، وأصبح قلبه مشغولاً بها فلا يتدبر
القرآن ولا يخشع في صلاته.
أن الرضا يثمر منزلة أعلى وهي الشكر.
وأخيراً:
فإن المصائب قد تكون عقوبة من الله تعالى لعبد عصاه حتى يرتدع، أو ليخف شره عن الناس.
كما أن الإنسان قد يبتلى بعدم المصائب عقوبة له ـ والعياذ بالله ـ ويكون ذلك استدراجا له، ولذا كره السلف عدمها.
كما ينبغي للمرء أن يستغفر الله إذا وقعت عليه مصيبة ويتفقد حاله أن يكون عصا ربه ويكثر من الاستغفار ويتوب إليه.
وهل للمرء أن يدعو الله أن يصيبه بمصيبة تكفر عنه خطاياه قبل يوم القيامة؟!
وهل ندعو بالمصيبة؟!
لا، وذلك أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سُئل: أي الدعاء أفضل؟ فقال: "سل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة".
وقال: "تعوذوا بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء".
هذا والله تعالى أعلم وأحكم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.