حديث يسروا ولا تعسروا
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يسّروا و لا تعسّروا و بشّروا و لا تُنفّروا ))
* رواه البخاري
شرح اﻷمام النووي رحمه الله .... هذه أربع جمل الأولى قوله: يسروا يعني اسلكوا ما فيه اليسر والسهولة سواء كان فيما يتعلق بأعمالكم أو معاملاتكم مع غيركم ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم من هديه أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه . فأنت اختر الأيسر لك حتى في كل أحوالك حتى في العبادات وفي المعاملات مع الناس، وفي كل شيء لأن اليسر هو الذي يريده الله عز وجل منا ويريده بنا: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ فمثلا إذا كان لك طريقان إلى المسجد أحدهما صعب فيه حصى وأحجار وأشواك والثاني سهل فالأفضل أن تسلك الأسهل وإذا كان هناك ماءان وأنت في الشتاء وكان أحدهما بارد يؤلمك والثاني ساخن ترتاح له فالأفضل أن تستعمل الساخن لأنه أيسر وأسهل وإذا كان يمكن أن تحج على سيارة أو تحج على بعير والسيارة أسهل فالحج على السيارة أفضل . فالمهم أنه كل ما كان أيسر فهو أفضل ما لم يكن إثما لأن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول: كان الرسول صلى الله عليه وسلم ما خير بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما أما إذا كان فعل العبادة لا يتأتى إلا بمشقة وهذه المشقة لا تسقطها عنك ففعلتها على مشقة فهذا أجر يزداد لك، فإن إسباغ الوضوء على المكاره مما يرفع الله به الدرجات ويكفر به الخطايا لكن كون الإنسان يذهب إلى أصعب مع إمكان الأسهل هذا خلاف الأفضل فالأفضل اتباع الأسهل في كل شيء . وانظر إلى الصوم قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وفي حديث آخر وأخروا السحور لماذا ؟ لأن تأخير السحور أقوى على الصوم مما لو تقدم والمبادرة بالفطر أسهل وأيسر على النفس لاسيما مع طول النهار وشدة الظمأ فهذا وغيره من الشواهد يدل على أن الأيسر أفضل فأنت يسر على نفسك كذلك أيضا في مزاولة الأعمال فإذا رأيت أنك إذا سلكت هذا العمل فهو أسهل وأقرب ويحصل به المقصود فلا تتعب نفسك في أعمال أخرى أكثر من اللازم وأنت لا تحتاج إليها، بل افعل ما هو أسهل في كل شيء وهذه قاعدة أن اتباع الأسهل والأيسر هو الأرفق بالنفس والأفضل عند الله . ولا تعسروا يعني لا تسلكوا طرق العسر لا في عبادتكم ولا في معاملاتكم ولا في غير ذلك فإن هذا منهي عنه فلا تعسر ولهذا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا واقفا في الشمس سأل عنه قالوا يا رسول الله هو صائم نذر أن يصوم ويقف في الشمس فنهاه وقال له لا تقف في الشمس لأن هذا فيه عسر على الإنسان ومشقة والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لا تعسر . وبشروا يعني اجعلوا طريقكم دائما البشارة بشروا أنفسكم وبشروا غيركم يعني إذا عملت عملا فاستبشر وبشر نفسك فإذا عملت عملا صالحا فبشر نفسك بأنه سيقبل منك إذا اتقيت الله فيه لأن الله يقول: { إنما يتقبل الله من المتقين } وإذا دعوت الله فبشر نفسك أن الله يستجيب لك لأن الله سبحانه وتعالى يقول: { ادعوني أستجب لكم } ولهذا قال بعض السلف من وفق للدعاء فليبشر بالإجابة، لأن الله قال: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } فأنت بشر نفسك في كل عمل . وهذا يؤيده النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره الطيرة ويعجبه الفأل لأن الإنسان إذا تفاءل نشط واستبشر وحصل له خير وإذا تشاءم فإنه يتحسر وتضيق نفسه ولا يقدم على العمل، ويعمل وكأنه مكره فأنت بشر نفسك كذلك بشر غيرك فإذا جاءك إنسان قال فعلت كذا وفعلت كذا وهو خائف فبشره وأدخل عليه السرور . لاسيما في عيادة المريض فإذا عدت مريضا فقل له أبشر بالخير وأنت على خير ودوام الحال من المحال والإنسان عليه أن يصبر ويحتسب ويؤجر على ذلك . وما أشبه ذلك وبشره قائلا أنت اليوم وجهك طيب وما أشبه ذلك لأنك بهذا تدخل عليه السرور وتبشره فأنت اجعل طريقك هكذا فيما تعامل به نفسك وفيما تعامل به غيرك الزم البشارة تدخل السرور على نفسك وتدخل السرور على غيرك فهذا هو الخير . ولا تنفروا يعني لا تنفروا الناس عن الأعمال الصالحة ولا تنفروهم عن الطرق السليمة بل شجعوهم عليها حتى في العبادات لا تنفروهم .