دعاء القنوت وتنبيهات عليه من كتاب دعاء القنوت (للعلامة بكر بن عبد الله أبو زيد)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول
الله وعلى جميع صحابته ، ومن أهتدى بهداه .
أما بعد :
فهذه
تنبيهات مهمة على بعض ما يتعلق بدعاء القنوت فى الوتر من أمور كَثُرَ
السؤال عن بعضها ،وأنتشر
بعض آخر ، ولم نعرف له أصلاً ، فما رأيناه فى الوارد ، ولا سمعنا أنه فيه ،
بعد التحرى والأستقراء ، وقد دعتِ الحاجة إلى بيانها ، لا سيما
والقنوت عبادة جهرية ، حين يدعو الإمام جهراً ، ويؤمن على دعائه المأمومون
، فَيَتَلقـَّنها المأموم ، والمتعين أن يتوارث الناسُ هَدْيَ النبى صلى
الله عليه وسلم فى تَعَبٌّدِهِهم، ودعائـهم، وقنوتهم ، وسائر أحوالهم ،
فذلك أزكى لهم ، وأطيب ، وأرجى لهم ند ربهم ومعبودهم .
لِما
ذُكرَ اقتضى الحال التنبيه على أُمُور منها ما هو خطاء والصواب خلافه ،
ومنها ما هو مفضول والأفضلُ سواه ، ومنها ما هو إعتداء فى الدعاء يأباه
الله ، ورسوله ، والمؤمنون .
الأول :
تنبيهات فى بيان ما يُتَجَنَبُ في القنوت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التنبيه الأول :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إن التلحين والتطريب والتغنى والتقعر والتمطيط فى أداء
الدعاء منكر عظيم ينافى الضراعة والابتهال والعبودية
وداعيةَّ للرياء والإعجاب وتكثير جمع المعجبين به .
وقد أنكر أهل العلم على من يفعل ذلك فى القديم والحديث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
التنبيه الثانى :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
يُتجنب جلبُ أدعية مُخترعة لا أصل لها فيها إغراب فى
صيغتها وسجعها وتكلفها حتى إن الإمام ليتكلف حفظها ويتصيدها تَصَيُّداً
ولذا يكثر غلطه فى إلقائها ومع ذلك تراه يلتزمها ويتخذها شعارا وكأنما
أحيا سُّنة هجرتها الأمة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
التنبيه الثالث :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتجنب التزام أدعية وردت فى روايات لا تصح عن النبى صلى
الله عليه وسلم
لأن فى سندها
كذابا أو متهما بالكذب أو ضعيفا لا يقبل حديثه وهكذا
مثل حديث فرات عن على رضى الله عنه قال
قال لى على (( ألا يقوم أحد فيصلى أربع ركعات ويقول فيهن
ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
(( تم نورك فهديت فلك الحمد ، عظم حلمك فعفوت فلك الحمد .
.
إلى قوله :
ولا يبلغ مدحتك قول قائل ))
منقطع الإسناد .
وحديث : يا من لا تراه العيون .....الحديث
وحديث : (( يا من أظهر الجميل وستر القبيح يا من لا يؤاخذ
بالجريرة . . إلى قوله : أسألك أن لا تشوى خلقى بالنار ))
والحديث فيه وعنعنة وتدليس كما تعقبه الذهبى فى الميزان .
فانظر كيف يتعلق الداعى بحديث هذه منزلته ويهجر الدعاء
بآيات القرآن العظيم وما يثبت فى الصحيحين وغيرهما عن النبى صلى الله عليه
وسلم .
والدعاء ليس
فيه محذور ولكن الغلط يحدث بهجر الصحيح
وإلتزام ما لا يصح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــ
التنبيه
الرابع :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويتجنب قصد السجع فى الدعاء ، والبحث عن غرائب الأدعية
المسجوعة على حرف واحد .
وقد ثبت فى البخارى – رحمه الله – عن عكرمة عن إبن عباس –
رضى الله عنهما – أنه قال له (( فانظر السجع فى الدعاء فاجتنبه ، فإنى
عهدت رسول لله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب ))
ومن الأدعية المخترعة المسجوعة :
( اللهم أرحمنا فوق الأرض وارحمنا تحت الأرض وارحمنا يوم
العرض ))
ولا يُردُّ
على ذلك ما جاء فى الأدعية النبوية من ألفاظ متوالية فهى غير مقصودة ولا
متكلفة ولهذا فهى فى غاية الإنسجام .
---------------------------
التنبيه الخامس :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويجتنبُ اختراع أدعية ، فيها تفصيل أو تشقيق فى العبارة ؛
لِما تُحدثه من تحريك العواطف ، وإزعاج الأعضاء ، والبكاء ، والشهيق ،
والضجيج ، والصَّعق ، إلى غير ذلك ممَّا يحدُثُ لبعضِ الناس حسب أحوالهم
وقدراتهم ، قوة ً ، وضعفا ً .
ومنه: تضمين الأستعاذة من عذاب القبر ، ومن أهوال يوم
القيامة ، أوصافاً وتفصيلات ، ورصِّ كلمات مترادفات ، يُخرجُ عن مقصود
الإستعاذة ، والدُّعاء ، إلى الوعظ ، والتخويف ، والترهيب .
وربما كان له حكم الكلام المتعمد غير المشروع فى الصلاة
فيبطلها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــ
التنبيه السادس :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يُتجنب التطويل بما يشق على المأمومين ، ويزيد أضعافا
على الدعاء الوارد ، فيحصل من المشقة ، واستنكار القلوب ، وفتور المأمومين ،
مما يؤدى إلى خطر عظيم ، يخشى على الإمام أن يلحقه منه إثم .
إذا كان النبى صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ رضى الله
عنه – لما أطال فى صلاة الفريضة :
((أفتان أنت يا معاذ ؟؟))
فكيف فى هذا الحال !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــ
التنبيه
السابع :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويتجنب إيراد أدعية تخرج مخرج الدعاء ، ولكن فيها إدلال
على الله – تعالى – حتى إنك لتسمع بعضهم فى أول ليلة فى رمضان يدعو قائلا :
(( اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا )) وقد يدعو بذلك فى آخر رمضان ، ولا
يقرنه بقوله :
(( وتجاوز
اللهم عن تقصيرنا ، وتفريطنا ))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــ
التنبيه الثامن :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويترك زيادة ألفاظ لا حاجة إليها ، فى مثل قول الداعى :
((اللهم أنصر المجاهدين فى سبيلك )) فيزيد :
((فى كل مكان ))
أو يزيد :
(( فوق كل أرض وتحت كل سماء ))
ونحو ذلك من زيادة ألفاظ لا محل لها ، بل بعضها قد يحتمل
معنى مرفوضا شرعا .
ومن
الألفاظ المولَّدة لفظة : (( الشَّعْب)) فى
الدعاء المخترع : (( واجعلهم رحمة لشعوبهم ..)).
وهو من إطلاقات اليهود من أنهم:
(( شعبُ الله المختار)) .
ومن الدعاء بأساليب الصحافة والإعلام ، قول بعض الداعين
للأمة الإسلامية :
(( وهى
تَرْفُلُ فى ثوب الصحة والعافية ))
فمادة ((رَفلَ)) مدارها على التبختر ، والخيلاء ، كما فى
الحديث المرفوع أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :
(( مثل الرافلة فى الزينة فى غير أهلها كمثل ظلمة يوم
القيامة لا نور لها )) رواه الترمذى .
الرافلة : أى : المتبخترة .
فانظر كيف يحصل الدعاء بأن تقابل النعمة بالمعصية .
وهكذا يفعل التجاوز للسنن ، وهجر التفتيش بكتب لسان
العرب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــ
التنبيه
التاسع :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولا يأتى الإمام بأدعية ليس لها صفة العموم ، بل تكون
خاصة بحال ضر ، أو نصرة ، ونحو ذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــ
التنبيه العاشر والأخير :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليس من حق الإمام أن يراغم المأمومين ، ولا أن يضرهم
بوقف طويل يشق عليهم ، ويؤمنون معه على دعاء مخترع لم يرد على النبى صلى
الله عليه وسلم
أو يكونوا
فى شك فى مشروعيته ، وبينما هو فى حال من التغريد والانبساط فهم فى غاية
التحرج والانزعاج .
أنتهى
بتصرف
وجزى الله
الشيخ خير الجزاء عنا
ورحمه الله
وأخيرا جزى الله خيرا من ألهم لى فكرة إختصار بعض الكتب
المفيدة لعلمائنا لكبار