(وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ).. هل من الصواب هدم المسجد؟ :: من قلب الحدث ::
(وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ).. هل من الصواب هدم المسجد؟
كتبه/ جمال عبد الرافع(*)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد انتشر بين الناس وعبر وسائل الإعلام خبر بناء مسجد أمام ما استفاض خبره بين الناس أنه كنيسة تـُبنى بمدينة الإسكندرية، وتفاصيل القصة في نقاط كما يلي:
- معلوم لدى القاصي والداني أن النصارى يستخدمون تراخيص وهمية لبناء الكنائس عبر استخراج ترخيص لمصنع أو مستشفى أو عمارة، ثم سرعان ما يتحول البناء وفي غفلة من الجميع إلى كنيسة، ويستيقظ الناس على كنيسة بُنيت في حيِّهم دون أن يكون في الحي -أحيانًا- نصراني واحد.
ولهذا أصبح عند الناس عدم ثقة في أي بناء يشرع فيه النصارى بعد تكرار بنائهم للكنائس بدون تراخيص.
- اكتشف الناس في عزبة حجازي بالإسكندرية منذ عدة أشهر توافد القساوسة على بناء مهجور وبصورة متكررة وبعدد متزايد، مع كون هذه المنطقة صناعية ولا يوجد بين سكانها أي من النصارى، فاستراب الناس في الموقف، وبدأت علامات الاستفهام والشك تدور في أذهانهم: ماذا يفعل هؤلاء هنا؟
- فجأة بدأت علامات البناء تظهر على هذا المبنى المهجور، وأنشئوا جدارًا خارجيًّا ضخمًا يشبه مقدمات الكنائس، وصنعت له بوابة ضخمة، مما أوحى للعامة أن النصارى شرعوا في بناء الكنيسة.
- وهنا انفجر الموقف، مع الوضع في الحسبان ما تمر به البلاد من احتقان شديد بسبب احتجاز المسلمات في الكنائس، والمظاهرات العارمة والعنيفة التي لم تعبر بعد عن كل غضب الناس من شنودة وزمرته.
- سارع الناس إلى بناء مسجد مقابل لهذه الكنيسة المزعومة، وكان الغرض منع بنائها مع عدم التعرض لها بالهدم من قبل الناس الغاضبين، واحتواء الأزمة بدون أية خسائر، وهذا تصرف مثالي من جانب الأهالي يضمن منع التوحش النصراني في زرع غابات أسمنتية و قلاع حصينة دون أي حاجة، مخالفين بذلك الشرع الذي يمنع إحداث كنائس جديدة في بلاد المسلمين، بل والقانون المعاصر الذي لا يبيح لهم بناء الكنائس إلا إذا وجدت كثرة عددية لا تخدمهم كنائس قريبة، وفي ذات الوقت يمنع أن ينصرف الغضب الذي ينشأ في مثل هذه الحالات إلى مصادمات دامية مع النصارى.
- في هذا التوقيت تدخلت السلطات لإيقاف البناء، فازداد غضب الناس، واشتعل الموقف، وتوافد الناس على المكان في منتهى الثورة، خاصة بعد انتشار شائعة محاولة السلطات هدم المسجد.
- مع تزايد الجموع احتوى الأمن الموقف؛ احتواءً للأزمة ومنعًا للتصادم مع الجماهير الغاضبة التي أصرت على إتمام البناء، وبالفعل تم بناء المسجد، واحتشد الآلاف لصلاة الجمعة فيه دون أي إثارة؛ إظهارًا لرغبتهم أن المراد هو مجرد بناء المسجد دون أي تعرض للنصارى، وأظهرت جموع المصلين التزامًا واضحًا بهذا الهدف، وانصرف الناس في هدوء تام ودون أي حوادث تذكر.
- صرح أصحاب المكان والقائمين على بنائه مِن النصارى أن المنشآت المذكورة ليست إلا دارًا للمسنين، ولا نية لديهم أبدًا لبناء كنيسة، وإظهارًا لذلك قاموا بتحطيم واجهتهم الضخمة التي بنوها.
- وأصبح الموقف الأمني في معضلة حقيقية بين رفضه لفرض المسجد كأمر واقع على الأرض، ومحاولة الأمن هدم المسجد حتى لا تتكرر حوادث مشابهة في أماكن اخرى، مع حرصه في الوقت ذاته على عدم التصادم مع الجماهير الغاضبة، خاصة والبلاد تمر بفتنة عنيفة، والتصادم سيؤدي حتمًا إلى خسائر لا حصر لها، مع أن هذا المسجد لا يختلف في طريقة بنائه عن آلاف المساجد التي يبنيها الأهالي بالجهود الذاتية، وليست فيه مشكلة ذاتية اللهم إلا مكان البناء وزمانه، وقد أسلفنا أن هذا يُحسب له لا عليه.
وهنا السؤال: هل من الصواب هدم المسجد؟
طبعًا من الناحية الشرعية لا يجوز بحال من الأحوال هدم مسجد طالما كان معدًّا للصلاة، ولم يكن على أرض مغصوبة.
والمسجد الذي نتكلم عليه مُقام على أرض السكة الحديد، فهي أرض مملوكة لجميع المسلمين، وطالما وُجدت مصلحة شرعية لبناء مسجد عليها؛ لم يمنع من ذلك، خصوصًا أن المسجد قد أُذِّن فيه وأقيمت الصلاة فيه، فلا نملك الموافقة ولا المعاونة على هدمه، وطالما أنهم يقولون أن المبنى المقابل ليس كنيسة؛ فلمَ الإصرار على هدم المسجد؟!
ومَن يأمر أو يساعد في هدمه يعرض نفسه للوقوع تحت قوله -تعالى-: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا) (البقرة:114).
أضف إلى ذلك أن المسجد الذي نتكلم عليه مُقام على حرم السكة الحديد، وهي لا تمانع في مثل هذه الحالات من التصالح مع دفع الإيجار كما يحدث ذلك مع عدد من المساجد، بل المشروعات الخاصة كالمشاتل وغيرها.
بل حتى بموازين المصالح والمفاسد السياسية يجب أن تراعى النقاط التالية:
- إن الناظر للحشود الرهيبة التي حضرت لصلاة الجمعة بالمسجد، وتطاير الأخبار على كل الأصعدة وفي مختلف الصحف والمجلات ليعلم يقينًا أن هدم المسجد سيكون أول الخاسرين فيه بل الخاسر الوحيد فيه هو الدولة، ثم كل من شارك في احتواء الموقف من الدعاة، وليس من مصلحة البلاد لا الأمن ولا الدعاة أن يفقد الناس ثقتهم في الدعاة الحكماء، فلا يبقى إلا تحريك المشاعر والعواطف التي لا تقدر العواقب.
- إن المسألة ليست تنفيذ قرارات صدرت؛ فهي ليست قرآنـًا؛ بل النظر الآن هو بحساب المصالح والمفاسد، وبحساب الخسائر والأرباح، وأي مصلحة ستكون في هدم المسجد مع تفجير الوضع شعبيًّا؟!
وأي ربح سيكون في هدم المسجد إذا كانت النتيجة زيادة الاحتقان لا علاجه؟!
- كما أنه ليس من الحكمة هدم المسجد واستعداء الناس خاصة والبلاد مقبلة على انتخابات فاصلة.
- إننا وبنصيحة مخلصة ننبه كل من له قرار في هذه المسألة أنه ليس من الصواب أبدًا هدم المسجد تحت أي سبب كان، وليس من مصلحة الوطن في هذا الظرف الدقيق زيادة الاحتقان، بل الصواب نزع فتيل الأزمة تمامًا بإعلان واضح وصريح من قبل السلطات أنه لن يتم هدم المسجد حتى تهدأ الخواطر وتنقلب الأيدي الغاضبة إلى أكف بالدعاء لمن ساهم في إزالة المخاوف وطمأنة القلوب.
- إن الأزمة لم تصبح الخوف من بناء كنيسة بغض النظر بُنيت أو لا؛ ولكن الأزمة صارت هي هدم المسجد حتى لو لم توجد كنيسة أصلاً، ومعلوم لدى القاصي والداني خطورة هدم مسجد خاصة في ظل الوضع الحالي شديد الحرج.
اللهم وفق الجميع للصواب.
____________________________
(*) كاتب هذه السطور في قلب الأحداث، وهو أكثر من بذل جهدًا في تهدئة الناس بشهادة الجميع (موقع صوت السلف).