إمامة الأقلف للمختون
إعلام المصلين والولاة بمن يقدمونه لإمامة الصلاة
اعداد / المستشار احمد السيد على
الحمد لله حمدًا لا ينفد، هو الذي ينبغي أن يُعبد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه أما بعد
فما زال الحديث موصولاً عمن تكره إمامته، ونتحدث بمشيئة الله تعالى عن
إمامة الأقلف للمختون أولاً تعريف الختان لغة واصطلاحًا
الختان لغة من مادة خ ت ن ، ومعنى ختن أي قَطَعَ الختان
اصطلاحًا من الختن وهو قطع القلفة من الذكر، والنواة من الأنثى، والقلفة هي الجلدة التي تُقطع كما يطلق عليه الخفض والإعذار، وخص بعضهم الختن بالذكر، والخفض بالأنثى، والإعذار مشترك بينهما
ثانيًا حكم ختان الرجال والنساء
اختلف الفقهاء في حكم ختان الرجال والنساء على عدة أقوال
القول الأول أنه مسنون في حقهما، وليس بواجب وجوب فرض، ولكن يأثم بتركه وهو قول أبي حنيفة ومالك، قال الموصلي في الاختيار شرح المختار «إن الختان للرجال سنة، وهو من الفطرة، وللنساء مكرمة، فلو اجتمع أهل مِصْر بلد على ترك الختان قاتَلهم الإمام؛ لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه»
وقال القاضي عياض «والاختتان عند مالك وعامة العلماء سنة ولكن السنة عندهم يأثم تاركها؛ فهم يطلقونها على مرتبة بين الفرض والندب»
القول الثاني أن الختان واجب على الرجال والنساء، وهو قول الشافعي، ورواية لأحمد ومالك
القول الثالث أن الختان واجب على الرجال، ومكرمة في حق النساء، وليس بواجب عليهن، وهو قول لأحمد بن حنبل الأدلة أدلة القائلين بالسنية
عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي قال «الختان سنة للرجال، مكرمة للنساء» أحمد ، وضعفه الألباني
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله «الفطرة خمس أو خمس من الفطرة الختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وقص الشارب، وتقليم الأظفار» متفق عليه
وفي رواية للبخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال «من السنة قص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار» وجه الدلالة أن النبي قد قرن الختان بالمسنونات دون الواجبات
قال الإمام أحمد حدثنا المعتمر عن سالم بن أبي الدنيا قال سمعت الحسن يقول يا عجبًا لهذا الرجل يعني أمير البصرة لقي أشياخًا من أهل كيكر فقال ما دينكم؟ قالوا مسلمون فأمر بهم ففتشوا، فوجدوا غير مختونين فختنوا في هذا الشتاء، قد بلغني أن بعضهم مات، وقد أسلم مع النبي الرومي والفارسي والحبشي فما فتش أحدًا منهم أورده ابن القيم في تحفة المودود بأحكام المولود أدلة القائلين بالوجوب
قوله تعالى ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا النحل ، أمر الله عز وجل نبيه باتباع ملة إبراهيم، والختان من ملة إبراهيم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال «اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم» متفق عليه
وقيل في القدوم أنه الفأس، وقيل قرية بالشام، ورجح ابن القيم في كتابه تحفة المودود بأحكام المولود القول الأول بأنه الفأس
عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده أنه جاء إلى النبي ، فقال قد أسلمت فقال النبي «ألق عنك شعر الكفر واختتن» أبو داود وحسنه الألباني
فقوله «اختتن» فعل أمر، والأمر المطلق عن القرائن يفيد الوجوب، ولا قرينة صارفة هاهنا، فالختان واجب
عن قتادة الرهاوي أن النبي كان يأمر من أسلم أن يختتن رواه الطبراني في الكبير وحسنه الألباني فقوله يأمر يدل على الوجوب
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال «الأقلف لا تحل له صلاة، ولا تؤكل له ذبيحة، ولا تجوز له شهادة» رواه أحمد
وجه الدلالة قوله «لا تحل له صلاة» أي حتى يختتن؛ وذلك بسبب تجمع البول تحت القلفة، والصلاة واجبة عليه، ولا تصح صلاته إلا بالختان؛ فيكون الختان واجبًا، لقاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال مر رسول الله على قبرين فقال «إنها يعذبان وما يعذبان في كبير، أما هذا فكان لا يستنزه عن بوله، وأما هذا فإنه كان يمشي بالنميمة»
وجه الدلالة قوله «فكان لا يستنزه من بوله» فرتب النبي العذاب على عدم الاستنزاه من البول، وعده من الكبائر، والأقلف يحتجز بعض البول في جلدته فهو أولى بالحكم
أن الختان أظهر الشعائر التي يفرَّق بها بين المسلم والنصراني، قال الخطابي «أما الختان فإنه وإن كان مذكورًا في جملة السنن؛ فإنه عند كثير من العلماء على الوجوب، وذلك أنه شعار الدين، وبه يُعرف المسلم من الكافر، وإذا وُجد المختون بين جماعة قتلى غير مختونين صُلي عليه ودفن في مقابر المسلمين»
أن الأقلف معرض لفساد طهارته وصلاته؛ فإن القلفة تستر الذكر كله فيصيبها البول، ولا يمكن الاستجمار لها، فصحة الطهارة والصلاة موقوفة على الختان فيكون الختان واجبًا
أنه يجوز كشف العورة له لغير ضرورة ولا مداواة، فلو لم يجب الختان لما جاز كشف العورة؛ لأن الحرام لا يُلتزم للمحافظة على المسنون
متى يجب الختان على النساء؟
أما وجوبه على النساء إن كان في البظر طول، وفي الشفرين الصغيرين أو في أحدهما طول؛ وإلا فلا يحل الختان للنساء إن لم يكن بهم طول لما يلي
عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله «إنما النساء شقائق الرجال» أبو داود وصححه الألباني
وجه الدلالة أن النساء يشتركن مع الرجال في حكم كل مسألة شرعية ما لم يأت دليل على تخصيص أحدهم بالحكم، وحيث لم يأت دليل على اختصاص الرجال بوجوب الختان فهو واجب على النساء أيضًا
في حديث قتادة الرهاوي السابق «كان يأمر من أسلم» فلفظ «من» اسم موصول مشترك يقع وقوعًا مستويًا على الذكر والأنثى وعلى المفرد والجمع، ومن ثَم فهو دليل على وجوبه على النساء
عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» متفق عليه
وجه الدلالة أن النبي سمى كل من فرجي الذكر والأنثى «ختانًا»، فدل على أن كليهما مختونان، وهذا دليل على أن جميع الصحابة والصحابيات كانوا من المختونين، وقوله للصحابة ولأمته فوجب مماثلة الصحابة والصحابيات في ذلك
عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت إن امرأة كانت تختن بالمدينة، فقال لها النبي «لا تنهكي فإن ذلك أحظى للزوج وأسرى للوجه» الطبراني في الأوسط وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة
وفي رواية أخرى «أنه عندما هاجر النساء كان فيهن أم حبيبة، وقد عُرفت بختان الجواري، فلما رآها رسول الله قال لها يا أم حبيبة، هل الذي كان في يدك هو في يدك اليوم؟» فقالت نعم يا رسول الله، إلا أن يكون حرامًا فتنهاني عنه فقال رسول الله «بل هو حلال، فادن مني حتى أعلمك» فدنت منه، فقال «يا أم حبيبة، إذا أنتِ فعلت فلا تنهكي فإنه أشرق للوجه وأحظى للزوج» رواه أبو داود، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم
وجه الدلالة قوله «اخفضي» فاللفظ فعل أمر، والأمر يقتضي الوجوب كما أن الختان في حق الذكر طهارة، وفي حق المرأة طهارة وتعديل للشهوة، فكان أولى بالوجوب
قال الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، شيخ الأزهر السابق رحمه الله، تعليقًا على حديث أم عطية السابق «وهذا التوجيه النبوي إنما هو لضبط ميزان الحس الجنسي عند الفتاة، فأمر بخفض الجزء الذي يعلو مخرج البول لضبط الاشتهاء مع الإبقاء على لذات النساء واستمتاعهن مع أزواجهن، ونهى عن إبادة مصدر هذا الحس واستئصاله، وبذلك يتحقق الاعتدال، فلم يعدم المرأة مصدر الاستمتاع والاستجابة، ولم يبقها دون خفض فيدفعها إلى الاستهتار وعدم القدرة على التحكم في نفسها عند الإثارة» اهـ
ما ذكرناه من الأدلة على الوجوب في حق الرجال ينطبق على النساء أيضًا
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
منقول