حكم التلفظ بالنية في العبادات : اعلم أنه لا يشرع التلفظ بالنية في العبادات لأنه لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا فعله أحد من أصحابه رضي الله عنهم ، وإنما هي بدعة حدثت في الأزمنة المتأخرة عن عصر السلف الصالح الذين زكاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :
( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) . ولأن حقيقة النية : القصد مطلقاً ، وهو إرادة الفعل ، ومحل ذلك بالقلب لا اللسان ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إنما الأعمال بالنيات ) ولم يقل بالألفاظ ، ويؤيد ذلك عدة أمور منها :
1 ـ قوله تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم...) الآية . يعني : إذا أردتم القيام إلى الصلاة .
ولما كان محل الإرادة القلب ـ وهي كما ذكرنا : القصد إلى الفعل ـ أمر بالفعل مباشرة فقال :
( فاغسلوا وجوهكم ) ولم يأمر بشيء من التلفظ بالنية .
2 ـ قوله صلى الله عليه وسلم للسيء في صلاته :
( إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبّر ) الحديث .
فلم يأمره بالتلفظ بالنية ، مع أنه في مقام تعليم الجاهل ، وأول لفظ أمره به : التكبير ، ولو كان التلفظ بالنية مشروعاً لبيّنه له صلى الله عليه وسلم . ولكن لما كان محل النية القلب ، و يحصل ذلك بالقصد إلى الفعل الذي عبّر عنه بقوله :
( إذا قمت إلى الصلاة ) أمره بعد ذلك بأول واجب لفظي وهو قول : الله أكبر .
ولذلك قال الإمام السيوطي رحمه الله :
لا يشترط مع القلب التلفظ ، ثم قال :
ولو اختلف اللسان والقلب ، فالعبرة بما في القلب ، فلو نوى بقلبه الظهر وبلسانه العصر صحّ له ما في القلب . [الأشباه والنظائر للسيوطي (47ـ48)] .
ومن هنا : تعلم خطأ بعض من يتشدد في التلفظ بالنية فتجد أحدهم يقول :
(نويت أن أصلي صلاة الظهر أربع ركعات لله تعالى فرض الوقت حاضراً مؤتماً).وهذا من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان ، وفي الحديث :
( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) . [متفق عليه]
ولمسلم :
( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) .