تكفير الحسنات للسيئات
اسم السورة : الشورى | رقم الآية : 25
وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ
يقول تعالى ممتناً على عباده بقبول توبتهم إليه: إذا تابوا ورجعوا إليه: إنه من كرمه وحلمه أنه يعفو ويصفح ويستر ويغفر؛ وكقوله عز وجل: {وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً} وقد ثبت في صحيح مسلم رحمة الله عليه، حيث قال: حدثنا محمد بن الصباح وزهير ابن حرب قالا: حدثنا عمر بن يونس، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثنا إسحاق بن أبي طلحة، حدثني أنس ابن مالك، وهو عمه رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لله تعالى أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كانت راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك، إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك ــــ أخطأ من شدة الفرح» . وقد ثبت أيضاً في الصحيح من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه نحوه. وقال عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري في قوله تعالى: {وَهُوَ ٱلَّذِى يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}: إن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته في المكان يخاف أن يقتله فيه العطش» وقال همام بن الحارث: سئل ابن مسعود رضي الله عنه عن الرجل يفجر بالمرأة ثم يتزوجها؟ قال: لا بأس به، وقرأ: {وَهُوَ ٱلَّذِى يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} الآية، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث شريح القاضي عن إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم النخعي، عن همام، فذكره، وقوله عز وجل: {وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّئَـٰتِ} أي: يقبل التوبة في المستقبل، ويعفو عن السيئات في الماضي {وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} أي: هو عالم بجميع ما فعلتم وصنعتم وقلتم، ومع هذا يتوب على من تاب إليه. وقوله تعالى: {وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ} قال السدي: يعني يستجيب لهم، وكذا قال ابن جرير: معناه: يستجيب لهم الدعاء لأنفسهم ولأصحابهم وإخوانهم، وحكاه عن بعض النحاة، وأنه جعلها كقوله عز وجل: {فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ} [آل عمران: 195] ثم روى هو وابن أبي حاتم من حديث الأعمش عن شقيق بن سلمة، عن سلمة بن سبرة قال: خطبنا معاذ رضي الله عنه بالشام، فقال: أنتم المؤمنون، وأنتم أهل الجنة، والله إني لأرجو أن يدخل الله تعالى من تسبون من فارس والروم الجنة، وذلك بأن أحدكم إذا عمل له ــــ يعني: أحدهم ــــ عملاً قال: أحسنت رحمك الله، أحسنت بارك الله فيك، ثم قرأ: {وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ}.
تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير