وقفات مع آيات الصيام (1) (خطبة مقترحة)
وقفات مع آيات الصيام (1) (خطبة مقترحة)
كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
مقدمة:
- التنبيه فيها على اقتراب شهر رمضان الذي خصه الله بعبادة من أعظم العبادات؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ
تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ
وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي، وَأَنَا أَجْزِى بِهِ،
وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا) (رواه البخاري).
- كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يجعل من صيام شعبان مقدمة لصيام رمضان لعظيم قدر الصيام فيه،
فعن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ
أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ،
قَالَ: (ذَلِكَ
شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ
شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ
أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) (رواه النسائي، وحسنه الألباني).
ولعظيم هذه العبادة "الصيام" ستكون لنا وقفات مع آيات الصيام:
قال الله -تعالى-: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ
عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183).
الوقفة الأولى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا):
-
النداء الحبيب إلى قلوب المؤمنين؛ جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود -رضي
الله عنه- فقال: "يا أبا عبد الرحمن، اعهد إليّ"، فقال له: "إذا سمعت الله
يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فأعرها سمعك؛ فإنه خير تؤمر به، أو شر تنهى عنه".
- النداء الذي يعقبه أمر فيه مصلحة للمؤمنين خاصة، ولذلك كثر في المرحلة المدنية لتمييز المؤمنين.
الوقفة الثانية (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ):
(كُتِبَ عَلَيْكُمُ): حكم شرعي تكليفي مفاده وجوب الصيام على أهل الإيمان، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (بُنِيَ
الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ
وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ
الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ) (متفق عليه)، فذكر منها: (وَصَوْمِ رَمَضَانَ).
- كتب الله على العباد أنواعًا من العبادات لتفاوت قدرات الناس: فالذي لا يبرز في عبادة يبرز في غيرها، ولذلك فهي أنواع.
فمنها قولية: كالذكر، والدعوة إلى الله.
ومنها قلبية: كالحب، والتوكل، والخشية، والإخلاص.
ومنها بدنية: كالجهاد، والحج، والصيام.
ومنها مالية: كالزكاة، والصدقات عمومًا.
وكلها تدور على الأمر بالفعل أو الترك، كالصلاة والزكاة والحج، وترك الأكل والشرب والمفطرات في الصيام، وهكذا...
الوقفة الثالثة "الصيام" من أفضل العبادات:
-
عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: أَنْشَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله
عليه وسلم- غَزْوًا، فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ
اللَّهَ لِي بِالشَّهَادَةِ. قَالَ: (اللَّهُمَّ سَلِّمْهُمْ وَغَنِّمْهُمْ)،
فَغَزَوْنَا فَسَلِمْنَا وَغَنِمْنَا، ثُمَّ أَنْشَأَ غَزْوًا آخَرَ،
فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ لِي
بِالشَّهَادَةِ. قَالَ: (اللَّهُمَّ سَلِّمْهُمْ وَغَنِّمْهُمْ)،
فَغَزَوْنَا فَسَلِمْنَا وَغَنِمْنَا، ثُمَّ أَنْشَأَ غَزْوًا آخَرَ،
فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَيْتُكَ تَتْرَى
ثَلاَثاً، أَسْأَلُكَ أَنْ تَدْعُوَ اللَّهَ لِي بِالشَّهَادَةِ،
فَقُلْتَ: (اللَّهُمَّ سَلِّمْهُمْ وَغَنِّمْهُمْ)، فَغَزَوْنَا فَسَلِمْنَا وَغَنِمْنَا، فَمُرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَمْرٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ. قَالَ: (عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لاَ مِثْلَ لَهُ). قَالَ:
وَكَانَ أَبُو أُمَامَةَ لاَ يَكَادُ يُرَى فِي بَيْتِهِ الدُّخَانُ
بِالنَّهَارِ، فَإِذَا رُئِيَ الدُّخَانُ بِالنَّهَارِ عَرَفُوا أَنَّ
ضَيْفاً اعْتَرَاهُمْ مِمَّا كَانَ يَصُومُ هُوَ وَأَهْلُهُ. (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).
-
وروي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث
أبا موسى على سرية في البحر، فبينما هم كذلك قد رفعوا الشراع في ليلة
مظلمة إذا هاتف فوقهم يهتف: "يا أهل السفينة، قفوا أخبركم بقضاء قضاه الله
على نفسه"، فقال أبو موسى: "أخبرنا إن كنت مخبرًا"، قال: "إن الله -تبارك
وتعالى- قضى على نفسه أنه من أعطش نفسه له في يوم صائف سقاه الله يوم
العطش".
الوقفة الرابعة: (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ):
- (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ): تنشيط للأمة لتنافس غيرها، وكذلك تسهيلاً للعبادة؛ إذ الأمور الشاقَّة إذا عمت سهل عملها، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (نَحْنُ الآخِرُونَ الأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (رواه مسلم).
- كان الصيام في الأمم قبلنا على نحو صيامنا، بخلاف ما ابتدعه أهل الكتاب من الصيام الحالي عندهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ
اللَّهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ
بِهَا وَيَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنَّهُ
كَادَ أَنْ يُبْطِئَ بِهَا، فَقَالَ عِيسَى: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَكَ
بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ لِتَعْمَلَ بِهَا وَتَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ
يَعْمَلُوا بِهَا، فَإِمَّا أَنْ تَأْمُرَهُمْ وَإِمَّا أَنَا آمُرُهُمْ.
فَقَالَ يَحْيَى: أَخْشَى إِنْ سَبَقْتَنِي بِهَا أَنْ يُخْسَفَ بِي أَوْ
أُعَذَّبَ، فَجَمَعَ النَّاسَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَامْتَلأَ
الْمَسْجِدُ، وَقَعَدُوا عَلَى الشُّرَفِ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ
أَمَرَنِي بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ أَعْمَلَ بِهِنَّ وَآمُرَكُمْ أَنْ
تَعْمَلُوا بِهِنَّ: أَوَّلُهُنَّ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ
تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَإِنَّ مَثَلَ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ
كَمَثَلِ رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بِذَهَبٍ أَوْ
وَرِقٍ، فَقَالَ: هَذِهِ دَارِى وَهَذَا عَمَلِي، فَاعْمَلْ وَأَدِّ
إِلَىَّ، فَكَانَ يَعْمَلُ وَيُؤَدِّي إِلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ،
فَأَيُّكُمْ يَرْضَى أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ كَذَلِكَ؟ وَإِنَّ اللَّهَ
أَمَرَكُمْ بِالصَّلاَةِ، فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلاَ تَلْتَفِتُوا؛
فَإِنَّ اللَّهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ فِي صَلاَتِهِ مَا
لَمْ يَلْتَفِتْ، وَآمُرُكُمْ بِالصِّيَامِ؛ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ
كَمَثَلِ رَجُلٍ فِي عِصَابَةٍ مَعَهُ صُرَّةٌ فِيهَا مِسْكٌ، فَكُلُّهُمْ
يَعْجَبُ أَوْ يُعْجِبُهُ رِيحُهَا، وَإِنَّ رِيحَ الصَّائِمِ أَطْيَبُ
عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
- وعن ابن عمرو بن العاص -رضي
الله عنهما- قال: بَلَغَ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- أَنِّي أَصُومُ
أَسْرُدُ وَأُصَلِّى اللَّيْلَ، فَإِمَّا أَرْسَلَ إِلَىَّ وَإِمَّا
لَقِيتُهُ، فَقَالَ: (أَلَمْ أُخْبَرْ
أَنَّكَ تَصُومُ وَلاَ تُفْطِرُ، وَتُصَلِّى اللَّيْلَ، فَلاَ تَفْعَلْ؛
فَإِنَّ لِعَيْنِكَ حَظًّا، وَلِنَفْسِكَ حَظًّا، وَلأَهْلِكَ حَظًّا.
فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَصَلِّ وَنَمْ، وَصُمْ مِنْ كُلِّ عَشْرَةِ أَيَّامٍ
يَوْمًا وَلَكَ أَجْرُ تِسْعَةٍ)، قَالَ: "إِنِّي أَجِدُنِي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ"، قَالَ: (فَصُمْ صِيَامَ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-)، قَالَ: "وَكَيْفَ كَانَ دَاوُدُ يَصُومُ يَا نَبِىَّ اللَّهِ؟"، قَالَ: (كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلا يَفِرُّ إِذَا لاَقَى) (متفق عليه).
الوقفة الأخيرة (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ):
- (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ): إتقان الظاهر مع الباطن يجلب التقوى؛ إذ الغرض من الأعمال الظاهرة زيادة الإيمان في الباطن.
- الذي يترك المباح امتثالاً لأمر الله أسهل عليه ترك الحرام إذا أمر بذلك؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَيْسَ
الصِّيَامُ مِنَ الأَكْلِ وَالشَّرْبِ فَقَطْ؛ إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ
اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، فَإِنْ سَابَّكَ أَحَدٌ أَوْ جَهِلَ عَلَيْكَ
فَقَلْ: إِنِّي صَائِمٌ) (رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وحسنه الألباني)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.