حين يخلو الحبيب بحبيبه !!
بِسْمِ اللّهِ
الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
حين يخلو الحبيب بحبيبه !!
الحمد لله والصلاة والسلام على
رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد،
فإننا في سيرنا نحو الهدف نحتاج
إلى الاعتكاف، وحين يُذكر الاعتكاف تهفو إليه النفوس المؤمنة والقلوب الصادقة؛
فالاعتكاف... بيت المشاعر.. وعمق الإيمان.. وصدق
التوجه.. وحلاوة الغربة..
الاعتكاف... ملازمة الباب.. والوقوف في
المحراب.. ولذة أولي الألباب..
الاعتكاف... لابد منه لكل صادق؛ فإنه مطلب
رئيس يحتاجه في حياته..
فإن في القلب شعثًا.. لا
يلمه إلا الإقبال على الله..
وفي القلب فاقة.. لا
يسدها إلا الأنس به واستشعار معيته..
هم الحياة وكبدها.. شتات القلب
وتفرقه.. مأساة التعامل مع الناس ودنياهم، كل ذلك:
-
يجعل الإنسان يتوق إلى خلوة
حصينة يخلو فيها مع ربه وإلهه.. وحبيبه ومعبوده.. وسيده ومطلوبه
-
يجعل الإنسان يشتاق إلى لحظات
يتخلص فيها من كل شيء، ومن كل أحد.. ويجتمع هم قلبه وكل مشاعره وأحاسيسه بل كل
حواسه على الله وحده.
فرصة الفرص:
وفرحة اعتكاف رمضان لمن أراد أن
يغتنمها فرصة الفرص فإنه يخص العشر الأواخر من رمضان جو إيماني عبق.. جو روحاني
طلق.. فيها هدايا.. وفرائد وفوائد.. ونعم لا تحصى تحتاج إلى شكر.
الاعتكاف سنة مؤكدة:
قال صلى الله عليه وسلم: "إني اعتكفت العشر الأول؛ ألتمس هذه الليلة، ثم اعتكفت
العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف
فليعتكف"
ولكن للأسف ترى كثيراً من
متفقهي عصرنا ممن عُرف بالتساهل في التمسك بالسنن، إذا قيل له في تركه بعض السنن،
قال: "هي سنة، وهي جائزة الترك"..!!!، وينسى أو يُغفِل المعنى الإيجابي
لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو المقتضى للإتباع والاقتداء، واللائق
بالمسلم الحصيف غير هذا؛ فقد كان السلف الأُول يفعلون كل مطلوب شرعاً- ولو كان
رغيبة أو فضيلة- ودون تمييز بين ما يُطلب على سبيل الفرض أو الواجب، وبين ما يطلب
على سبيل الترغيب أو الندب.
فالسنة المندوبة حصن للفرائض
الواجبة، وباب لزيادة الحسنات والأنوار على المتسنن بها، وعنوان الحب والإتباع
لهدي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في شأنه كله، فالحرص على السنن النبوية
والتمثل بها من أكبر الغنائم، وأجمل الصفات، وأفضل القربات والطاعات؛ فعليك به
أيها الأخ المسلم.
أهداف الاعتكاف:
1- حقيقة إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم.
2- تحري ليلة القدر.
3- التوبة النصوح.
4- الخلوة بالله عز وجل، والانقطاع عن الناس ما أمكن؛ حتى يتم أنسه بالله،
وتفكره في آلائه عز وجل.
5- تعود العبادة بصورتها الكلية، بالانقطاع التام للعبادة الصِرف من صلاة
ودعاء وذكر وقرآن وقيام.
6- تزكية النفس، وإصلاح القلب، ولم شعثه بالإقبال على الله تبارك وتعالى بكليته،
و الاطمئنان النفسي.
7- الإقلاع عن كثير من العادات الضارة، وحفظ اللسان والجوارح عما لا ينفع.
8- حفظ الصيام من كل ما يؤثر عليه من حظوظ النفس وشهواتها.
9- تكوين أكبر رصيد من الحسنات: ختمة أو ختمتان يوميًا، صلاة ألف ركعة في
العشرة أيام، الدعاء بجميع أدعية القرآن والسنة (خذ معك كتاب "مختصر النصيحة"
للمقدم، أو الدعاء للقحطاني، مطوية الدعاء التي في هدية الموقع لهذا الشهر)،
الدعاء لمدة ساعة كاملة دون انقطاع، الدعاء في سجدة واحدة لمدة نصف ساعة.. إلخ
10- الصبر على مجانبة الترف، والتقلل من الدنيا، والزهد في كثير منها مع القدرة
على التعامل معها.
ولكن كيف تحقق أهداف
الاعتكاف؟
1- لابد من إرادة صادقة.. ونية مخلصة.. واحتساب ذكي.
2- لابد من حسن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم والحذر من البدع.
3- لابد من برنامج جاد.
4- لابد من حزم في ترك العادات الملازمة والطقوس المعتادة.
5- لابد من النشاط والمسابقة والمسارعة، فإن استطعت ألا يسبقك أحد إلى الله
فافعل.
6- لابد من المجاهدة في سبيل حضور القلب، وحضور الذهن في العبادة.
7- لابد من مجانبة سموم الخمسة: "فضول الطعام، فضول الكلام، فضول
المخالطة، فضول النظر، فضول النوم".
فلا كلام.. ولا"هزار"..
ولا خلطة.. ولا سلامات.. ولا جدل.. ولا رنات.. ولا رسائل.. ولا خروج من المسجد..
أنت معتكف !
8- لابد من مداومة الذكر على كل حال..
9- لابد أن تصل بالاعتكاف للهدف الذي تكلم عنه ابن القيم.
الهدف الذي تحدث عنه ابن القيم للاعتكاف
قال ابن القيم رحمه الله في
كتابه (تهذيب مدارج السالكين: 2/872):
"الاعتكاف هو عكوف القلب
بكليته على الله عز وجل، لا يلتفت عنه يمنة ولا يسرة، فإذا ذاقت الهمة طعم هذا
الجمع اتصل اشتياق صاحبها وتأججت نيران المحبة والطلب في قلبه..
فلله همة نفس قطعت جميع الأكوان
وسارت، فما ألقت عصا السير إلا بين يدي الرحمن تبارك وتعالى، فسجدت بين يديه سجدة
الشكر على الوصول إليه، فلم تزل ساجدة حتى قيل لها: {يَا
أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً
مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي}، فسبحان من فاوت بين الخلق في
هممهم حتى ترى بين الهمتين أبعد مما بين المشرقين والمغربين، بل أبعد مما بين أسفل
سافلين وأعلى عليين، وتلك مواهب العزيز الحكيم: {ذَلِكَ
فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}
[b].
[/b]
وهكذا يجد لذة غامرة عند مناجاة
ربه، وأنساً به وقرباً منه، حتى يصير كأنه يخاطبه ويسامره، ويعتذر إليه تارة،
ويتملقه تارة، ويثني عليه تارة، حتى يبقى القلب ناطقاً بقوله: أنت الله الذي لا
إله إلا أنت، من غير تكلف له بذلك، بل يبقى هذا حالاً ومقاماً، كما قال النبي صلى
الله عليه وسلم: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه"
.
فإذا تم هذا الذل للعبد تم له
العلم بأن فضل ربه سبق له ابتداءً قبل أن يخلقه، مع علم الله سبحانه به
وتقصيره، وأن الله تعالى لم يمنعه علمه سبحانه بتقصير عبده أن يقدِّر له
الفضل والإحسان، فإذا شاهد العبد ذلك، اشتد سروره بربه وبمواقع فضله وإحسانه، وهذا
فرح محمود غير مذموم، قال الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ
اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}
"
أخي في الله ،،،
اعتكف..
وقبل أن تعتكف.. اعرف
لماذا ستعتكف؟
وإذا اعتكفت.. فاجعل بصرك صوب
الهدف..
لتصل بإذن الله إلى الفرح الذي أخبرك به ابن القيم..
أحبك في الله ،،،
والسلام عليكم ورحمة الله
وبركاته