الذكر بين الاتباع و الابتداع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده
الحمد لله على نعمة الإسلام و كفى بها نعمة
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق
ليظهره على الدين كله
أشهد ان لا إله إلا الله
و اشهد أن إمامنا و سيدنا و قدوتنا محمد رسول الله
أمرنا ربنا عز و جل أن نتبعه و نلتزم أمره
قال جل و علا
"وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ"
أمر طاعة مطلقة من رب العزة جل في علاه
أمرنا بالاتباع لا بالابتداع
الذكر بين الاتباع و الابتداع
فالذكر البدعي هو الاجتماع على الذكر بصوت واحد
كما يفعله المتصوفة و من على شاكلتهم
و احتجوا بالأحاديث التي أوردها أخونا الفاضل في موضوعه
فنقول بفضل الله
العبادة توقيفية
(( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ))أخرجه : البخاري ومسلم
فالذكر الجماعي لم يأمر به النبي صلى الله عليه و سلم ، ولا حث الناس عليه ، ولو أمر به أو حث عليه لنُقل ذلك عنه عليه الصلاة والسلام . وكذلك لم يُنقل عنه الاجتماع للدعاء بعد الصلاة مع أصحابه
روى ابن وضاح بسنده إلى أبي عثمان النهدي قال : (( كتب عامل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه إليه : أن ها هنا قوماً يجتمعون، فيدعون للمسلمين وللأمير . فكتب إليه عمر : أقبل وأقبل بهم معك فأقبل . فقال عمر ، للبواب : أعِدَّ سوطاً ، فلما دخلوا على عمر ، أقبل على أميرهم ضرباً بالسوط . فقلت: يا أمير المؤمنين إننا لسنا أولئك الذي يعني ، أولئك قوم يأتون من قبل المشرق ))ما جاء في البدع لابن وضاح ( 54 ) ، وابن أبي شيبة في المصنف ( 8 / 558 ) . وسنده حسن
عن أبي البختري قال : أخبر رجل ابن مسعود رضي الله عنه أن قوماً يجلسون في المسجد بعد المغرب ، فيهم رجل يقول : كبروا الله كذا ، وسبحوا الله كذا وكذا ، واحمدوه كذا وكذا ، واحمدوه كذا وكذا . قال عبد الله : فإذا رأيتهم فعلوا ذلك فأتني ، فأخبرني بمجلسهم . فلما جلسوا، أتاه الرجل ، فأخبره . فجاء عبد الله بن مسعود، فقال : والذي لا إله إلا غيره ، لقد جئتم ببدعة ظلماً ، أو قد فضلتم أصحاب محمد علماً . فقال عمرو بن عتبة : نستغفر الله . فقال : (( عليكم الطريق فالزموه ، ولئن أخذتم يميناً وشمالاً لتضلن ضلالاً بعيداً )) .( 1 / 68 - 69 ) بإسناد جيد ، وابن وضاح في البدع ( ص 8 - 10 ، 11 ، 12 ، 13 ) من عدة طرق عن ابن مسعود . وابن الجوزي في تلبيس إبليس ( ص 16 - 17 ) ، وأورده السيوطي في الأمر بالاتباع ( ص 83 - 84 ) قال محقق كتاب ( الأمر بالاتباع ) للسيوطي : (( والأثر صحيح بمجموع طرقه )) .
روى ابن وضاح بسند صحيح عن عبد الله بن أبي هذيل العنزي عن عبد الله بن الخباب قال : (( بينما نحن في المسجد ، ونحن جلوس مع قوم نقرأ السجدة ونبكي . فأرسل إليَّ أبي . فوجدته قد احتجز معه هراوة له . فأقبل عليَّ . فقلت : يا أبت ! مالي مالي ؟! قال : ألم أرك جالساً مع العمالقة ؟ ثم قال : هذا قرن خارجٌ الآن ))
(ابن وضاح في البدع والنهي عنها ( ص 32 رقم 32 ) ، وابن أبي شيبة في المصنف ( 8 / 559 ).)
قال الشاطبي : (( الدعاء بهيئة الاجتماع دائماً لم يكن من فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم ))الاعتصام ( 1 / 219 )
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( لم ينقل أحد أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا صلى بالناس يدعو بعد الخروج من الصلاة هو والمأمومون جميعاً ، لا في الفجر ، ولا في العصر ، ولا في غيرهما من الصلوات ، بل قد ثبت عنه أنه كان يستقبل أصحابه ويذكر الله ويعلمهم ذكر الله عقيب الخروج من الصلاة )))الفتاوى الكبرى ( 2 / 467 )
وقال الإمام الشاطبي في بيان البدع الإضافية ما نصه : (( كالجهر والاجتماع في الذكر المشهور بين متصوفة الزمان . فإن بينه وبين الذكر المشروع بوناً بعيداً إذ هما كالمتضادين عادة ))
===============
إذن فما المقصود بحلق الذكر ؟
( وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفّتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده . ) رواه مسلم .
قال الإمام الشاطبي رحمه الله في هذا الحديث :
فإنهم كانوا يجتمعون لتدارس القرآن فيما بينهم حتى يتعلم بعضهم من بعض ، ويأخذ بعضهم من بعض ، فهو مجلس من مجالس الذكر التي جاء في مثلها من حديث أبى هريرة رضي الله عنه عن النبى : " ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفّت بهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده " وهو الذي فهمه الصحابة رضى الله تعالى عنهم من الاجتماع على تلاوة كلام الله ، وكذلك الاجتماع على الذِّكر فإنه اجتماع على ذِكر الله ، ففي رواية أخرى أنه قال : لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة .. الحديث المذكور . لا الاجتماع للذكر على صوت واحد ، وإذا اجتمع القوم على التّذكّر لِنعم الله ، أو التذاكر في العلم إن كانوا علماء ، أو كان فيهم عالم فجلس إليه متعلِّمون ، أو اجتمعوا يُذَكِّر بعضهم بعضا بالعمل بطاعة الله ، والبعد عن معصيته - وما أشبه ذلك مما كان يعمل به رسول الله في أصحابه وعمِلَ به الصحابة والتابعون - فهذه المجالس كلها مجالس ذكر وهي التي جاء فيها من الأجر ما جاء ...
أو تجتمع إليه العامة فيعلِّمهم أمر دينهم ، ويُذكّرهم بالله ، ويُبين لهم سُنة نبيهم ليعمَلوا بها ، ويبين لهم المحدَثات التي هي ضلالة ليحذروا منها ، ويتجنبوا مواطنها ، والعمل بها ؛ فهذه مجالس الذِّكر على الحقيقة ، وهي التي حَرَمَها الله أهل البدع من هؤلاء الفقراء الذين زعموا أنهم سلكوا طريق التصوف - وقلّ ما تجد منهم من يحسن قراءة الفاتحة في الصلاة إلا على اللحن ! فضلا عن غيرها ولا يعرف كيف يتعبد ، ولا كيف يَستنجى أو يتوضأ ، أو يغتسل من الجنابة ، وكيف يعلمون ذلك وهم قد حُرِمُوا مجالس الذِّكر التي تغشاها الرحمة وتَنْزل فيها السكينة وتَحفّ بها الملائكة ؟ فبانطماس هذا النور عنهم ضلوا فاقتدوا بجهالٍ أمثالهم ، وأخذوا يَقرأون الأحاديث النبوية والآيات القرآنية فيُنَزِّلونها على آرائهم لا على ما قال أهل العلم فيها !
فخرجوا عن الصراط المستقيم إلى أن يجتمعوا ويَقرأ أحدهم شيئا من القرآن يكون حسن الصوت طيب النغمة جيد التلحين ، تُشبه قراءته الغناء المذموم ، ثم يقولون : تَعالُوا نَذكر الله ! فيرفعون اصواتهم يُمشُّون ذلك الذِّكر مداولة طائفة في جهة وطائفة في جهة أخرى على صوت واحد يُشبِه الغناء ! ويزعمون أن هذا من مجالس الذكر المندوب إليها ! وكَذَبُوا فإنه لو كان حقا لَكَان السلف الصالح أولى بإدراكه وفهمه والعمل به . وإلا فأين في الكتاب أو في السنة الاجتماع للذِّكْر على صوت واحد جهراً عالياً ؟! . اهـ .
قال ابن الحاجِّ في "المدخل" على الاستدلال بتلك الأحاديث، فقال: "وروي عن أنس - رضي الله عنه - أنه قال: لأن أجلس مع قومٍ يذكرون الله - سبحانه - من غُدْوَةٍ إلى طلوع الشمس، أحبّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس. وقال: هم يتحلَّقون الحِلَق، ويتعلمون القرآن والفقه.
=====================
لا تنسونا من صالح دعاءكم