أخلاق أهل القرآن (1)
أخلاق أهل القرآن أبو بكر محمد بن الحسين الآجريقسَّم الكتاب إلى أبواب، وجعل لكل باب عنوانًا، وأورد تحته ما يناسبه من أحاديث وآثار.ثم عقَّب على كثير من الأحاديث والآثار التي أوردها بالشرح والبيان، كما أنه لم يخل هذه التعليقات من توجيهات ونصائح ينتفع بها أهل القرآن.و لم يلتزم الصحة فيما يورده من النصوص.و لم يرتب النصوص التي أوردها ترتيبًا محددًا.وبلغ عدد النصوص المسندة(96) نصًّا، تتنوع بين أحاديث مرفوعة وآثار موقوفة على الصحابة والتابعين.نص على نسبته إليه السيوطي في الإتقان)182، 282(، المناوي في فيض القدير)48(، والعجلوني في كشف الخفاء)275(
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي وما توفيقي إلا بالله
أخبرنا الشيخان الصالحان الثقتان: الشيخ تاج الدين أبو العباس أحمد بن علي بن أبي الفضائل العكبري الفقيه الشافعي، والشيخ كما الدين أبو حفص عمر بن محمد بن محمد بن حسين سبط الشيخ الإمام العالم الحافظ أبي محمد عبد الرحيم بن محمد بن الزجاج.
قراءة عليهما وأنا أسمع، في يوم الجمعة السادس عشر من شهر ربيع الآخر من سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة في مسجد السلامي بدار الخليفة مشرقي بغداد.
قيل لهما: أخبركما الشيخ الإمام العالم مجد الدين أبو الفضل عبد الله بن محمود بن مودود بن محمود بن بلدجي إجازة فأقرابه.
قالا: أخبرنا الشيخ الإمام الزاهد الصالح أبو بكر مسمار بن عمر بن محمد بن العويس النيار المقرئ البغدادي سماعاً لجميعه قال: أخبرنا أبو الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن علي الحافظ قال: أنا أبو بكر أحمد بن علي الطريبي قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر بن حفص الحماني رحمة الله عليه، قال: قال أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري، رحمه الله: أحق ما أستفتح به الكلام، الحمد لمولانا الكريم، وأفضل الحمد ما حمد به الكريم نفسه، فنحن نحمده به.
)الحَمدُ لِلّهِ الَّذي أَنزَلَ عَلى عَبدِهِ الكِتابُ وَلَم يَجعَلُ لَهُ عِوجاً قيماً ليُنذِرَ بَأَساً شَديداً مِن لَدُنهِ، وَيُبَشر المُؤمِنينَ الَّذين يَعمَلونَ الصالِحاتِ أَن لَهُم أَجراً حَسَناً ماكِثينَ فيهِ أَبَدَاً(.
و)الحَمدُ لِلّه الَّذي لَهُ ما في السَمَواتِ وَما في الأَرض وَلَهُ الحَمدُ في الآَخِرَةِ وَهُوَ الحَكيمُ الخَبير يَعلَمُ ما يَلِجُ في الأَرضِ وَما يَخرِجُ مِنها وَما يَنزِلُ مِن السَماءِ وَما يَعرِجُ فيها وَهُوَ الرَحيمُ الغَفور(.
أحمده على قديم إحسانه، وتواتر نعمه، حمد من يعلم أن مولاه الكريم علمه ما لم يكن يعلم، وكان فضله عليه عظيماً.
وأسأله المزيد من فضله، والشكر على ما تفضل به من نعمه، إنه ذو فضل عظيم.
وصلى الله على محمد عبده ورسوله، ونبيه، وأمينه على وحيه وعباده، صلاة تكون له رضاً، ولنا بها مغفرة، وعلى آله أجمعين وسلم كثيراً طيباً.
أما بعد: فإني قائل وبالله ألق التوفيق والصواب من القول والعمل، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال أبو بكر: أنزل الله عز وجل القرآن على نبيه صلى الله عليه وسلم، وأعلمه فضل ما أنزل عليه، وأعلم خلقه في كتابه، وعلى لسان رسوله: أن القرآن عصمة لمن اعتصم به، وحرز من النار لمن اتبعه ونور لمن استنار به، وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين.
ثم أمر الله خلقه أن يؤمنوا به، ويعملوا بمحكمة: فيحلوا حلاله، ويحرموا حرامه، ويؤمنوا بمتشابهه، ويعتبروا بأمثاله، ويقولوا: )آمنا بِهِ كُلُ مِن عِندَ رَبَنا(.
ثم وعدهم على تلاوته والعمل به: النجاة من النار والدخول إلى الجنة ثم ندب خلقه عز وجل إذا هم تلوا كتابه أن يتدبروه ويتكفروا فيه بقلوبهم، وإذا سمعوه من غيرهم: أحسنوا استماعه.
ثم وعدهم على ذلك الثواب الجزيل فله الحمد.
ثم أعلم خلقه: أن من تلى القرآن وأراد به متاجرة مولاه الكريم فإنه يربحه الربح الذي لا بعده ربح، ويعرفه بركة المتاجرة في الدنيا والآخرة.
قال محمد بن الحسين: جميع ما ذكرته وما سأذكره إن شاء الله، بيانه في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قول صحابته رضي الله عنهم وسائر العلماء، وسأذكر منه ما حضرني ذكره إن شاء الله والله الموفق لذلك. قال الله عز وجل )إِنَّ الَّذين يَتلونَ كِتابَ اللَهِ وَأَقاموا الصَلاةَ وأَنفَقوا مَمّا رَزقناهُمُ سِراً وَعلانيِةً يَرجونَ تِجارَةً لَن تَبورَ ليوفيهُمُ أُجورَهُم وَيزيدَهُم مِن فَضلِهِ إِنه غَفورٌ شَكور(.
وقال عز وجل: )إِنِّ هَذا القُرآن يَهدي لِلَتي هِيَ أَقوَمُ وَيُبَشِرُ المُؤمِنينَ الَّذينَ يَعمَلونَ الصالِحاتِ أَنَّ لَهُمُ أَجراً كَبيراً. وَإِنَّ الَّذينَ لا يُؤمِنونُ بِالآخِرَةِ أَعتَدنا لَهُمُ عَذاباً أَليماً(.
وقال عز وجل: )وَنُنَزَّلُ مِن القُرآنِ ما هُوَ شَفاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ وَلا يَزيدُ الظالِمينَ إِلا خَساراً(.
وقال عز وجل: )يا أَيُّها الناسُ قَد جاءَتكُم مَوعِظَةً مِن رَبِكُم وَشِفاءٌ لِما في الصُدور وَهُدَىً وَرَحمَةً لِلمُؤمِنين(.
وقال عز وجل: )يا أَيُّها الناسُ قَد جاءَكُم بُرهانٌ مِن رَبِكُم وأَنزَلنا إِلَيكُم نُورَاً مُبيناً. فَأَما الَّذينَ آمَنوا بِاللَهِ وَاَعتَصَموا بِهِ فَسَيُدخِلَهُم في رَحمَةٍ مِنهُ وَفضل وَيَهديهُم إِلَيهِ صِراطاً مُستَقيماً(.
وقال عز وجل: )وَاعتَصِموا بِحَبلِ اللَهِ جَميعاً وَلا تَفَرَقوا(.
وحبل الله هو القرآن.
وقال عز وجل: )اللَهُ نَزَّلَ أَحسَنَ الحَديثِ كِتاباً مُتشابِهاً مُثاني تَقشَعِرُ مِنهُ جُلودُ الَّذينَ يَخشونُ رَبَهُم ثُمَ تَلينُ جُلودَهُم وَقُلوبَهُم إِلى ذِكرِ اللهِ ذَلِكَ هدى اللَهِ يَهدي مَن يَشاءُ وَمَن يُضَلِل اللَهُ فَما لَهُ مِن هاد(.
وقال عز وجل: )وَكَذَلِكَ أَنزَلناهُ قُرآناً عَرَبياً وَصَرَفنا فيهِ مِن الوَعيدِ لَعَلَهُم يَتَقون أَو يَحدِثُ لَهُم ذِكراً(.
ثم إن الله عز وجل وعد لمن استمع إلى كلامه فأحسن الأدب عند استماعه بلا اعتبار الجميل، ولزوم الواجب لاتباعه والعمل به، يبشره منه بكل خير، ووعده على ذلك أفضل الثواب.
فقال عز وجل )فبشر عِبادي الَّذينَ يَستَمِعونَ القَولَ فَيتَبِعونَ أَحسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذينَ هَداهُمُ اللَهُ وَأُولَئِكَ هُمُ أُولوا الأَلباب(.
وقال عز وجل: )وَأنيبوا إِلى رَبَكُم وَأَسلَموا لَهُ مِن قَبلِ أَن يَأتيكُمُ العَذابَ ثُمَ لا تَنصُرونَ( إلى قوله )مِن قَبلِ أَن يَأتيكُمُ العَذابُ بَغتَةً وَأَنتُمُ لا تَشعُرونَ(.
قال محمد بن الحسين: فكل كلام ربنا حسن لمن تلاه، ولمن استمع إليه، وإنما هذا والله أعلم صفة قوم إذا سمعوا القرآن تتبعوا من القرآن أحسن ما يتقربون إلى الله تعالى، مما دلهم عليه مولاهم الكريم، يطلبون بذلك رضاه، ويرجون رحمته، سمعوا الله قال: )وَإِذا قُرِئَ القُرآنَ فَاِستَمِعوا لَهُ وَأَنصِتوا لَعَلَكُم تُرحَمون(.
فكان حسن استماعهم يبعثهم على التذكر فيما لهم وعليهم. وسمعوا الله عز وجل قال: )فَذَكر بِالقُرآنَ مِن يَخافُ وَعيد(.
وقد أخبرنا الله عن الجن، وحسن استماعهم للقرآن، واستجابتهم فيما يجذبهم إليه، ثم رجعوا إلى قومهم فوعظوهم بما سمعوا القرآن بأحسن ما يكون من الموعظة.
قال الله عز وجل: )قُل اوحِيَ إِلَيَّ أَنَهُ اِستَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِ فَقالوا إِنا سَمِعنا قُرآناً عَجَباً يَهدي إِلى الرُشدِ فَآمنا بِهِ وَلَن نُشرِك بِرَبِنا أَحَداً(
وقال عز وجل: )وَإِذ صَرَفنا إِلَيكَ نَفَراً مِنَ الجِن يَستَمِعونَ القُرآنَ، فَلَما حَضَروهُ قالوا: أَنصِتوا فَلَما قُضِيَ وَلّوا إِلى قَومِهُم مُنذِرينَ قالوا يا قَومَنا إِنّا سَمِعنا كِتاباً أُنزِلَ مِن بَعدِ موسى مُصَدِقاً لِما بَينَ يَدَيهِ يَهدي إِلى الحَقِ وَإِلى طَريقٍ مُستَقيم يا قَومَنا أَجيبوا داعِيَ اللَهِ وآمَنوا بِهِ(
قال محمد بن الحسين: وقد قال الله عز وجل في سورة ق والقرآن المجيد، ما دلنا على عظيم ما خلق من السموات والأرض ةما بينهما من عجائب حكمته في خلقه، ثم ذكر الموت وعظيم شأنه، ثم ذكر النار وعظيم شأنها، وذكر الجنة وما أعد فيها لأوليائه فقال عز وجل: )لَهُمُ ما يَشاءونَ فيها وَلَدَينا مَزيدٌ( إلى آخر الآية.
ثم قال بعد ذلك: )إِنَّ في ذَلِكَ لِذِكرى لِمَن كانَ لَهُ قَلبٌ أَو أَلقى السَمعَ وَهُوَ شَهيد(.
فأخبر جل ذكره أن المستمع بأذنيه ينبغي أن يكون شاهداً بقلبه ما يتلو وما يسمع لينتفع بتلاوته للقرآن بالاستماع ممن يتلوه. ثم إن الله عز وجل حث خلقه على أن يتدبروا القرآن، فقال عز وجل: )أَفَلا يَتَدَبَرونَ القُرآنَ أَم عَلى قُلوبِ أَقفالَها*(.
ثم قال بعد ذلك: )إِنَّ في ذَلِكَ لِذِكرى لِمَن كانَ لَه قَلبٌ أَو أَلقى السَمعَ وَهُوَ شَهيد(.
فأخبر جل ذكره أن المستمع بأذنيه ينبغي أن يكون شاهداً بقلبه ما يتلو وما يسمع لينتفع بتلاوته للقرآن بالاستماع ممن يتلوه. ثم إن الله عز وجل حث خلقه على أن يتدبروا القرآن، فقال عز وجل: )أَفَلا يَتَدَبَرونَ القُرآنَ أَم عَلى قُلوبِ أَقفالِها(.
وقال عز وجل:)أَفَلا يَتَدَبرونَ القُرآنَ وَلَو كانَ مِن عِندِ غَيرِ اللَهِ لَوَجَدوا فيهِ اِختِلافاً كَثيراً(.
قال محمد بن الحسين: ألا ترون رحمكم الله إلى مولاكم الكريم كيف يحث خلقه على أن يتدبروا كلامه، ومن تدبر كلامه عرف الرب عز وجل، وعرف عظيم سلطانه وقدرته، وعرف عظيم تفضله على المؤمنين، وعرف ما عليه من فرض عبادته، فألزم نفسه الواجب، فحذر مما حذره مولاه الكريم، ورغب فيما رغبه فيه، ومن كانت هذه صفته عند تلاوته للقرآن وعند استماعه من غيره كان القرآن له شفاء، فاستغنى بلا مال، وعز بلا عشيرة، وأنس بما يستوحش منه غيره، وكان همه عند التلاوة السورة إذا افتتحها: متى أتعظ بما أتلوه? ولم يكن مراده متى أختم السورة? وإنما مراده متى أعقل من الله الخطاب? متى أذدجر? متى أعتبر? لأن تلاوته للقرآن عبادة، والعبادة لا تكون بغفلة، والله الموفق.
حدثنا ابو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال ثنا زيد بن أخزم قال نا محمد بن الفضل قال نا سعيد بن زيد عن أبي حمزة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله يعني ابن مسعود قال: لا تنثروه نثر الدقل. ولا تهذوه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة.
وحدثنا أبو بكر أيضاً قال: نا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني قال: نا عبد الوهاب بن عطاء قال: سمعت أبا عبيدة الناجي يقول إنه سمع الحسن يقول: الزموا كتاب الله وتتبعوا ما فيه من الأمثال وكونوا فيه من أهل البصر.
ثم قال: رحم الله عبداً عرض نفسه وعمله على كتاب الله فإن وافق كتاب الله حمد الله وسأله الزيادة وإن خالف كتاب الله أعتب نفسه ورجع من قريب.
أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال نا شجاع بن مخلد قال نا ابن علية، قال نا زياد بن مخراق عن معاوية بن قرة عن أبي كنانة أن أبا موسى الأشعري جمع الذين قرأوا القرآن وهم قريب من ثلاثمائة فعظم القرآن وقال: إن هذا القرآن كائن لكم ذخراً وكائن عليكم وزراً فاتبعوا القرآن ولا يبتعكم فإنه من اتبع القرآن هبط به على رياض الجنة، ومن اتبعه القرآن زخ به في قفاه فقذفه في النار.
الحسين بن الحسن المروزي قال نا ابن المبارك قال نا سالم المكي عن الحسن قال: من أحب أن يعلم ما هو فليعرض نفسه على القرآن.
حدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال نا وحدثنا أبو محمد أيضاً قال نا الحسين قال نا عبد الله قال نا عبد الملك بن أبي ليمان عن عطاء وقيس بن سعد عن مجاهد في قوله عز وجل )يَتلونَهُ حَقَ تِلاوَتِهِ( قال: يعملون به حق عمله.
أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال: نا شجاع بن مخلد قال نا أبو معاوية الضرير قال نا عبد رب بن أيمن عن عطاء قال: إنما القرآن عبر إنما القرآن عبر.
قال محمد بن الحسين: وقبل أن أذكر أخلاق أهل القرآن وما ينبغي أن يتأدبوا به أذكر فضل حملة القرآن ليرغبوا في تلاوته والعمل به والتواضع لمن تعلموا منه أو علموه.