ن عجائب الإستغفار ....... قصص السلف مع الإستغفار
بسم الله الرحمن الرحيم
في المداومة على ذلك تأثير عجيب – بإذن الله تعالى – في دفع الكروب، ومحو الذنوب، ونيل المطلوب، وإخراج الغل من القلوب، وتفريج الهموم، وإزالة الغموم، وشفاء الأسقام، وذهاب الآلام، وحلول البركة، والقناعة بالرزق، والعاقبة الحميدة، وصلاح النفس، والأهل، والذرية، وإنزال الغيث، وكثرة المال، والولد، وكسب الحسنات، وغير ذلك من الفوائد
-----------------------------
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وقلت لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يومًا: سئل بعض أهل العلم أيما أنفع للعبد: التسبيح أو الاستغفار؟ فقال: إذا كان الثوب نقيًا فالبخور وماء الورد أنفع له، وإن كان دنسًا فالصابون والماء الحار أنفع له
إن العارفين كلهم مجمعون على أن التوفيق أن لا يكلك الله تعالى إلى نفسك، والخذلان أن يكلك الله تعالى إلى نفسك؛ فمن أراد الله به خيرًا فتح له باب الذل والانكسار، ودوام اللجوء إلى الله تعالى والافتقار إليه، ورؤية عيوب نفسه وجهلها وعدوانها، ومشا...هدة فضل ربه وإحسانه ورحمته وجوده وبره وغناه وحمده؛ فالعارف سائر إلى الله تعالى بين هذين الجناحين لا يمكنه أن يسير إلا بهما؛ فمتى فاته واحد منهما؛ فهو كالطير الذي فقد أحد جناحيه.
قال شيخ الإسلام: العارف يسير إلى الله بين مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل،
و قال ايضا شيخ الاسلام وقال أيضًا: ولهذا أمر الله سبحانه رسوله والمؤمنين باتباع ما أنزل إليهم وهو طاعته، وهو المقدمة الأولى، وأمر بانتظار وعده وهو المقدمة الثانية، وأمر بالاستغفار والصبر؛ لأن العبد لابد أن يحصل له نوع تقصير وسرف يزيله الاستغفار ولابد في انتظار الوعد من الصبر؛ فبالاستغفار تتم الطاعة، وبالصبر يتم اليقين بالوعد؛ وقد جمع الله سبحانه بينهما في قوله: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [غافر: 55
وقال أيضًا: وأما تأثير الاستغفار في دفع الهم والغم والضيق فلما اشترك في العلم به أهل الملل وعقلاء كل أمة: أن المعاصي والفساد توجب الهم والغم والخوف والحزن وضيق الصدر وأمراض القلب؛ حتى إن أهلها إذا قضوا منها أوطارهم وسئمتها نفوسهم ارتكبوها دفعًا لما يجدونه في صدورهم من الضيق والهم والغم
وسأل رجل ابن الجوزي رحمه الله تعالى: أيما أفضل: أسبح أو أستغفر؟ قال: الثوب الوسخ أحوج إلى الصابون من البخور
* واستطال رجل على أبي معاوية الأسود رحمه الله تعالى فقال: أستغفر الله من الذنب الذي سلطت به علي
عن سفيان الثوري قال: قال الربيع بن خيثم: داء البدن الذنوب ودواؤها الاستغفار وشفاؤها ألا تذنب في الدنيا
قال ابن صبيح: شكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال له: استغفر الله.
وشكا آخر إليه الفقر فقال له: استغفر الله.
وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولدًا، فقال له: استغفر الله.
وشكا إليه آخر جفاف بستانه، فقال له: استغفر الله.
عن بكر بن عبد الله المزني يقول: «لقيت أخًا لي من إخواني الضعفاء فقلت: يا أخي أوصني. فقال: ما أدري ما أقول؛ غير أنه ينبغي لهذا العبد أن لا يفتر عن الحمد والاستغفار وابن آدم بين نعمة وذنب ولا تصلح النعمة إلا بالحمد والشكر ولا الذنب إلا بالتوبة والاستغفار. قال: فأوسعني علمًا ما شئت»(
عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: «رأيت أبي في النوم بعد موته كأنه في حديقة فرفع إلي تفاحات فأولتُهن بالولد فقلت: أي الأعمال وجدت أفضل قال: الاستغفار يا بني»(
* وعن مخلد قال: جاء رجل إلى أبان بن أبي عياش فقال: إن فلانًا يقع فيك قال: أقرئه السلام وأعلمه أنه قد هيجني على الاستغفار
وقال يوسف بن الحسين: سمعت ذا النون يقول: الاستغفار جامع لمعان: أولهما: الندم على ما مضى، الثاني: العزم على الترك،
* حدثنا الوليد بن مسلم، قال: سألت عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن قول الله: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}[آل عمران: 17] فقال: حدثني سليمان بن موسى، حدثني نافع أن ابن عمر كان يحيى الليل صلاة فيقول: يا نافع: أسحرنا؟ فيقول: لا، فيعاود الصلاة فإذا قلت: نعم، قعد يستغفر الله ويدعو حتى يصبح
* عن نافع قال: «كان ابن عمر يكثر الصلاة من الليل وكنت أقوم على الباب فأفهم عامة قراءته فربما ناداني: يا نافع هل كان السحر بعد؟ فإن قلت: نعم. نزع عن القراءة فأخذ في الاستغفار). إسناده حسن.
* قال سفيان: دخلت على جعفر بن محمد، فقال: «إذا كثرت همومك فأكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار، وإذا تداركت عليك النعم فأكثر حمدًا لله»[/
* عن الربيع بن خثيم، أنه قال لأصحابه: ما الداء؟ وما الدواء؟ وما الشفاء؟ قال: «الداء الذنوب، والدواء الاستغفار، والشفاء أن تتوب فلا تعود»(
* حدثنا مالك بن مغول قال: سمعت أبا يحيى يقول: شكوت إلى مجاهد الذنوب قال: «أين أنت من الممحاة؟ يعني من الاستغفار
* عن جعفر بن برقان، قال: قلت لرجل من أهل البصرة: كيف لا يشتهي أحدنا أنه لا يزال متبركًا إلى ربه يستغفر من ذنب، ثم يعود ثم يستغفر ثم يعود، قال: قد ذكر للحسن، فقال: «ود الشيطان لو ظفر منكم بهذه فلا تملوا من الاستغفار
عن الحسن يقول: «أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقكم، وفي أسواقكم، وفي مجالسكم، أينما كنتم؛ فإنكم ما تدرون متى تنزل المغفرة
* عن يونس بن عبيد، قال: سمعت بكر بن عبد الله المزني، يقول: «إنكم تكثرون من الذنوب، فاستكثروا من الاستغفار؛ فإن العبد إذا وجد يوم القيامة بين كل سطرين من كتابه استغفارًا سره مكان ذلك»(
* روى إبراهيم بن حاطب عن أبيه قال: سمعت رجلاً في السحر في ناحية المسجد يقول: يا رب، أمرتني فأطعتك، وهذا سحر فاغفر لي. فنظرت فإذا هو ابن مسعود t.
قلت - والكلام للقرطبي: فهذا كله يدل على أنه استغفار باللسان مع حضور القلب
وروى مكحول عن أبي هريرة
قال: «ما رأيت أكثر استغفارًا من رسول الله ]
وقال مكحول: ما رأيت أكثر استغفارًا من أبي هريرة ]، وكان مكحول كثير الاستغفار
قال علماؤنا: الاستغفار المطلوب هو الذي يحل عقد الإصرار ويثبت معناه في الجنان، لا التلفظ باللسان
عن ابن المبارك عن الأوزاعي قال: قال إبليس لأوليائه: من أي شيء تأتون بني آدم؟ فقالوا: من كل شيء. قال: فهل تأتونهم من قبل الاستغفار؟ فقالوا: هيهات ذاك شيء قُرِنَ بالتوحيد. قال: لأبُثَّنَّ فيهم شيئًا لا يستغفرون الله منه. قال: فبث فيهم الأهواء
* قال الفضيل: «يقول العبد أستغفر الله، وتفسيرها أقلني
* قال الألباني رحمه الله تعالى في الكلام على قول النبي r: «لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقًا يذنبون فيغفر لهم»: وليس المقصود من الحديث وأمثاله الحضَّ على الإكثار من الذنوب والمعاصي ولا الإخبار فقط بأن الله غفور رحيم؛ وإنما الحض على الإكثار من الاستغفار ليغفر الله له ذنوبه؛ فهذا هو المقصود بالذات من هذه الأحاديث، وإن اختصر ذلك منه بعض الرواة
والله أعلم
* قال صاحب عون المعبود شارحًا حديث النبي r: «من لزم الاستغفار»: أي: عند صدور معصية وظهور بلية، أو من داوم عليه فإنه في كل نفس يحتاج إليه، ولذا قال r: «طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا». [رواه ابن ماجه بإسناد حسن صحيح].
«من كل ضيق»: أي: شدة ومحنة.
«مخرجًا»أي: طريقًا وسببًا يخرج إلى سعة ومنحة، والجارُّ متعلق به وقدم عليه للاهتمام وكذا
ومن كل هم أي: غم يهمه]«فرجًا»]: أي خلاصًا
]ورزقه]: حلالاً طيبًا.
«من حيث لا يحتسب
]: أي: لا يظن ولا يرجو ولا يخطر بباله
والحديث مقتبس من قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}
الطلاق: 2، 3
كذا في المرقاة
وقال أيضا في شرحه لهذا الحديث: «وإن العالم ليستغفر له».
قال الخطابي: إن الله سبحانه قد قيض للحيتان وغيرها من أنواع الحيوان العلم على ألسنة العلماء أنواعًا من المنافع والمصالح والأرزاق؛ فهم الذين بيَّنوا الحكم فيما يحل ويحرم منها وأرشدوا إلى المصلحة في بابها وأوصوا بالإحسان إليها ونفي الضرر عنها فألهمها الله الاستغفار للعلماء مجازاة على حسن صنيعهم بها وشفقتهم عليها([
عن أبي المنهال قال: «ما جاور عبد في قبره من جار خير من استغفار كثير
، قاله ابن العربي
* قال الفقيه: حدثنا أبي - رحمه الله تعالى - بإسناده عن أبي هريرة t أنه قال: من رزق ستًا لم يحرم ستًا؛ من رزق الشكر لم يحرم الزيادة؛ لقوله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}[إبراهيم: 7].
ومن رزق الصبر لم يحرم الثواب؛ لقوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزمر: 10].
ومن رزق التوبة لم يحرم القبول؛ لقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}[الشورى: 25].
ومن رزق الاستغفار لم يحرم المغفرة؛ لقوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا}[نوح: 10].
ومن رزق الدعاء لم يحرم الإجابة؛ لقوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر: 60].
ومن رزق النفقة لم يحرم الخلف؛ لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[سبأ: 39 ).
bic]وقال عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما: «كنا نعد لرسول الله في المجلس الواحد يقول: «رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور» مائة مرة.[
فليس لأحد أن يظن استغناءه عن التوبة إلى الله والاستغفار من الذنوب؛ بل كل أحد محتاج إلى ذلك دائمًا قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا * لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[الأحزاب: 72، 73]؛ فالإنسان ظالم جاهل، وغاية المؤمنين والمؤمنات التوبة، وقد أخبر الله تعالى في كتابه بتوبة عباده الصالحين ومغفرته لهم، وثبت في الصحيح عن النبي r أنه قال: «لن يدخل الجنة أحد بعمله» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل»... ومن ظن أن الذنوب لا تضر من أصر عليها فهو ضال مخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف والأئمة؛ بل {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}
[ وإنما عباده الممدوحون هم المذكورون في قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}
c]وإذا رأى أنه لا ينشرح صدره ولا يحصل له حلاوة الإيمان ونور الهداية فليكثر التوبة والاستغفار وليلازم الاجتهاد بحسب الإمكان؛ فإن الله يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[ ][العنكبوت: 69] ]، وعليه بإقامة الفرائض ظاهرًا وباطنًا ولزوم الصراط المستقيم مستعينًا بالله متبرئًا من الحول والقوة إلا به
* وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن قوله: «ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم والليلة سبعين مرة»: هل المراد ذكر الاستغفار باللفظ أو أنه إذا استغفروا ينوي بالقلب أن لا يعود إلى الذنب؟
فأجاب: الحمد لله؛ بل المراد الاستغفار بالقلب مع اللسان؛ فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له كما في الحديث الآخر: «لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار»؛ فإذا أصر على الصغيرة صارت كبيرة وإذا تاب منها غفرت قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} الآية
([1]) مجموع الفتاوى: (11/390).
و قال رحمه الله فإن الاستغفار هو طلب المغفرة، وهو من جنس الدعاء والسؤال، وهو مقرون بالتوبة في الغالب ومأمور به، لكن قد يتوب الإنسان ولا يدعو، وقد يدعو ولا يتوب، وفي الصحيحين عن أبي هريرة t عن النبي r فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: «أذنب عبد ذنبًا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي. فقال الله تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعلم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبًا، فعلم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي. فقال تعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعلم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، قد غفرت لعبدي» وفي رواية لمسلم: «فليفعل ما شاء»، والتوبة تمحو جميع السيئات وليس شيء يغفر جميع الذنوب إلا التوبة؛ فإن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وأما التوبة فإنه قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر: 53]، وهذه لمن تاب، ولهذا قال: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}: لا تقنطوا من رحمة الله بل توبوا إليه، وقال بعدها: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}[الزمر: 54]، وأما الاستغفار بدون التوبة فهذا لا يستلزم المغفرة؛ ولكن هو سبب من الأسباب
عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين قال – لما قال له سفيان: لا أقوم حتى تحدثني – قال جعفر: أما إني أحدثك وما كثرة الحديث لك بخير يا سفيان، إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها ودوامها، فأكثر من الحمد والشكر عليها؛ فإن الله عز وجل قال في كتابه: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}، وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار؛ فإن الله عز وجل قال في كتابه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}[نوح: 10-12]، في الآخرة يا سفيان إذا حزبك أمر من سلطان أو غيره فأكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فإنها مفتاح الفرج وكنز من كنوز الجنة، فعقد سفيان بيده وقال: ثلاث، وأي ثلاث؟! قال جعفر: عقلها والله أبو عبد الله ولينفعه الله بها وبه
ويروى عن لقمان u أنه قال لابنه: يا بني عود لسانك: اللهم اغفر لي؛ فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلاً، وقال الحسن: أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقكم، وفي أسواقكم، وفي مجالسكم أينما كنتم، فإنكم ما تدرون متى تنزل المغفرة
ومن زاد اهتمامه بذنوبه، فربما تعلق بأذيال من قلت ذنوبه، فالتمس منه الاستغفار.
وكان عمر يطلب من الصبيان الاستغفار، ويقول: إنكم لم تذبنوا
وكان أبو هريرة يقول لغلمان الكُتَّاب: قولوا: اللهم اغفر لأبي هريرة، فيؤمن على دعائهم
]قال بكر المزني: لو كان رجل يطوف على الأبواب كما يطوف المسكين يقول: استغفروا لي، لكان قبوله أن يفعل
ومن كثرت ذنوبه وسيئاته حتى فاقت العَدَّ والإحصاء، فليستغفر الله مما علم الله، فإن الله قد علم كل شيء وأحصاه، كما قال تعالى:
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ}
وفي حديث شداد بن أوس، عن النبي
]: «أسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب». وفي هذا يقول بعضهم:
استغفر الله مما يعلم الله
إن الشقي لمن لا يرحم الله
ما أحلم الله عمن لا يراقبه
كلٌّ مسيءٌ ولكن يحلم الله
فاستغفرِ الله مما كان من زلل
طوبى لمن كف عما يكره الله
طوبى لمن حسنت فيه سريرته
طوبى لمن ينتهي عما نهى الله
* عن عبد الوهاب بن المنذر الصبي أنه قال: لكل شيء أول، وأول الخير الاستغفار، قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا}[نوح: 10]. يعني لا يزال يغفر للمستغفرين