من علامات حسن الخاتمة.........
الحمد لله رب
العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما
بعد،
ما هي علامات حسن الخاتمة؟
مقتطف من محاضرة للشيخ الفاضل محمد حسان
أول
هذه العلامات : نطقه بلا إله إلا الله :
فالموفق
والمسدد هو الذى ينطق بالشهادة قبل موته، وأرجو بداية أن نعلم أن النطق
بالشهادة عند الموت ليس أمرا ميسوراً إلا لمن يسر الله له وعليه، فلا تظن
أن النطق بالشهادة سيكون كنطقك بالشهادة على ما أنت عليه الآن، وإنما يثبت
فى هذه اللحظات – لحظات السكرات والكربات يثبت فى هذه اللحظات أهل الإيمان
برب الأرض والسماوات {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ
آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي
الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء}
(27) إبراهيمفأعظم علامات حسن الخاتمة : أن ينطق الميت أو المحتضر قبل
موته كلمة : لا إله إلا الله.
قال
صلى الله عليه وسلم كما فى الحديث
الذى رواه الحاكم فى المستدرك وغيره، بسند حسنه شيخنا الألبانى – رحمه
الله تعالى – من حديث معاذ بن جبل – رضى الله عنه – أن النبى صلى الله عليه
وسلم قال : " من كان آخر كلامه
لا إله إلا الله دخل الجنة "
والسؤال
الآن : من الذى يوفق للنطق بلا إله إلا الله ؟
والجواب
: فى كلمات مختصرة، يوفقه
للنطق بشهادة التوحيد هو من عاش طوال حياته على التوحيد.
قال
الحافظ ابن كثير – رحمه الله : لقد أجرى الله الكريم عادته بكرمه أن من
عاش على شىء مات عليه، ومن مات على شىء بعث عليه.
الذى
يتوفى على التوحيد هو من عاش على التوحيد، هو من عاش على التوحيد للتوحيد ،
فلا يوفق ولا ينطق بكلمة التوحيد إلا موحد نطق بالتوحيد فى الدنيا، وعاشه
عيشة عملية ، وعاش من أجله، نذر نفسه وحياته للتوحيد.
فعدل
الله يقتضى أن من عاش على لا إله إلا الله بمقتضياتها، فحقق معناها
ومقتضاها وامتثل أمرها، واجتنب نهيها ووقف عند حدودها يقتضى عدل الله أن
يموت هذا الموحد على هذه الكلمة التى أشربها، وعاش لها، ومن أجلها.
قال
النبى صلى الله عليه وسلم كما فى
صحيح مسلم: " من مات على شىء بعث عليه "(1)
فالموحد
يموت على التوحيد، ويبعث على التوحيد ، ويبعث على التوحيد ، حشر فى مزرة
الموحدين، تحت راية إمام الموحدين، وقدوة المحققين وسيد النبيين صلى الله
عليه وسلم فإن عشت على شيء مت على
ذلك الشيء، وإن عشت على طاعة مت على ذات الطاعة، وبعثت عليها، ومن عاش على
معصية مات على ذات المعصية، وبعث على ذات المعصية.
رجل
كان مدمنا للغناء عاشقا للغناء، كارها للقرآن، فالقرآن والغناء لا يجتمعان
فى قلب، حبك للغناء وحبك للقرآن لا يجتمعان، لابد وأن يطرد أحد الحبين
الآخر، إما أن يطرد حب القرآن حب الغناء من قلبك، وإما أن يطرد حب الغناء
حب القرآن من قلبك، لا يلتقيان: حب الغناء مع حب القرآن، ولا يلتقى صوت
الرحمن مع صوت الشيطان.
فكان
هذا الرجل من مدينة المنصورة، مدمنا للغناء، لم يدخل بيتا من بيوت الله
فيما نعلم حكاية عن أولاده لم يصل، ولما حضرته الوفاة كان صوت أم كلثوم لا
زال يغنى والملائكة فى بيته ، وملك الموت عند رأسه، يحتضر والغناء فى
البيت.
الأخ
الذى يسكن فى الدور الذى يليه أخ من أخواننا الملتزمين، طالما ذكره الرجل
لا يتذكر، فلما سمع الغناء وهو يعلم أن الرجل يحتضر، ذهب إليه يقول: فبكيت
وقلت لأولاده. اتقوا الله، أبوكم يحتضر، ولا زلتم تضعون الغناء.
يقول
: فأسرع أحد أبنائه وأخذ شريط الغناء من الكاسيت، ووضع شريط القرآن، يقسم
بالله أن الرجل بعد لحظات أفاق من السكرة، أفاق وكشف الغطاء عن وجهه فسمع
القرآن فقال لا ، لا أخرجوا القرآن، وضعوا الغناء؛ لأنه ينعش قلبى.
القرآن
ثقيل على قلبه، ورضى الله عن عثمان بن عفان حين قال : والله لو ظهرت
قلوبنا ماشبعنا من كلام ربنا – لو ظهر القلب ما شبعت من كلام الرب.
شتان
شتان بين قلب إن أطال الإمام القراءة شعر بالضيق والألم والحسرة وتمنى أن
لوصرف الإمام، وقال : أقصر واقطع القراءة، وبين قلب لا يشعر بالأنس ولا
باللذة ولا بالسعادة ولا بالراحة ولا بالانشراح ولا بالطمأنينة ؛ إلا وهو
يسمع كلام الله تعالى، يقول عبد الله بن مسعود : وعند سماع القرآن وفى
أوقات الخلوة لم يجد قلبك بقلب فإنه لا قلب لك ، فالقلب الذى يحب القرآن
يسمو على حب القرآن. فهذا الرجل مدمن للغناء،فمات على الغناء، وكان آخر
كلام يردد ويسمعه كلام مرتبط بالغناء وحبه.
أخشى
أن يكون قلبك قد أشرب بحب الكرة، أخشى أن يكون قلبك قد أشرب بحب المسلسلات
والأفلام، احذر فإنك ستموت على ما تعلق قلبك به، وستحشر على ما تعلق قلبك
بهم. يقول ابن مسعود – رضى الله عنه : لو قام رجل يعبد الله سبعين سنة بين
الركن والمقام فى بيت الله يحشر يوم القيامة مع من يحب. هذا أثر يخلع
القلب.
تجلس
أمام الممثلين والممثلات وقلبك معلق بهذا، السقوط والانحدار وتضيع من عمرك
الساعات الطويلة أمام سفاسف الأمور التى لا يحبها العزيز الغفور.
ففى
الحديث الذى رواه أبو نعيم والطبرانى فى الكبير من حديث الحسين بن على –
رضى الله عنهما – أن النبىصلى الله عليه وسلم قال : "إن الله تعال يحب معالى الأمور
وأشرافها ويكره سفسافها" (1)حديث عجيب وحسنه شيخنا الألبانى. قلبه صاحب همة
عالية، لا تعلق قلبك بسفاسف الأمور، وعلق قلبك بمعالى الأمور.
وهذا
رجل آخر تقابله امرأة فى الطريق تسأله عن حمام منجاب – مكان تتجمل وتتزين
فيه النساء – فنظر الرجل إلى المرأة فوقعت المرأة فى قلبه – اللهم نجنا من
الفتن ما ظهر منها وما بطن – فأشار الرجل إلى باب داره وقال : هذا هو حمام
منجاب، فدخلت المرأة إلى الدار، فلما وجدت أنها قد وقعت فى فخ المعصية
أرادت أن تزين له المعصية لتهرب. فقالت : هلا أتيتنا بالشراب والطعام لنقضى
ليلة ممتعة، فخرج الرجل هائماً على وجهه فى الشوارع والطرقات، وأحضر إلى
ما لذ وما طاب، فلما عاد إلى البيت وجدها قد هربت وخرجت إلى حالها فخرج
يبحث عنها هائما على وجهه فى الشوارع والطرقات وهو يقول :
يارب
قائله يوماً وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجاب
وكان
يردد هذه الكلمات فلما نام على فراش الموت ذهبوا ليذكروه بلا إله إلا الله
فرد عليهم بقوله :
يارب
قائله يوماً وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجاب
وقد
مات على ذلك.
وهذه
امرأة أخرى كانت تعمل راقصة وظيفتها الرقص ، وكانت تجرى بروفة لرقصة معينة
فى فيلتها بالقاهرة وجارها رجل مسلم، يقول : عانيت أشد المعاناة من الطبل
والزمر طوال الليل، وشكوت ولم يجبنى أحد، فمثل هذا لا يجاب.
يقول
: وفى ليلة من الليالى سمعت صراخاً وعويلاً ، فظننت أن البيت المقابل لى
قد حدث فيه شيء، فدخلت فرأيت الفرقة كاملة، ورأيت المرأة ببدلة الرقص
العارية تجرى حركة معينة فتميل برأسها من ناحية الظهر على حجر الرجل الذى
يضرب على الطبلة أو الرق، فسقطت فى حجره، ثم على الأرض، ووجدوا الحركة قد
توقفت، فذهبوا إلليها ليحركوها فوجدوا روحها قد فارقت جسدها، وهى ترقص.
نماذج
كثيرة، وفى المقابل يموت الشيخ كشك – رحمه الله – وهو راكع بين يدى الله –
جل وعلا – ويموت شاب أمريكى من أصل أسبانى ذكرت قصته قبل ذلك، وهو ساجد
بين يدى الله، وتموت أخت مسلمة من السويس كانت تركب سفينة سالم إكسبريس
التى غرقت – وهى مشهورة – يقول زوجها – وأنا أعرفه يقص علي قصتها – فيقول:
والله يا شيخ محمد لما شعرت أن السفينة تغرق قالت : انتظر حتى أرتدى
النقاب، أى نقاب ؟! السفينة تغرق . قالت : والله لن أخرج إلا بنقابى حتى إن
مت ألقى الله على طاعة، يقول : وأنا أصرخ فيها ما استجابت فلبست النقاب،
والجلباب، ولبست غطاء الكفين، وخرجت.
يقول
: وكنت على سطح السفينة فوفقت بجوارى وتعلقت فى وقالت : أستحلفك بالله هل
أنت راض عنى ؟ قال : نعم ، نعم الزوجة. فقالت : أشهد أن لا إله إلا الله،
وأن محمد رسول الله، وأرجو الله أن يجمعنى بك فى جنات النعيم.
يقول
: ولم أرها بعد ذلك، إنها الخواتيم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم : قال : " إنما الأعمال بالخواتيم " (1) اللهم ارزقنا حسن الخاتمة بفضلك ورحمتك يا أرحم
الراحمين.
لا
تغتر بعمل ، ولا تغتر بعلم، ولا عبادة ، ولا طاعة، فإنما الأعمال
بالخواتيم، والنبى صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الرجل ليعمل الزمان الطويل
بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس فيسبق عليه الكتاب فيعمل أهل النار،
فيدخلها. وإن الرجل ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل النار فيما يبدو الناس
حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة
فيدخلها " وفى لفظ :" فإنما الأعمال بالخواتيم ".
روى
الإمام أحمد فى مسنده بسند صحيح عن طلحة بن عبيد الله – رضى الله عنه قال
رأى عمر بن الخطاب – رضى الله عنه طلحة بن عبيد الله –رضى الله عنه –
ثقيلاً – أى عند الموت عند الاحتضار – فقال رضى الله عنه : مالك يا طلحة
لعلك ساءك أو ساءتك امرأة بنى فلان، يقصد زوجته أو امرأة أخرى، عمر يقوله :
لعلك ساءتك امرأة بنى فلان أو امرأة عمك، فقال طلحة : لا لا وأثنى على أبى
بكر.
ثم
قال طلحة : إلا إنى سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منعنى أن أسأله عنه إلا القدرة عليه، حتى
مات سمعته يقول صلى الله عليه وسلم
" إنى لا أعلم كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا أشرق لها لونه ونفس
الله عنه كربته " قال عمر : تعلم كلمة أعظم من كلمة أمر النبى صلى الله
عليه وسلم بها عمه عند موته ؟ قال
: يا عم قل : لا إله إلا الله . قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها
عند الله يوم القيامة ".
فقال
أبو جهل، وعبد الله بن أبى أمية لعم النبى أبى طالب : أترغب عن ملة عبد
المطلب ؟ أى هل ستترك دين عبد المطلب دين آبائك وأجدادك قال أبو طالب : لا،
بل على ملة عبد المطلب فخرج النبى صلى الله عليه وسلم من عنده وهو يقول : " لأستغفرن لك ما لم أنه
عنك " فنزل عليه قول الله تعالى : {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ
وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ
أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ
الْجَحِيمِ} (113) التوبة
إنها
كلمة التوحيد، كلمة : لا إله إلا الله.
قال
طلحة لعمر : صدقت ، صدقت (1) هى، والله هى، كلمة التوحيد.
فالعلامة
الأولى من علامات حسن الخاتمة
، أسأل الله أن يرزقنا حسنها هى: أن يوفق المحتضر للنطق بلا إله إلا الله
عند الموت.
العلامة
الثانية : عرق ورشح الجبين :
وهى
علامة يظنها كثير من الناس من علامات السوء، وهى من علامات حسن الخاتمة
ألا وهى : عرق ورشح الجبين، وإذا مات المؤمن برشح الجبين، ينام على فراش
الموت فيعرق جبينه ويتصبب جبينه عرقاً، هذه من علامات حسن الخاتمة.
ففى
الحديث الذى رواه أحمد والنسائى والترمذى وغيرهم بسند حين واللفظ لأحمد من
حديث بريدة – رضى الله عنه – أنه كان بخراسان فعاد أخا له وهو مريض فوجده
فى الموت وإذا هو يعرق جبينه بريدة : الله أكبر، سمعت رسول الله وهو يقول "
موت المؤمن بعرق الجبين " (1)
والنبي
صلى الله عليه وسلم كان جبينه الأزهر الأنور عند الموت يتصبب عرقا
وكانت عائشة قد أحضرت له ركوة – إناء فيه ماء فكان النبى صلى الله عليه
وسلم يمد يده الشريفة فى الإناء
ويمسح العرق من على جبينه الأزهر الأنور، وهو يقول : " لا إله إلا الله
إن للموت لسكرات " هذا لفظ الصحيحين ولفظ أحمد : " لا إله إلا الله
إن للموت لسكرات اللهم هون على سكرات الموت "(2)
المصطفى
صلى الله عليه وسلم مات برشح
الجبين، بعرق الجبين وهو الذى قال : " موت المؤمن بعرق الجبين ".
فإن
وجدت الرجل على فراش الموت يرشح جبينه ويتصبب، فهذه إن شاء الله من علامات
حسن الخاتمة .
هذه
كلها علامات ليس بالضرورة، أن تتوفر كلها فى شخص واحد إن وفق لعلامة واحدة
من هذه العلامات فهى علامة خير إن شاء الله.
العلامة
الثالثة : الموت ليلة الجمعة :
علامة
جميلة لا دخل فيها للمرء ، وإنما هى محض فضل الله على المؤمن ، ألا
وهى
: أن يموت ليلة الجمعة أو نهار الجمعة هذا محض فضل الله على العبد.
روى
الإمام أحمد فى مسنده، والحديث قال عنه شيخنا الألبانى – رحمه الله : حسن
أو صحيح بمجموع طرقه من حديث أنس وجابر – رضى الله عنهما –عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ
يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلا وَقَاهُ
اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ ) . رواه الترمذي (1074) . وصححه
الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 49 ، 50) .(1)
يوم
الجمعة : نهار الجمعة، ليلة
الجمعة أى الخميس ليلاً. ولا تصدقوا الأفاكين والكذابين الذين يريدون للأمة
الآن ألا تخشى القبر وألا تستعد للقبر، وهذا هو الهدف المراد من هذه
الدندنة الخبيثة على إنكار عذاب القبر، ونعيمه هذا هو الهدف، هم لا يريدون
لنا أن نشتغل بالقبر، وألا نستعد للقبر ولا أن نخشى القبر، ومن لا يستعد
للقبر فرط فى العمل، فالقبر فيه فتنة، وفيه نعيم ونحن نكذب كل الكاذبين
والأفاكين، ولو حصلوا على مئات الشهادات، ونصدق كلام نبى رب الأرض
والسموات، قالصلى الله عليه وسلم
"
ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر" .
العلامة
الرابعة : من علامات حسن الخاتمة رزقنا الله حسنها : الاستشهاد فى ساحة القتال :
قال
الله تعالى : {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ
يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ
وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ
أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ
بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ
الْمُؤْمِنِينَ}169 /171 آل عمران . قال صلى
الله عليه وسلم "
للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له فى أول دفعه من دمه، ويرى مقعده فى
الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن الفزع الأكبر، ويحلى حلية الإيمان،
ويزوج من الحور العين، ويشفع فى سبعين إنساناً من أقاربه" (1).
الجزء
الخاص بالشفاعة، كأنه مرتبط بقول للنبى صلى الله عليه وسلم " ويزوج أو يرى مقعده فى الجنة "؛ لأنه
لم ينال هذه الدرجة إ لا أن دخل الجنة، فالشاهد أن الرجل إن مات فى ميدان
القتال، والله تبارك وتعالى يعلم من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا.
وقد
بينت قبل ذلك أننا لا نحكم لأحد بشهادة حتى ولو مات فى ميدان القتال،
وإنما الذى يعلم منه هذا هو الله، ولا نقول الشهيد فلان أو فلان ، ولو مات
فى ميدان القتال، لا نقول الشهيد حسن البنا، ولا نقول الشهيد سيد قطب، ولا
الشهيد الإمام أحمد، ولا ابن تيمية، وإنما نقول : نرجو الله – عز وجل – أن
يكونوا عنده فى الشهداء.
ولا
تحكم لأحد بجنة أو بنار أو بشهادة؛ لأن الرجل قد يموت فى ميدان القتال خلف
النبى صلى الله عليه وسلم ، وهو من أهل النار ، وقد أخبرنا النبى المختار
صلى الله عليه وسلم بذلك.
والحديث
فى الصحيحين من حديث سهل بن سعد : رأى الصحابة رجلاً أبلى فى أرض المعركة
بلاءً حسنا، فقال الصحابة : ما أبلى اليوم أحد مثلما أبلى فلان لا يدع شاذة
ولا فاذه، إلا تبعها بسيفه قال النبى صلى الله عليه وسلم" هو فى النار " فقال رجل : لآتينكم
بخبره يقول : فتبعت الرجل ، فأصيب بسهم، فلم يتحمل الألم، فوضع رمحه على
الأرض، واتكأ بصدره على سن رمحه فقتل نفسه، فعاد الرجل إلى النبى صلى الله
عليه وسلم يقول : أشهد أنك رسول
الله، قال : " وما ذاك " قال : قلت فى الرجل كذا وكذا ، وقال الصحابة كذا
وكذا وتبعه فرأيته فعل كذا وكذا فقال النبى صلى الله عليه وسلم : " أشهد أنى رسول الله "(1) صلى الله عليه وسلم
إذاً
الشهيد الذى قاتل لتكون كلمة الله هى العليا، وسقط فى ميدان القتال، وهو
صادق يغفر الله له ذنوبه مع أول قطرة من دمه، ويرى مقعده فى الجنة، ويجار
من عذاب القبر، ويأمن الفزع الأكبر، ويحلى حليه الإيمان، ويزوج من الحور
العين، ويشفع في سبعين من أقاربه.
يا
عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب
أرسل
هذه الرسالة الرقراقة الإمام المجاهد العلم عبد الله المبارك لزاهد، وتقى
وعابد الحرمين الفضيل بن عياض أرسل إليه بهذه الرسالة الرقراقة، رقة دماء
الشهداء، أرسل إليه من ساحة الوغى وميدان البطولة والشرف، تلك الساحة التى
تصمت فيه الألسنة الطويلة، وتخطب فيها السيوف والرماح، على منابر الرقاب ،
يرسل من هنالك عبد الله بن المبارك لعابد الحرمين الفضيل ابن عياض ويقول :
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا ***لعلمت
أنك فى العبادة تلعب
من
كان يخضب خده بدموعه ***فنحورنا
بمائنا تتخضب
ريح
العبير لكم ونحن عبيرنا ***رهج
السنابك والغبار الأطيب
من
كان يتعب خيله فى باطل ***فخيولنا
يوم الكريهة تتعب
ولقد
أتانا من مقال نبينا***قول صحيح
صادق لا يكذب
لا
يستوى غبار خيل الله فى ***أنف امرىء
ودخان نار تلهب
هذا
كتاب الله ينطق بيننا ***ليس
الشهيد بميت لا يكذب
اللهم
ارزقنا الشهادة فى سبيلك " فمن سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل
الشهداء وإن مات على فراشه" (1)
فمن
لم يتيسر له الخروج إلى الجهاد الآن، وحيل بينه، وبين الشيشان، وحالت
الطواغيت المجرمون بينه وبين فلسطين، إن علم الله – عز وجل – منه الصدق فى
طلب الشهادة، كتبه عنده فى الشهداء، ولو مات فى بيته.
فالحديث
فى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة – رضى الله عنه – وقد ذكرته آنفا
"
من سأل الله الشهادة بصدق بلغة الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه" (2)
العلامة
الخامسة : الموت للغزاة، أو لمن خرج فى سبيل الله:
من
مات ، وقد خرج فى سبيل الله – تبارك وتعالى – خرج غازياً، خرج داعياً، خرج
آمرا بالمعروف، ناهياً عن المنكر فى سبيل الله.
فالنبى
صلى الله عليه وسلم يقول : " من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا
فهو فى سبيل الله "(1)
قال
صلى الله عليه وسلم : " ما تعدون الشهيد فيكم ؟ " الشهيد
عندكم من هو ؟ من الشهيد ؟ قالوا : يا رسول الله من قتل فى سبيل الله فهو
شهيد، فقال صلى الله عليه وسلم :" إن شهداء أمتى إذا قليل "
إذا
كان الشهيد عندكم هو الذى سيموت فقط فى الميدان هل هذا فقط هو الشهيد؟
الأمة قليل، قالوا : فمن هم يا رسول الله ؟ قال : " من قتل فى سبيل الله
فهو شهيد، ومن مات فى سبيل الله فهو شهيد، ومن مات فى الطاعون فهو شهيد،
ومن مات فى البطن فهو شهيد، والغريق شهيد " (2)
هؤلاء
هم شهداء الأمة : الذى يموت فى ميدان القتال شهيد، والذى يموت فى سبيل
الله شهيد، والذى يموت فى الجهاد، والذى يموت فى الدعوة إلى الله، والذى
يموت فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وهذا كله فى سبيل الله وهو شهيد.
ومن
مات فى الطاعون، رجل ابتلى بمرض الطاعون فمات وهو مسلم فهو شهيد.
ورجل
مات فى البطن – يعنى فى مرض من أمراض الجهاز الهضمى- أى رجل ابتلى بمرض فى
بطنه فمات، هذا عند الله شهيد، والغريق شهيد، كل هؤلاء المسلمين.
وفى
الحديث الذى رواه أبو داود قال صلى الله عليه وسلم : " من فضل – يعنى : خرج – فى سبيل الله
فمات أو قتل فهو شهيد، أو وقصه فرسه فهو شهيد أو بعيره أو لدغته هامة، أو
مات على فراشه بأى حتف شاء الله فإنه شهيد وإن له الجنة "(1)
وفى
مسند أحمد ومعجم الطبرانى الكبير بسند حسنه شيخنا الألبانى – رحمه الله
تعالى – قال صلى الله عليه وسلم : " يأتى الشهداء والمتوفون بالطاعون فيقول
أصحاب الطاعون : نحن شهداء فيقال : انظروا فإن كانت جراحهم كجراح الشهداء
تسيل دما كريح المسك فهم شهداء ، فيذهبون إليهم فيجدونهم كذلك " (2)نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الشهادة فى سبيله.
ومن
هذه العلامات : الموت بالغرق والهدم، إن من مات صابراً فهو شهيد، أو من
مات وهو على إسلامه فى حالة من هاتين الحالتين فهو شهيد.
قال
صلى الله عليه وسلم كما فى الصحيحين : " الشهداء خمسة : المطعون
الذى – هو مرض بالطاعون – والمبطون – يعنى من مات بمرض فى بطنه هذا شهيد –
والغرق وصاحب الهدم – يعنى من سقط عليه بناء – والشهيد فى سبيل الله" (1)
من
هذه العلامات وهى بشارة لكل امرأة مسلمة تموت وهى تلد أو تضع ولدها أو حتى
بعد الوضع فى النفاس، فمن علامات حسن الخاتمة إن ماتت المرأة فى نفاسها
بسبب ولدها انظر لفضل الله على هذه الأمة، فى الحديث الذى رواه أحمد
والدرامى وصحح إسناده شيخنا الألبانى- رحمه الله تعالى- من حديث عبادة بن
الصامت أن النبى صلى الله عليه وسلم عاد عبد الله بن رواحة، أى زاره وهو مريض فما
تحوز له عن فراشه أى ما تنحى له عبادة عن فراشه فقال : " أتدرى من شهداء
أمتى ؟ " قالوا : قتل المسلم شهادة قال صلى الله عليه وسلم " إن شهداء أمتى إذن لقليل، قتل المسلم شهادة،
والطاعون شهادة، والمرأة يقتلها ولدها جمعاء شهادة –اسمع هذه العبارة
الجميلة – يجرها ولدها بسرره إلى الجنة هذه كرامة" (2).
أيضاً
من العلامات : الموت بداء السل قال صلى الله عليه وسلم: " القتل فى سبيل الله شهادة ، والنفساء
شهادة، والحرق شهادة والغرق شهادة والسل شهادة، والبطن شهادة "(3) والحديث رواه الطبرانى فى الأوسط وقال شيخنا
الألبانى – رحمه الله : وفيه مندل بن على، وهو متكلم فيه وقد وثق قلت –
والكلام للشيخ الألبانى – رحمه الله : ولكن يشهد له
حديث
راشد بن حبيش الذى سبق الإشارة إليه فى علامة من العلامات السابقة، ورجاله
موثوقون وحسنه المنذرى وله شاهد آخر فى المجتمع أى عند الهيثمى.
أيضاً
من هذه العلامات : الموت فى سبيل الله، فى حال
الرباط فى سبيل الله،
قال صلى الله عليه وسلم كما فى صحيح مسلم وغيره : " رباط يوم وليلة خير من صيام شهر
وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذى كان يعمله وأجرى عليه رزقه وأمن
الفتَّان "(1)
وفى
لفظ فى زيادة عند الإمام الطبرانى قال صلى الله عليه وسلم : " وبعث يوم القيامة شهيداً " هذا هو
المرابط فى سبيل الله.
وقال
صلى الله عليه وسلم كما فى سنن أبى داود والترمذى بسند صححه
الألبانى : " كل مين يختم على عمله إلا الذى مات مرابطاً فى سبيل الله،
فإنه ينمَّى له عمله إلى يوم القيامة ويأمن فتنة القبر " (2)
هناك
حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من
ثلاث " (3)
وأنا
أظن أنه لابد من ذكر هذا الحديث فهو قيد لهذا الحديث المطلق، ولا شك أن
الجمهور على وجوب حمل المطلق على المقيد، إذا اتفقا فى الحكم، والسبب.
العلامة
الأخيرة من علامات حسن الخاتمة : الموت على عمل
صالح :
ففى
مسند أحمد بسند صحيح فى حديث حذيفة من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قال لا إله إلا الله ابتغاء وجه
الله ، وختم لها بها دخل الجنة، ومن صام يوما ابتغاء وجه الله، وختم له به
دخل الجنة ، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله وختم له به دخل الجنة"(1)
أى
عمل طاعة من الطاعات، توفق إلى هذا العمل وتموت على هذا العمل فهذه علامة
من علامات حسن الخاتمة قالصلى الله عليه وسلم " إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله "
قيل : كيف يستعمله يا رسول الله ؟ قال : " يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه
عليه" (2)
هذه
أعظم علامات حسن الخاتمة ، فشتان شتان بين رجل يموت على طاعة وبين رجل
يموت على معصية .
قال
الحافظ ابن كثير : لقد أجرى الله الكريم عادته بكرمه من عاش على شيء مات
عليه، ومن مات على شيء بعث عليه، نسأل الله أن يتوفانا جميعاً على طاعته،
وأن يرزقنا وإياكم التوبة، قبل الموت، ونظق الشهادة عند الموت، والجنة بعد
الموت إنه على كل شيئ قدير.