متحجبة ! دخلت جامعة مختلطة وتصادق الشباب وتفعل الزنا على الهاتف !
السؤال: يا ليت يكون لك معي
صبر وافر لسماع حكايتي ، وأن تنصحني بما فيه خير لي ، وسوف أكون إن شاء لله
مطيعة لنصائحك .قصتي لا أعرف كيف أبدأها ولكنها كالآتي :أنا متحجبة ،
وألبس الجلباب ، وأصادق في الجامعة بنات في مثل تديني ، بل أكثر مني ، ولكن
لا أعرف ما الذي يحدث لي بين الفترة والأخرى ، بل وأحيانا لا أمتّ لديني
بأي صلة ، فأُصبح أتكلم مع الشباب في أمور غير لائقة ، ونمارس أفعالاً غير
محتشمة ، وذلك بمجرد بُعد صديقاتي عنِّي ، وأحياناً يصل الأمر إلى الزنا !
والقصد هنا زنا عن طريق الهاتف ! إذ لم يمسسني أي شخص مباشرة ، وصدقني
عندما ينتهي الأمر أكره نفسي ، وأكره ما فعلت ، وأتذكر الباري عز وجل الذي
يراني ، ويسمعني ، وأقول في نفسي إن هذه المرة هي آخر مرة ، وإني سوف أتوب
للباري ، وتمر الأيام وأنا تائبة ونادمة ، ولكن سرعان ما أعود لنفس القصة ،
وعندما تنتهي أندم مرة أخرى ، وهكذا ، والمشكلة في الأمر : لا أعرف لمن
أشتكي ، ومن ينصحني ، لا أعرف إذا كان هذا مرضاً أو انفصاماً في الشخصية ،
أو حتى هل بإمكاني أن أرجع مثل الأول ، وأعود لحياتي الطبيعية ، علماً بأن
هذه المسألة بدأت معي منذ دخولي إلى الجامعة ، وما مراسلتي لك إلا لأنني
أريد فعلا أن أتبدل ، وأغير نمط حياتي ، فهل لي من عطفك وإرشادك لي على
الطريق الصحيح ، وأن أبدأ حياتي نظيفة تائبة ، حياة لا رجوع فيها إلى
الوراء ؟ أتمنى أن ترشدني إلى ما هو صحيح برأيك .
الحمد لله
آلمتنا رسالتك أشد الألم ، وأصابنا الغم والهم
بسببها ، وإننا لفي عجبٍ من كل منيرضى على عرضه أن يكون بين ذئابٍ بشرية ،
وكم نادينا بما نادت به الشريعة الغراء منضرورة الفصل بين النساء والرجال ،
وكم بَيَّنا تحريم الاختلاط بين الجنسين ، وكمنبهنا على أن الشريعة لم
تأذن للمرأة أن تؤذن ولا أن تؤم وتخطب الجمعة ، ورغبت فيصلاتها في بيتها ،
وحرَّمت على المرأة أن تسافر من غير محرَم ، ومن أن تخلو برجلأجنبي عنها ،
ومن أن تخضع بالقول وتلين فيه ، أو تصافح الرجال الأجانب عنها أوتمازحهم ،
وكل ذلك – وغيره - من أجل الحفاظ على الأعراض ، ومن أجل سلامة القلوب
منالفتنة .
وها هم المسلمون وللأسف – إلا من رحم الله – يفرطون في تلك
الأوامر ، ويرتكبون تلكالنواهي ، حرصاً منهم على مشابهة الغرب في تصرفاتهم ،
أو حرصاً على تحصيل شهادة ،ولو دُفع مقابلها أغلى الأثمان ، وهو العِرض !
نعم ، العِرض هو الثمن في حالاتكثيرة ، ونحن نتلقى مئات الرسائل والاتصالات
والحالات لشباب وشابات على الطاعةوالاستقامة سرعان ما يذوب أحدهم في
مجتمعه المختلط ، ويتأثر بالبيئة الفاسدة التيحوله ، فينسى استقامته ،
ويتخلى عن طاعته ، ويبيعها بثمن بخسٍ ، إرضاءً لشهوتهالبهيمية الزائلة .
وانظري
لنفسكِ أيتها السائلة ، أين تدينكِ ؟ أين استقامتك وطاعتك لربك ؟ وضعتِ
علىرأسك حجاباً استجابة لأمرِ الله وفرَّطتِ في عرضك تسلمينه للذئاب تنهش
به ؟! وهلالزنا على الهاتف هو نهاية المطاف وآخر الأمر ؟! لا ، ولن تزال
الشهوة تلتهب وتحرققلبك وبدنك حتى تطفئيها بما هو أشد إثماً وفحشاً وسوءً !
كيف رضيتِ لنفسك وأنت علىهذه الحال من التدين والحجاب أن تكلمي أجانب عنك
بكلمات غير لائقة ؟! وأين أنتِ عنرقابة الله تعالى لك وسماعه وإبصاره لك
وأنت تمارسين الزنا على الهاتف ؟! ماذا لورآكِ أهلك وأنت تفعلين هذا ؟
وماذا لو قبض الله تعالى روحك وأنت تفعلين هذا فكانتهذه خاتمة حياتك ؟ هل
تضمنين الحياة بعد تلك الأفعال المشينة ؟ وهل تضمنين التوفيقللتوبة بعدها
؟! .
وإذا كنتِ تتوقعين منا حلاًّ لمشكلتك ينهيها لك : فليس عندنا حل
إلا في الاستجابةلأوامر الله تعالى ، والكف عن نواهيه ، ليس عندنا حل لك
إلا بخروجك من الجامعةفوراً ودون تردد أو تأخر والانتقال إلى جامعة أخرى
ليس فيها اختلاط محرم ، فهذهبيئة موبوءة ، وقعتِ بسببها في معاصٍ وارتكبتِ
فيها آثاماً ، فكيف تكون النجاة منغضب الله وسخطه ؟ لا نجاة إلا بترك
البيئة الفاسدة ، ولا نجاة إلا بالتوبة الصادقة، والإقبال على الطاعات .
إن
باب التوبة مفتوح أمامكِ أيتها السائلة ، وفضل الله ورحمته على عباده
عظيمةجليلة ، فسارعي إلى إرضاء ربك بتوبة صادقة ، وأعمال يحبها ويرضاها ،
وتجنبي سخطه عزوجل ، ولا تقدِّمي شيئاً على نعيم الآخرة ، ولا تجعلي لك
همّاً غير أن يرضى عنك ربكسبحانه وتعالى .
ولقد لمسنا من رسالتك تنازع
جوانب الخير والشر ، فتغلبك الشهوة ويغلبك الشيطانفتفعلين المحرمات ، ثم
يأتيك داعي الخير ليُحدث عندك ندماً وأسفاً على الحال التيوصلتِ لها ،
فاستثمري داعيَ الخير ، وأخرجي داعي الشر من نفسك ومن حياتك ،
فالنفساللوامة التي تلومك على فعل المنكرات والآثام خير من النفس الأمَّارة
بالسوء ، لكنإن لم تتداركي نفسك لتكون نفسك نفساً خيِّرة مطمئنة فإنها
ستصير نفساً أمَّارةبالسوء ، وهنا سيكون الهلاك والفضيحة والخزي في الدنيا
والآخرة ، وهو ما لا نتمنىحصوله ، ونثق بكِ أنك ستنقذين نفسك من الآثام
والمعاصي ، وستسارعين إلى جنة عرضهاالسموات والأرض أعدَّت للمتقين الذين
يتقون الله بفعل الطاعات وترك المنكرات .
ومع تخلصك من الجامعة وخروجكِ
منها : اقطعي كل صلة لك بكل من تعرفين من الشبابوالشابات الذين سهلوا لك
الوقوع في المنكر ، ولا يحل لك الاتصال بشاب أجنبي عنك ،ولا تتصلي بأي
صديقة يمكن أن تجرك لمعصية أو فاحشة ، واحرصي على الصحبة الصالحة منالنساء
المتدينات ، والزمي كتاب الله تعالى قراءة وحفظا وتدبراً ، واحرصي على
طلبالعلم من الأشرطة والكتب وحلقات العلم ، وتداركي نفسك قبل فوات الأوان .
وفي
حال عدم خروجك من الجامعة – بسبب ضغط أهلك - : فاعلمي أنه لا يحل مصادقة
أحد منالشباب ، وأن عليك البحث عن الأخوات المستقيمات الملتزمات لصحبتهن ،
وتعاهدي إيمانكبتقويته بأوراد يومية من القرآن والأذكار ، وألزمي نفسك
بالاستقامة على أمر اللهتعالى ، واسأليه عز وجل أن يعينك ويوفقك لما يحب
ويرضى .
وعليك أن تقللي ذهابك إلى الكلية بقدر الإمكان ، وألا تنفردي
فيها عن أخواتكالمستقيمات ، حتى لا تتركي مجالاً للشيطان أو النفس الأمارة
بالسوء ، أن تزين لكالمعصية ، فعليك بمعالجة أسباب المعصية ، واستحضري
دائماً ، اطلاع الله سبحانهوتعالى عليك ، وسمعه وبصره ، وهل إذا اطلع عليك
أحد من أهلك ، أكنت تفعلين ماتفعلين أمامه ! فهل يكون نظر الله وسمعه
واطلاعه عليك أهون عندك من نظر أهلك ؟!
وأكثري من دعاء الله تعالى
الثبات والاستقامة والهداية ( اهدنا الصراط المستقيم )وكان من دعاء النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللهم يا ولي الإسلام وأهلهمسكني
الإسلام حتى ألقاك عليه ) رواهالطبراني وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة
(1823)
( اللهم يا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ
)رواه الترمذي (2140) وصححه الألباني في صحيحالترمذي .
فالمشكلة منكِ ،
والحل عندكِ ، وما تختارينه لنفسك يدل على صدقك أو كذبك ، فإناخترتِ التوبة
الصادقة : فأنت صادقة في ندمك وأسفك ، وصادقة في رسالتك أنك تريدينالنجاة
والخلاص من المعاصي والآثام ، وإن اخترتِ الصحبة الفاسدة : فأنت لستِ
صادقةفي ندمك وأسفك ، ولستِ صادقة في البحث عن النجاة من همومك وغمومك
ومعاصيك ، ونرجوأن تكوني من الصادقات .
وأما عن سؤالك أنه هل يمكن أن
ترجعي لحالك الأول : فنبشرك بأنه يمكن أن ترجعي لأحسنمنه ! لكن على أن
تصدقي في التوبة والإنابة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
لكن
قد يفعل الإنسانُ المحرَّمَ ثم يتوب ، وتكون مصلحته أنه يتوب منه ، ويحصل
لهبالتوبة خشوع ورقّة وإنابة إلى الله تعالى ، فإن الذنوب قد يكون فيها
مصلحة معالتوبة منها ؛ فإن الإنسان قد يحصل له بعدم الذنوب كِبْر وعُجب
وقَسوة ، فإذا وقعفي ذنب أذله ذلك وكسر قلبه وليَّن قلبَه بما يحصل له من
التوبة .
" مجموع الفتاوى " ( 14 / 474 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح
العثيمين– رحمه الله - :
وما أكثر ما يكون الإنسان منَّا بعد المعصية
خيراً منه قبلها ، وفي كثير من الأحيانيخطئ الإنسان ويقع في معصية ، ثم يجد
مِن قلبه انكساراً بين يدي الله وإنابة إلىالله ، وتوبة إليه حتى إن ذنبه
يكون دائما بين عينيه يندم عليه ويستغفر ، وقد يرىالإنسان نفسه أنه مطيع ،
وأنه من أهل الطاعة فيصير عنده من العجب والغرور وعدمالإنابة إلى الله ما
يفسد عليه أمر دينه ، فالله حكيم قد يبتلي الإنسان بالذنبليصلح حاله ، كما
يبتلي الإنسان بالجوع لتستقيم
صحته ، وهل حصل لآدم الاجتباء إلا بعد
المعصية والتوبة منها ، كما قال : ( ثُمَّاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ
عَلَيْهِ وَهَدَى )طه/ 122، أي : بعد أن أذنب وتاب ؛ اجتباه ربه فتاب عليه
وهداه ، وانظر إلى الذين تخلفوا فيغزوة تبوك ماذا حصل لهم ؟ لا شك أنه حصل
لهم من الإيمان ، ورفعة الدرجات ، وعلوالمنزلة ما لم يكن قبل ذلك ، وهل
يمكن أن تنزل آيات تتلى إلى يوم القيامة في شأنهملولا أنهم حصل منهم ذلك ثم
تابوا إلى الله .
" الشرح الممتع " ( 3 / 51 ، 52 ) .
فلا تستعظمي
ذنوبك مقابل رحمة الله، واعلمي أن الله تعالى يقبل التوبة عن عباده ، ويحب
التوابين .
قال تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا
عَلَى أَنفُسِهِمْ لَاتَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاًإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوالَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ
الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ )الزمر/ 53،54.
وقال عز وجل : ( إنَّ
اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ )البقرة/ 222.
ونسأل
الله تعالى أن يطهر سمعك وبصرك وجوارحك من الآثام والمنكرات ، ونسأله
تعالىأن يحبب إليكِ الإيمان وأن يزينه في قلبك ، وأن يكرِّه إليك الكفرَ
والفسوقوالعصيان .
وانظري كلاماً مفصلاً حول التوبة وشروطها في جواب
السؤال رقم : (13990 )
.
وللوقوف على كيفية التخلص من المعاصي : انظري جواب السؤال رقم : (10280 )
.
والله الموفق
- اسم المفتي: محمد صالح المنجد