سارعوا إلى التوبة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اعلم أنّ العبد متى أراد التوبة والرجوع إلى الله تعالى فسيجده قريبا منه، سامعا لصوته، غافرا لزلته. فيا من أسرفت في الذنوب ويا من أوبقتك المعاصي أين أنت من باب ربّك تعالى؟أين أنت من رحمة غافرالذنوب؟أين أنت من قابل التائبين؟أين أنت من جابر كسر المذنبين الراجعين؟"قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواعَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُالذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"
[الزمر53 :]
فلا ينبغي لعاقل أن يقنط من رحمة الله تعالى.. ولا يقل إنّ ذنبي كبير، وليعلم أنّ ذنبه مهما كان كبيرا فلن يكون أكبر من رحمة الله.
فبادرايها المسلم بالدخول إلى رحمة الله من باب التوبة، ولتعلم أنّ هذا الباب لا يغلق إلاّ يوم أن تبلغ الروح الحلقوم.
قال النبي :إنّالله يقبل توبة العبد مالم يغرغر.فيا أيّها العاصي ارحم نفسك ولا تكن من الغافلين عن رحمة الغفور الرحيم.
ومن فضائل التوبة أنّها سبب لنيل محبة الله تعالى وهي الغاية العظمى التي يسعى لإدراكها الصالحون.. ومن أحبه الله تعالى فاز برضوانه وكرامته . أليس من سعادة التوابين أنّ الله تعالى قال:
"إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين"
[البقرة: 222]
أليس من سعادة التوابين أنّ الله يفرح بأوبة الراجعين.. وإقبال المذنبين؟ فالتوبة .. التوبة.. وها هو الباب مفتوح وربّك تعالى يبسط يده بالليل والنهار لقبول التائبين وإقالة المذنبين.
واعلم أنّ للتوبة فضائل كثيرة عند الله أعدها الله لنا وبشرنا بها وحثنا عليها كي نعود ونلجأ إليه، منها أنّ الله يمحو عن التائب سيئاته قال تعالى:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواتُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَاالْأَنْهَار"
[التحريم: من الآية 8]
ومن فضائل التوبة أيضا أنّها مفتاح كل فلاح ونجاح والتوفيق بقوله:
"وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"
[النور: 31]
إنّ أعظم البلاء الذي يقع على من أراد التوبةهو تسويف التوبة. يقول سوف أتوب. سوف أترك الذنوب سوف أتوب بعد فترة. هذا هو حجاب التوبة الذي حجب الخلق عن الرجوع والإنابة إلى الله تعالى. ما أسوأ هذا الحجاب الذي حجب العصاة عن التوبة.
إلى متى وأنت غارق في المعاصي؟إلى متى وأنت معرض عن طريق النجاة؟إلى متى وأنت عبد الشيطان؟إلى متى؟...
كم من عصاة سوفوا التوبة فأخذهم الموت على غرة وهم لا يشعرون.. فندموا حين لا ينفع الندم.. وتدفقت الدموع وكثرت الحسرات حين لا ينفع الحزن والندم..
قال أبو بكر الواسطي رحمه الله: " التأني في كل شيء حسن إلاّفي ثلاث خصال، عند وقت الصلاة، وعند دفن الميت، والتوبة عند المعصية".
ألك أمان من الموت؟هل تعلم متى ستموت؟هل أنذر الموت أحدا؟هل أمهل الموت أحدا؟كم من مذنب إذاسئل: لماذا لا تتوب؟ قال: دعوني أتلذذ بشبابي فإذا كبرت تبت وتفرغت للعبادة.. هذا المغرور وغيره كثيرون غرهم ما هم فيه من الصحة والعافية.. ولكن نسي هؤلاء أنّ الموت لا يفرق بين الصغير والكبير.. فكم من صغار وشباب ماتوا، وكم من كبار عمروا وعاشوا..
أولئك هم الذين عاشواالأماني الكاذبة.. أفاقوا يوم أن نزل عليهم الموت وهل ينفع الندم يومها؟
احذر التسويف.. واحذر من غفلة لا يوقظك منها إلاّ ملك الموت.. واحذر من غفلة تقول بعدها"رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَاتَرَكْتُ"
[المؤمنون: من الآيتين 99-100]
فلا يكون لك جوابا يومهاإلاّ:
"كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنوَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ"
[المؤمنون: من الآية100]
فيا أيّها العاصي.. إذا نزل الموت انكشفت الغشاوة عن العيون.. وأيقن المذنب أنّ المذنب أنّ الوعيد شديد.. فيا لها من لحظات فاز فيها السعداء وشقي المذنبون..
احذر (سوف) و(سأتوب) فإنّ سوف من أقوى أعوان عدوك اللدود (الشيطان) لا يزال يدعوك إلى تأخير التوبة حتى يفجأك الموت وأنت على غير التوبة..
للتوبة شروط لا بد أن تكون في توبتك وأنت مقبل على طريق التائبين.
أولا: الإخلاص في التوبةاجعل توبتك لله وحده ليس لأحد فيها نصيب، ولتكن كما قال القرطبي: "حياء من الله تعالى لا من غيره". فإنّ العبد إذا أخلص في توبته وفقه الله تعالى في إتمامها وثبته عليها.
ثانيا: الإقلاع عن المعصية فلتعلم أنّه ليس بتائب من قال: إنّي قد تبت وهوواقع في الشهوات المحرمة، بل وجب على التائب من محرم أن يقلع عنه، وإن كانت توبته من ترك واجب بادر إلى فعله، وإن كانت حقوقا للعباد ردّها إلى أصحابها.
ثالثا: الندم على ما سلف إنّ العاصي معتد على حقوق الله تعالى، وليس هذا بالهين، فمن تاب ورجع كان لزاما عليه أن يكثر من الندم على ما فرط منه في حق الله تعالى.. عسى الله أن يرحم ويعفو.
رابعا: العزم على عدم العودة إلى الذنب فلا بد من استحضار هذا الشرط، أنت توب وأنت عازم على مفارقة الذنب فراقا لا رجعة معه.. وصدق العزم دليل على صدق التوبة.
خامسا: عدم الإصرارفقد مدح الله تعالى عباده المتقين أنّهم إذا أذنبوا لا يصرون على الذنب، فقال تعالى:
"وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْأَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُالذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ"
[ آل عمران: 135]